صحيفة المثقف

حكاية "سُعدى"

سردار محمد سعيد

أتشعران بي ؟

أنا أشعر بكما بمجرد سماع صوت هشيم الأباريق ،وصدى وقع خطوات مريم، فتعروني قشعريرة، يحتضن شجرتي نور الشمس فتورق، ويضوع ريّا ثمرها الزكي .

لقد أمحضتماني الفنّ.

فإليك يا بياتي ويا سعدي ولم ترحل فراشاتكما من بستاني،ولو أن المنتأى واسع.

لكما مني تسليم البشاشة.

حاولت أن أزيح طرفاً من الستار العظيم كما فهمته منكما ، أيها المعلمان.

لو كنت أعرف أين مريم

لاتّبعت النجم نحو بلادها ،

لكن مريم خلفتني في المتاهة منذ أن رحلت

وقالت : سوف تلقاني إذا أحببتني

سعدي يوسف

 

الحب يا مليكتي مغامرة

يخسر فيها رأسه المهزوم

بكيت ، فالنجوم

غابت ، وعدت خاسراً مهزوم ...

" عبد الوهاب البياتي "

***

 حكاية "سُعدى"

إني أعترف

أنا برعم الحب الرهيف المتفتح يوم عرف الإنسان أنه إنسان .

قلت: سيغدوالتاريخ ناصع الوجه.

وتنشر الريح ريّا الزهورفي الفضاء.

ترقص الأغصان بشدو الطيور.

تتزحلق الفراشات على سرير قوس قزح فتهديه ألوان أجنحتها .

في يوم ما صرخت بوجه القلاع التي بنيت لتمنع ثورات الأنوثة،

وتسلقتها رافعة فوق أعلى ذرواتها راية العشق،

فجعلوا مني آلهة الحب والجمال والخصب .

شُغفت بلين النبات ووداعة الحيوان وعنف الإنسان .

عشقت ظلام الليل واسوداد الحدق وجدائل الشعر، وبياض القلوب وضوء الفجر .

عشقت الصمت والسكوت والسكون، وصوت الريح وحفيف الشجروهمس العشاق.

ولم يبق جسد إلا وذقت ثمرته .

ولا شفاه إلا سقيت أرضي من رضابها .

مُسخت عربة مطهمة بالذهب واللازورد،وتجرّها الصواعق، وناديت "جلجامش "خذ هديتك،هيت لك، وهبني ثمرتك، فأبى .

ألّهت في أوروك،وسموني "عشتار".

وفي مصرسموني" إيزيس " .

أحببتُ وعشقتُ، ومن كان بلا لحاف صرت له لحافاً،

ومن مسّه عطش سقيته لبن أثدائي .

امتزجت بأجساد امتزاج الماء بالنبيذ .

ذبت بأخرى ذوبان الملح بالماء .

وسميت ببلاد الإغريق" افروديت " .

إذ برزت عارية كلؤلؤة من صدفة تطفو على سطح الماء .

وصفتُ بآلهة الحب والعشق والشهوة .

وعُرفت ُفي شتى البقاع بأسماء مختلفة فمرّة فينوس ومرّة اللات ومرّة كليوباترا، وكلهن أنا .

أنا " سُعدى "، إسمعوني ياأهل العالَمَين العلوي والسفلي.

حمل الراية معي، وكان لي لحافاً، ذاب فيً وذبت فيه، اندمجنا معا، حين أكون كأساً يكون كافورها، وحين يكون كأساً اكون كافورها .

وبلا وعي فُرض عليه أن يذوب في العدم، فكان لزاماً عليّ أن أفديه ليبقى زيتون شجرته مشعّاً وإن خمد ضياء شجرتي، ولتبق لثغته تتمتع بها أسماع الإناث بعدي وبها يتلذذن .

الحقيقة كنت أراه كما لو خُلق لي لا لغيري وإن وصفت بالأنانيّة، لذا فمن البدهي كنت أشعر بأنه سيفقد شيئاً حتى لو نظر إلى غيري مجرد نظرة سطحية، سطحيّة هذه بنظر الناس أو أنها حجة لإبعاد الشكوك، كنت أتمنى أن تصاب عينيه بعمى من نوع خاص تجاه الجميلات اللواتي ينظرن إليه وفي بالهن تتسارع مشاهد تقبيله أو معانقته، وبرغم عدم تصديقي أن كريم لن يقدم على خيانتي إذا كانت فعلته ترقى إلى مستوى لفظة خيانة أقول سألت أمي إذا كان يوجد لديها ما يمنعه من النظر إلى الفاتنات أو يمنعهن من التمعن في قسمات وجهه، لكن أمي قالت إن قسمات وجهه خالية من أي تعبيريعجب النساء، وأني وحدي المعجبة به، وأنني ثاني امرأة معجبة به، وحين سألتها من الثانية ؟ وكنت أغلي في داخلي وقررت على وجه السرعة أن أعد فخّا للتخلص منها، لكني بردت بسرعة حين قالت : المرأة الثانية هي أمه . وبعدها رحت أضحك على نفسي، فلا يعقل أن أنصب فخاً لمن أنجبته، ثم أين هي الآن، في أي عالم إذا بقت على قيد الحياة ؟ والحق قد فرحت بمتابعتها له وترصّد حركاته وسكناته في كثير من مغامراته التي كان يسردها لي طوال الليالي الشتائية وهو يلفّني من البرد، ولا أكتمكم سرّاً أني كنت أفتعل البرد حتى لوكان الجو ساخناً، وأعجبت بجدّته كثيراً، وتمنيت لو أعد لها محراباً لسعت النساء جميعاً إليه ولمسحنه بالحناء ويربطن الخرق على شبابيك ضريحها، ويقربن القرابين لله تعالى داعيات أن يمنحهن فتيات بعقول راجحات العقول كهذه الأنثى الطيّبة .

أمي كانت تعزو حبي للثغته، ولو أنها كان لديها بعض الحق لكن اللثغة كانت الطريق الذي دلّني على روحه التي لا مثيل لها على الإطلاق، وجمال الوجه والوسامة زائلتان بعد القبلة الأولى، ولا فائدة من وسامة وجه رجل بقلب لئيم وروح وسخة، وفي الحقيقة لا يرى القلب ولا تدرك الروح وهذا السبب الذي طالما غش البليدات والمتعجرفات .

إن حبي لم يولد مع لثغته بل مذ كان رضيعاً، بل مذ كان نطفة، وهذا ربما يضحككم، وربما تقولوا هو حب كحب أم لإبنها أو الأخت الكبيرة لأخيهاالصغير، فالحب أنواع ودرجات، نعم أنواع ودرجات، ولكني كنت أحرص على أن يكون لي حبيب روح ولا يهم الإنتظارمهما طال الزمن ومر الوقت ولكن لست أنسى يوم فُقد حليب الرضّع في الأسواق كيف وضعت علبة كبيرة بباب دارهم وكتبت ورقة معها تقول : من فاعل خير، وعندما شبّ كم كنت أحزن عندما أراه يميل قلبه إلى قلب غيري مثل زميلته في المدرسة المختلطة، وكنت أود سحق الضفدع الذي أرسله لها، وفيما بعد اعجابه بتفاصيل جسدها يوم هطل المطروهي ترقص بثياب قد التصقت مبرزة التفاصيل، وكان يرى ويحفظ تفاصيل جسدي عندما كان يزورني ليلاً، وظل يعتقد انه محض حلم أوكابوس كما تعتقد أمي .

ألله ما ألذ الكوابيس بين ذراعي حبيب .

أعترف أني كنت أتابعه وأتخيله حتى عندما كان طفلاً وأحلم به يلعب معي لعبة " الغميضة " وأجعله يمسكني بسهولة، فأرتمي بأحضانه وأدس شعري في صدره، فيلعب بـالشرائط الملوّنة التي تزينه .

 ولم أفرح وأبتهج إلا عندما اختارت عريساً غيره، وكنت أود لو أرقص مع الفتيات بهجة بليلة الزفاف، ولا يعلمن أني أرقص بهجة لأن حبيبي كريم قد تخلص من حبل كان يربطه بها،والآن أصبح الحبل بيدي، ولم أكن غافلة عن نزواته وتصرفاته المراهقية وعلاقاته الجنسية غير أني كنت أعدّها تصرفات عابرة وقضاء حاجة اقتضتها الفسلجة .

كنت قد قررت أن يكون لي لا لغيري، وانتهى الأمر.

***

سردار محمد سعيد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم