صحيفة المثقف

جيل الطبيعة الصامتة.. الفنان التشكيلي عطا صبري

جمال العتابييطالعنا أبداً وجه (العراق) في أعمال الفنان الكبير عطا صبري، الذي إستأثر بالنظرة الصافية للمشهد الطبيعي وللإنسان معاً وظل متوازناً مع ذاته دون مفارقات، ولا مواقف دراماتيكية مفتعلة، ولا حتى محاولات فنية تهدم عالماً منظوراً لتشييد نقيض له، ربما كان ينظر إلى كل تلك المحاولات نظرات أستاذ يحلل ويركب، ويقارن ويجانس، ويغاير ثم يمنح الدرجات، ولكنه كان في الوقت نفسه لايستسيغ الدخول في حقل التجربة الفنية، مغامراً في آن، ومكتشفاً في آن آخر، لأنه كان يعمل طبقاً لمزاج خاص لم تهزه عواصف التحديث، وهكذا ترك ميادين البحث مشرعة أمام إرتيادات زملائه وتلاميذه.

تأثر صبري منذ صباه بأعمال عبد القادر رسام، ورسم لوحة ( باخرة في بحر هائج) بعد زيارة له لبيت الرسام وانبهارة بالأعمال الزيتية التي تزين الجدران،

عطا صبري المولود في كركوك عام1913، تخرج من دار المعلمين الإبتدائية عام 1934،ومارس التدريس في مدارس بغداد ومعهد الفنون الجميلة، درس فن الرسم في الأكاديمية الملكية للفنون في روما، على نفقة وزارة المعارف العراقية للمدة 1937_ 1940، إضطر للعودة الى بلده مع زميله حافظ الدروبي، إثر نشوب الحرب العالمية الثانية. كلف بمهمة تدريس ملك العراق فيصل الثاني فن الرسم بعد عام 1952. واصبح عطا صبري عضواً في الهيئة الإدارية لجمعية أصدقاء الفن عام 1941،إلى جانب زملائه جواد سليم وعيسى حنا وأكرم شكري. والواقع ان تشكيل الجمعية جاء إستجابةللتحولات السياسية والإجتماعية في العالم أثناء فترة الحرب، واسهمت الجمعية في نقل التجارب الفنية العراقية إلى أعتاب الفن العالمي الحديث، وهو ما تحقق فعلياً في التحولات الجديدة في الفكر والأسلوب لدى جماعة بغداد في بداية خمسينات القرن الماضي

يحمل اللون دفق عواطف صبري المستجيبة لكل منظور جميل يثير في النفس هوى الفن، وهو لذلك يؤلف بذاته وبفنه، وثيقة المرحلة التي إجتازها، وكأن لسان حاله يقول : أنا ما ضيعت شيئاً، بل أنا ما حرفت الأشكال، ولا أنا بحثت وراء تشظيات المرئيات عن إكتشاف إنشائية جديدة، بل رأيت الدنيا بعين زمني وعصري، ومازلت أميناً لهذه الرؤية. التي ركز فيها فيها طاقاته التعبيرية  لتصوير الافراح والريف والمرأةوالمقاهي والأسواق والبيوت ومناظر الطبيعة، والموروث الشعبي، بإستخدام جريء للقيم اللونية، والتعبير الواقعي للحركة.

هكذا يُقرأ تاريخ الفنان الإنطباعي حين يكون شاهداً للطبيعة وملوناً رصيناً  شغوفاً بعراقية المنظر وهو يمنحه قدراً كبيراً من العاطفة، ويضيف إليه بصريات ريشة عريضة، ذات سحبات جريئة حرة واثقة، ما يمكن أن يؤلف غنائياً، نسيج اللون التعبيري، وهو بهذا القدر من الحرية التقنية،  يتيح لنفسه قدراً من المساحة الكافية بين أسماء محدثي زمانه من فنانين، ويبتعد مسافات زمنية عن أعمال عبد القادر رسام التي كان يعالجها بحسه الفطري المحض وجهده الصابر المتأني، كما يغايرأسلوبياً. معالجات زميله الدروبي للمشهد العراقي الذي إعتمد البناء الأكاديمي والحضور الإنطباعي من خلال مناخ اللوحة.

قُدر لعطا صبري أن يكون من رواد مرحلة التمهيد، وأن يعاصر مرحلة التجديد مثل أبناء جيله من الفنانين التشكيليين الذين شقوا الأرض لأزهار كثيرة نبتت في الأرض.

 

جمال العتابي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم