صحيفة المثقف

وزراء لا عهد لعائلاتهم بالمناصب المرموقة

حميد طولستتتطلع الشعوب الحرة إلى حكومات مقتدرة وقادرة على تسيير شؤونها العامة، بوزراء يملكون الحنكة والكفاءة ومميزات الريادة وصفات القيادة، تمثل قيم المواطن والوطن في كل تصرفاتها، وتترجمها إلى ممارسات وقرارات وقوانين وتشريعات تحافظ على أرصدته التاريخية والحضارية، وتغنيها وتوسع من دوائر إشعاعها، وقد سار الشعب المغربي في نفس  الدرب كله ثوق و تطلع إلى ذاك النوع من القيادة الحكيمة، والزعامات الرزينة، والكبراء المتنورين، الذين يجدون في تفعيل هيبة الوطن، وصيانة مكانته وتلميع صورته بالداخل، وتلميعها بين الدول  بالخارج .

الغاية التي حققتها الديمقراطية الحقة للعديد من البلدان المتحضرة، والهدف الذي تحقق للشعب المغربي مع دستور 2011 الذي تمكن في ظله،عدد من أبناء الشعب المغمورين من الإستوزار رغم أنهم لم يولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، كما يقال، وإنحدار غالبيتهم من عائلات بسيطة متواضعة، كابد بعضها الخصاص التام، وذاقت لسعات الفقر وقساوة الحرمان، بالبوادي والمداشر البعيدة والأحياء الشعبية الهامشية الفقيرة التي عاشت بها، بعيدا عن أي عهد أو علاقة بالمناصب المرموقة.

إلى هنا فالأمر عادٍ، بل ومنطقي وجميل ومشرف وليس فيه ما يُخجل، بل وهو المسار الصحيح الذي يُفتخر ويُعتز به في كل نظام ديمقراطي استطاع أن يكسر قاعدة هيمنت العائلات المعروفة والنافذة في تصدر مجمل المناصب الكبرى والمرموقة في البلاد، ويقلب الأمور ويغيرها، ليصبح  ممكننا ومتاحا لغير المنحدرين من العائلات الميسورة والأوساط الثرية،  من "أولاد الشعب" الذين درسوا في المدارس العمومية، وكافحوا من أجل شهادات جامعية، أن يدخلوا عوالم الإستوزار، ويحصلوا على الوظائف السامية .  

لكن الغير العادي، والذي يثير حقا الغرابة، هو أن الأمر لم يكن بذاك القدر من الرومانسية الأخلاقية التي ظهر عليها الأمر لأول وهلة، ولا بذلك القدر من البراءة التي بدت في ظاهره، وذلك أن جل تشكيلة الوزراء الجدد - إن لم يكن كلهم بكل تركيبتهم وأيديولوجيتهم وأسلوبهم ومبادئهم ومناهجهم وفكرهم وطريقة أدائهم- تنكروا للأوساط التي جاؤوا منها، إذ لم ترق أعمالهم إلى مستوى تحقيق مطالبهم والاستجابة لانتظاراته، ولم يستطيعوا تقديم الحلول المناسبة لمشكلات المواطنين المتراكمة، ولم يحققوا له الرفاه والرخاء الذي حلم به طيلة حياته، ولم يؤمنوا له المستقبل الزاهر الذي رغب فيه، ولم يغيروا واقعه المعاش إلى ما هو أفضل، وإنشغلوا عن كل ذلك بتغييرت أحوالهم الشخصية،  وتبديل مراتبهم الاجتماعية، وتلبية حاجياتهم السخصية ورغباتهم وآماله وطموحاته المادية والمعنوية، -بشهادة كبيرهم-دون أن يحققوا للمواطن المغربي الذي ناضل من اجل وصولهم، ما كان ينتظره منهم، وشغلوه بمغامراتهم العاطفية، وقصص السلوكياتهم المتهورة والمستهترة بمسؤولية وأمانة المنصب، والمميعة لمهنيته،التي  لم يجربوها من بداية السلم، وجاؤوا  إليها طارئين على أكتاف عباءة الإسلاموية، ما دفع بالكثير من المتتبعين للشأن السياسي، لطرح أسئلة كثيرة حول أهلية هؤلاء الوزراء الجدد، وهل هم فعلا أهل للحكم والتسيير ويملكِون صفات القادة والقيادة، وهل لديهم حَميِّة وغيرة على هذا الوطن ومواطنيه ؟ وهل المنصب الحكومي وجد لخدمة الشعب، أم هو من أجل تحقيق الميولات العاطفية والبطنية الشبقية الخاصة؟ هل هؤلاء الوزراء الجدد في نفس مستوى الوزراء المنحدرين من العائلات الميسورة والأوساط الثرية؟  

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم