صحيفة المثقف

2020.. الأسوأ في تاريخ البشرية الحديث

قاسم حسين صالحشهدت البشرية سنوات معينة كانت هي الأسوأ في تاريخها، اذ تعد سنة 1347 واحدة من اسوأ وأقسى السنوات التي عايشها الإنسان، حيث ضرب فيها "الموت الأسود" أو الطاعون أوروبا ليقضي على ما بين 75 - 200 مليون شخص، والمفارقة العجيبة أن هذا الوباء ظهر عام 1331 في الصين، بمقاطعة هوبي، وهي المقاطعة التي ظهر فيها أيضًا فيروس كورونا الجديد!.

وبحسب ما يقول مؤرخ العصور الوسطى وعالم الآثار في جامعة هافارد، مايكل ماكورميك: "ان سنة 536 تعد الأسوأ لأن الضباب فيها غمر غرب أوروبا والشرق الأوسط، وأجزاء من آسيا وصارت السماء قاتمة ليلا ونهارا لمدة 18 شهرا، وانخفضت درجة الحرارة في صيف 536 بنسبة 1.5 الى 2.5 درجة. وسقطت الثلوج في ذلك الصيف في الصين، وتضررت المحاصيل الزراعية ومات الناس جوعا، بحسب مقالته بمجلة "ساينس"، فيما يزعم خبراء ان ما حدث في سنة 536 هو ثوران بركان كارثي في ايسلندا تسبب في اطلاق رماد وصخور كثيفة حجبت الشمس فوق قارة اوربا تسبب في انتشار الطاعون المميت، ووصف ذلك العام بأنه الأسوأ في التاريخ، مع أن الطاعون كان قد أودى الطاعون في القرن الرابع عشر بحياة ربع سكان العالم، وقضى على ما لا يقل عن 50 مليون شخص في الإنفلونزا الإسبانية بين العامين 1918 و1919 و33 مليونا جراء مرض الإيدز في غضون أربعين عاما.

2020 .. السنة التي غيرت العالم

تعدّ سنة 2020 الأسوأ في تاريخ البشرية الحديث، ففيها انتشر وباء كورونا في كل قارات العالم ليصل عدد من اصيب به الى ما يقرب من ثمانين مليونا، وعدد الوفيات بحدود المليونين. وفي بداية انتشاره عجز العلماء عن ايجاد لقاح ودواء واعتمدوا طرائق الوقاية بلبس الكمامات والكفوف والنظافة والمعقمات والتباعد الأجتماعي (الجسدي)، فشاع الخوف والقلق والرعب بين الناس.والمخيف ان فيروس كورونا يتحايل على العلماء بأنتاجه فيروسا شرسا وماكرا وقاتلا هو (كوفيد 19)، وما ان تم الوصول الى لقاح يمنع العدوى به، فأنه انتج سلالة جديدة في بريطانيا.. ما يجعلنا نستنتج حقيقتين: الأولى ان اللقاح، او اللقاحات التي يتوصل لها العلماء ستكون من حصة السياسيين والميسورين ولن تصل الى الطبقتين الوسطى والفقيرة الا بعد ان يحصد الفيروس ما يشاء منهم.والثانية.. ان وباء كورونا بسلالاته سيستمر معنا لسنوات طويلة.

وعالميا شهدت 2020 اغتيالات سياسية ووفيات وكوارث طبيعية وانهيارات اقتصادية، اخطرها اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ونشوب سلسلة من الحرائق في ولاية كاليفورنيا لم تشهد مثلها منذ عدة أعوام، أتت على مساحات واسعة من الأراضي، وأجبرت مئات الآلاف على مغادرة منازلهم وانقطعت الكهرباء في العديد من المناطق. واقتصاديا، اعترف صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد العالمي الذي هزمه تفشي فيروس كورونا في 2020، هو الأسوأ منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي. ليس هذا فقط، بل إن فيروس كورونا الذي اجتاح العالم، أدى إلى انهيار أنظمة الرعاية الصحية وكشف عن عدم قدرة مؤسسات كبيرة في دول متقدمة على مقاومة الوباء تتصدرها الولايات المتحدة الأكثر تضررا بالفيروس. بالإضافة إلى انخفاض التعليم بكافة مستوياته، والآثار النفسية للتباعد الأجتماعي، وحجر أربعة مليارات من البشر في بيوتهم، والخوف والقلق والرعب التي ادت الى اضطرابات نفسية وعقلية سيمتد تأثيرها الى سنوات مقبلة.

وعراقيا، يعدّ الصراع الأيراني الأمريكي الخطر الأكبر الذي اشتد بعد قيام اميركا باغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، في غارة جوية بطائرة مسيرة قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من يناير، وردّ القوات الإيرانية بعد خمسة أيام بقصف قاعدة "عين الأسد"، التي يتخذها الجنود الأمريكيون مركز مبيت لهم، ليتصاعد الصراع بعد قصف السفارة الأمريكية بالصواريخ قبيل انتهاء 2020 لتنذر بحدوث الأسوأ بداية 2021.

واقتصاديا، شهد الدينار العراقي انهيارا كبيرا مقابل سعر الدولار، حققت فيه جهات اقتصادية مرتبطة بأحزاب وكتل السلطة مليارات الدنانير فيما كان المتضرر الأكبر هم الفقراء والموظفون حيث تضاعفت اسعار المواد الغذائية والمواد الأستهلاكية.

وكنا استطلعنا آراء عينة من العراقيين فاجابوا ان افدح خسائرهم في 2020 فقدانهم احبة قبل الأوان، وزيادة الضغوط النفسية التي زادت من جزعهم من السياسة، وانعدام الوعي الصحي الذي جعل العراق يتصدر الدول العربية في عدد الأصابات والوفيات بفيروس كورونا. وحددها آخرون:بانتكاسات على مستوى الوطن والذات، استمرار انتفاضة تشرين بعد ان اسقطت حكومة عادل عبد المهدي الذي تسبب باستشهاد مئات الشباب، رفع خيم المتظاهرين، بقاء انتفاضة تشرين حية رغم تراجعها، انهيار الوضع الاقتصادي الذي يفتح ابواب الاحتمالات على مستقبل مجهول، وخيبة الامل بحكومة الكاظمي.

وتمنى كثيرون العودة الى الوطن في 21 بعد ان غادروه في 2020، فيما وصف آخرون بأن "مكوثي في خيام ساحة التحرير لسنة 2020 هي اجمل سنوات حياتي".

ولك ان تجمل القول بأن الحرب العالمية الثانية غيرت العالم بالحرب، وان 2020 غيرت العالم بفيروس لا يرى بالعين المجردة!

وما ننبه اليه أن وسائل الأعلام والمنظمات الأنسانية ركزت في 2020على الأخبار السيئة ما جعل الناس بين من يتوقع الأسوأ، ومن يعيش حالات نفسية تراوحت بين الخوف والقلق والرعب والهلع، وانعكاس ذلك على الحياة الأسرية وحصول شجار وتباعد أسري وأخرى انتهت بالطلاق، فيما ينبغي التعامل مع هذا الوباء بالتكييف له والأسناد الأسري والتواصل الاجتماعي التي تزيد من مناعتنا السيكولوجية.. وذلك ما نفتقده للأسف في وسائل الأعلام العربية والعراقية بشكل خاص، وغياب دور علماء النفس والأجتماع الذين يشيعون التفاؤل بين الناس والتعلق بالحياة رغم قساوة المحنة.

 

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

31/12/2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم