صحيفة المثقف

المواقع والجيوش الإلكترونية

كاظم الموسوييعج الفضاء الالكتروني، باللغة العربية، اضافة الى برامج ووسائل التواصل الاجتماعي والمنصات والبرامج الاخرى، بالمواقع الاعلامية ورديفها الجيوش الالكترونية، وتلك فرصة ثمينة للبشرية بفضل التطور التقني والثورة الالكترونية التي تتصاعد تطوراتها الى مراحل وموجات متقدمة جدا، وفي تطور مستمر لن يتوقف او يلحق به على مدى الاجيال. ولكن كيف تستخدم ولمصلحة من ومن يستفيد منها؟ واسئلة اخرى بالتاكيد. وهنا يتوجب التوقف والاجابة بروية وبوعي ووضع الاهداف من كل ذلك في المقدمة، التي تصب في خدمة الانسان في مجتمع انساني متطور ومتقدم. فهل تستخدم هذه الوسائل التقنية لخدمة الانسان؟ ولتطور المجتمع؟ ولتحديثها هي ذاتها كما حصل في تاريخ تطورها؟.

نحن امام معضلة كبيرة وخطيرة، لان هذه الوسائل متاحة وبلا رقيب مباشر  او حدود معينة او حسابات مقننة، وهذا يعني انها قد تستخدم لاهداف خطيرة مضرة للانسان الفرد والبشرية جمعاء. الامر الذي يتطلب دائما الحذر والتحذير في الاستخدام والممارسة. فوسائل التواصل الاجتماعي مثلا استخدمت لغايات تضر بالامن العام والسلم المجتمعي، واستفادت منها تنظيمات الارهاب الدولي او المنظمات المتطرفة والعنصرية واستثمرتها في نشر الكراهية والعنصرية والتطرف والغلو في الايديولوجيات او المواقف او الاعمال التشاركية. وكذلك وظفت مواقع الكترونية وجيوش الكترونية ومنها ما اطلق اصحابها عليها بالذباب الالكتروني، وهذه ايضا استخدمت لاغراض معادية واهداف خبيثة ووجهت عكس المطلوب والمنشود من استخدامها التقني والاجتماعي والسياسي والثقافي والاخلاقي.. وربما تستغل هذه الاستخدامات لقيام إدارات المنصات الإلكترونية في التحكم في الاستخدام لمن يحقق لها ما كانت تضعه هدفا لها وتخلط الاوراق بين الاستخدام الحر والمستقل والمخالف لها، وهو ما تقوم به إدارة الفيس بوك مثلا او التقييمات التي تضعها إدارات الوسائل الأخرى. وهذا على صعيد المستخدم وإدارة الوسائل والمنصات الإلكترونية، ومثله بين المستخدمين، سواء كافراد أو مجموعات وجهات ومشاريع مخطط لها ومنتظمة وتستغل هذه الإمكانيات بيسر وسهولة.

ومع كل هذه الفوائد والمكاسب وعكسها المخاطر والاضرار، هناك ما هو الأخطر في الحالين، وهو تناقضات الحكومات التي تهيمن على صناعة هذا الفضاء الإلكتروني، في رقابتها المتطابقة مع توجهاتها العامة على مختلف الصعد والمستويات، والتلاعب بمفاهيم الحريات وحقوق الإنسان والاستقلال والاستقرار، فهي في الوقت الذي تمنع أو تتدخل في حرية الرأي تفتح المجال واسعا أمام من يتخادم معها أو يخدم اهدافها، خاصة العدوانية والعنفية والعنصرية واشباهها. ومن هنا لابد من الحذر والتحذر، مرات اخرى، من كل هذه المجالات أو الفرص أو الخدمات. فثمة غرف سوداء تمارس وظيفتها التخريبية والتضليلية، ولهذه الممارسات تاريخ معروف ومنشور، يتحرك حسب التطور التقني والمهني ويتسابق معه.وظلت المهمات نفسها في جمع المعلومات والتجسس . وهذا يعكس أن هذه الخدمات المجانية في الاتصالات ليست مجانية لوجه الله.

حسب مجلة الفورن بوليسي، ان "وكالة الأمن الوطني الأمريكية أو مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية لم تنفذ عملياتها لجمع المعلومات في عصر الإنترنت من خلال الاتفاقيات المشبوهة التي توصلت إليها مع شركات التواصل، عوضًا عن ذلك وضعت تشريعات تسمح بذلك. ونجحت وكالة الأمن الوطني في فعل ذلك، واستطاعت تأسيس قاعدة بيانات شاملة جمعت عددا من المكالمات الهاتفية من خلال تنفيذ القسم 2015 في القانون الوطني الأمريكي. وحسب تقارير فإن وكالة الأمن القومي تمكنت من جمع 534 مليون مكالمة هاتفية وسجلات رسائل نصية. وفي بريطانيا استخدمت مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية اتفاقيات غامضة وقديمة من أجل جمع البيانات والمعلومات." وتمارس الحكومات أدوارها اوسع في الاختراق الالكتروني والتجسس لكل منها، وخلال الأعوام السابقة كشف الكثير منها، ومن بينها برامج مكافحة الفيروسات فاغلبها ترتبط باجهزة المخابرات وتتقاسمها للصراعات الدولية فيما بينها وعلى حساب المستخدمين لها. وتفننت بعضها في الحروب السيبرانية التي فضحت هي الأخرى أيضا.

واذا كانت هذه من اعمال الحكومات واجهزتها الاستخبارية وصراع شركاتها فإنها هي توفر خدمات من نوع المواقع وبرامج منصات التواصل  ووسائل الإعلام الأخرى لخدمة مشاريعها واهدافها، وصولا الان إلى تأسيس الجيوش الإلكترونية والذباب الالكتروني ومجموعات التضليل الإعلامي الصفراء..

واستخدمت هذه الوسائل في الإعلان والدعاية لمنظمات الارهاب، كداعش، أو لمنظمات عنصرية يمينية لها اسماء متعددة حسب البلدان التي ترعرع فيها أو لنشر الكراهية والتمييز العنصري والاثني، بمختلف الطرق والاتجاهات. وتتوفر لهم إمكانات كبيرة واحيانا بلا رقيب أو ضمير مهني أو أخلاقي. ويلعب غسيل الاموال دورا فيها.

حتى جائحة كورونا بعد انتشارها كشفت عن معلومات مضللة عنها بمختلف وسائل الإعلام الإلكترونية. مما دفع شركات ومجهزي هذه الوسائل والمنصات اتخاذ إجراءات ردعية ومراقبة لها. وهذه تسجل إيجابا ولكن في الوقت نفسه تمارس رقابة واغلاقا لحسابات أو مواقع تعتبرها معادية لتوجهاتها وأهداف مموليها واصحابها، والقصص كثيرة ومعروفة، خاصة في الفضاء العربي.. مع تناقضات لافتة، إذ جاء في تقرير أصدره «مركز التصدي للكراهية الرقمية» أن المئات من المنشورات التي تروج لمعلومات كاذبة عن الفيروس بمواقع التواصل الاجتماعي لا تجري إزالتها من الإنترنت. وتم إبلاغ موقعي فيسبوك وتويتر بنحو 649 منشوراً تتعلق بعلاجات وهمية ودعايات مضادة للتلقيح ونظريات مؤامرة حول شبكات الهاتف من الجيل الخامس والسادس وغيرها. وأن 90% في المئة من هذه المنشورات ظلت متاحة على الإنترنت بعد الإبلاغ عنها من دون أن تكون مصحوبة بتنبيه. وتمتد مثل هذه الحالات إلى ما يقابلها من أمور مشابهة أو قضايا مقاربة.. وكلها تعطي فرصا أو تتيح أساليب مفتوحة للرقابة والتجسس وحتى المنع أو القطع أو ما شابهه. كما أن مساحات التضليل والخداع والكذب تتوسع الى مواضيع اخرى، ولها ابحاث ودراسات واستقصاء يمكن أن يلقى الضوء عليها. وليس الأجهزة الاستخباراتية وحدها، فقد يتبرع أفراد لخدمتها بشكل أو اخر، من خلال استغلال البرامج أو شهادات لتقديم طلبات تعيين لديها.

في كل الأحوال لا يمكن إنكار دور الفضاء الإلكتروني، بما يكونه أو يرتكز عليه عمليا، سواء في المواقع والمنصات والجيوش الإلكترونية وما يتعلق بها، وضرورة التقيد بقواعد وضوابط العمل فيه ليكون فعلا فضاء مفيدا ونافعا للمستخدمين والمستفيدين من كل تطوراته التقنية وبرامجه التي باتت تتنافس وتتسابق في المشاركة الفعالة في خدمة المجتمع والبيئات التي تعتمد عليه. مع التقيد المستمر بالحذر والتحذيرات والإنتباه لكل ما تحمله وسائل الإعلام الإلكترونية واجهزتها الذكية.

 

كاظم الموسوي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم