صحيفة المثقف

ابن الاثير مؤرخ له رأي!

يسري عبد الغنيابن الأثير، صاحب كتاب (الكامل في التاريخ)، الذي عاش في الفترة من 555 هـ إلى 630 هـ، حيث استقرت أسرته في الموصل العراقية، وهو أوسط الأخوة الثلاثة الذين نبغوا في ميادين الدراسات العربية والإسلامية.

وكان ابن الأثير حافظًا بالتواريخ المتقدمة والمتأخرة وخبيرًا بأنساب العرب وأيامهم ووقائعهم، ولذا كان أكثر ما اشتهر به دراسة التاريخ، ويعتبر كتاب (الكامل في التاريخ)، الذي طبعه تورنبرج في ليدن الهولندية في 12 مجلد، مرفق به مجلدين للفهارس، من أهم مؤلفاته في هذا المجال، إذ تناول فيه دراسة التاريخ العام للعالم الإسلامي، ابتدأ فيه بالخليقة، وانتهى عند آخر سنة 628 هـ .

ويعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب في التاريخ الإسلامي، حيث التزم المؤلف في نهجه التوازن بين أقاليم العالم الإسلامي، ومقارنة ما يقع من الأحداث في كل منها، عامًا بعد عام، واعتمد على المتخصصين في تاريخ كل إقليم، وتجلت مواهب ابن الأثير في طريقة عرضه للحقائق، إذ حذف التفاصيل التي لا تدعو الحاجة إليها، وأمعن في فحص المصادر، واختار من النصوص ما يناسب الحقائق، وألف من كل ذلك خلاصة لكل ما وقع من الأحداث في السنة .

ولكتاب ابن الأثير ابتداء من الجزء العاشر، أهمية خاصة، نظرًا لأنه يؤرخ لأحداث قريبة العهد من زمنه، سمع بها وشارك فيها، وعالج في هذه الفترة الممتدة من سنة 450 هـ ما وقع من صدام بين الغرب المسيحي والعالم العربي فيما يسمى أو يعرف بالخروب الصليبية .

ومما يلفت نظرنا في كتابة ابن الأثير، ما كان من اهتمامه البالغ بأخبار الدولة الأتابيكية بالموصل حتى سنة 607 هـ، وامتداد سلطان الترتكيين إلى حلب ودمشق السوريتين، ثم انحصار ملكهم حتى أصبح قاصرًا على الموصل فقط .

أما رواياته عن صلاح الدين الأيوبي، فإنها تنطوي على كراهية شديدة له، برغم أنه أشاد ببطولته، إلا أنه صوره على أنه بطل سخر كل مواهبه العسكرية لإشباع أطماعه وأطماع أسرته وإقامة إمبراطورية يتوارثها أبناءه من بعده، وقد يقول البعض أن هذا الحكم تأثر بما كان يربط ابن الأثير من الولاء للترتيكيين .

ويتابع ابن الأثير أخبار المسلمين في المشرق و المغرب بعد صلاح الدين، وما آل إليه أمرهم من تفكك وتمزق، وما ترتب على ذلك من تعرض لأخطار الصليبيين والتتار .

ويعتبر كتاب ابن الأثير من المصادر الأصلية للحروب الصليبية، وقد قام المستشرق دي سلان بنشر كل ما أورده ابن الأثير مع ترجمة فرنسية في مجموعة الحروب الصليبية، الجزآن الأول والثاني من مجموعة المؤرخين الشرقيين .

ومن هذا الكتاب طبعة قديمة قامت بها مطبعة بولاق المصرية، في 12 جزءًا، سنة 1290 هـ = 1872 م، كما أن له طبعات أخرى بتواريخ مختلفة، إلا أن طبعة بولاق من أفضل الطبعات التي يمكن الاعتماد عليها.

ونشير هنا إلى أن ابن الأثير، صاحب كتاب (الكامل في التاريخ)، ألف كتابًا بعنوان (تاريخ أتابكة الموصل)، وأهداه إلى السلطان الصغير / القاهر مسعود صاحب الموصل، تذكيرًا له بالأمجاد التي كانت لآبائه أمراء الموصل، وحثًا له على أن يعمل على سلوك سبيله .

***

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم