صحيفة المثقف

في ذكرى اعدام سقراط.. ثنائية الحب والفلسفة

عمرون علي شويه فات سقراط .. مسلسلينه من القدم للباط.. ومتهم باليأس والإحباط

وبالعدم وبالزنا وباللواط وبكل كافة التهم.. وهو عابر للجحيم على الصراط

ينظر على الشعب التعيس ويبتسم إلى الجحيم للفلسفة

دنيا لا كانت يوم.. ولا حتكون فى يوم كويسة

عبد الرحمن الأبنودي قصيدة "أحزان عادية"


مدخل عام

تشير Monique Dixaut الى ان سقراط مات في نهاية شهر فيفري سنة399 ق.م، وقت الحج السنوي إلى "ديلوس" سقراط الذي لم يخط حرفًا ولم يترك أثرًا مكتوبا ظل الاعتماد في معرفة آرائه على ما نقله عنه تلميذاه أفلاطون وزينوفون، في مقابل ذلك تشهد الكتابة الفلسفية حركية في عصرنا هذا من خلال إعادة قراءة واكتشاف الشخصيات الفلسفية البارزة ومنها شخصية سقراط .

في كتاب الرجل الذي جرؤ على السؤال للدكتورة كورا ميسن أستاذة الآداب الكلاسيكية ركزت في على وصف ملامح سقراط الطفل وفق مقاربة تحليلية والتوغل في ثنائية المظهر والجوهر،الجسد المنبوذ والروح المتسامية لقد كانت » عيناه تجحظان كعيني ضفدعة، وشفتاه غليظتان، وأنفه أفطس، كانوا يسمونه في المدرسة وجه الضفدع«. لقد كان للقبح للمظهر تأثير على أسلوب تفكير سقراط ونظرته الى المستقبل ذلك الشاب المبتسم المحدق في السماء كان يطلب من الآلهة أن تهبه كنوز الحكمة، ونفسًا متزنة تحمل هذه الكنوز، كما دعاها أن تهبه البساطة، وأن يتفق مظهره مع مخبره» اجعليني جميلًا في داخلي «.

حياة وموت سقراط في اعتقادي مأساة ومحنة،هي مأساة الانسان الذي انزل الفلسفة من السماء الى الأرض ومحنة الفيلسوف الذي آمن بمشروعه الفلسفي متقاطعا مع افراد مجتمعه متميزا فكرا وسلوكا كان يملك الحكمة وفصل الخطاب،لقد أمسك بيد المبادئ الأخلاقية وباليد بالأخرى رسم لنا طريق الخلاص طريق التحرر،لكن في النهاية اعدم وادين من طرف الذين مارسوا الكذب والخداع باسم الدين وباسم ثقافة تستحضر الخرافة وتغيب العقل، ثقافة تتغذى من فكر سفسطائي ومال فاسد وسياسة تحركها الغوغاء.

ولد حوالي عام 470 ق.م، في بيت مغمور من بيوت الطبقة الوسطى، لا هو بالخطير أو الحقير، في مدينة أثينا، وكانت أمه تُدْعَى فيناريتي وأبوه يُدْعَى سفرونسكس، وكانت لفيناريتي — كما يذكر ابنها فيما بعد — سمعة طيبة عن مهارتها الفطرية وصبرها على توليد جاراتها من النساء، أما سفرونسكس فقد كان — على الأرجح — صانعًا، لم يتجاوز الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة حينما أخرجه أبوه من المدرسة سقراط كان يعرف كيف يتعلَّم لا من المعلمين والمدربين فحسب ولكن من كلِّ إنسان يقابله، كان يوجِّه الأسئلة عن الجمال منذ سنوات مضت، نصحه والده وهو منهمكم في نحت تمثال على صورة أسد قائلا عليك بادئ ذي بدء أن ترى الأسد كامنًا في الحجر، وتحس كأنه رابض هناك وأنعم سقراط الفكر في هذا القول، وذكَّره بحديث حدثته به أمه ذات مرة، وكانت الأم تشتهر بين جاراتها بمهارتها في توليد الحبالى من الأمهات، وسألها سقراط مرة كيف تقوم بهذا العمل فأجابته قائلة إنني في الواقع لا أفعل شيئًا، وإنما أكتفي بأن أعُين» : الطفل على الانطلاق«.

مشروع سقراط

دهشة السؤال وفضيلة الاعتراف بالجهل

مشروع سقراط الإصلاحي يقوم على مبدأ، ان المعرفة يجب ان تكون متاحة للجميع، وانه من الضروري إشاعة التفكير الحر المبني على النقد، وعلى حتمية تحمل المسؤولية والثبات في مواجهة المحن، وعدم الرضوخ لإغواء رجال المال والسلطة،فكان لابد من الانخراط في المعيش وممارسة السياسة كمعارض .

تبدأ القصة عندما يخبر نبي معبد دلفي سقراط بلغة الآلهة أنه أحكم الناس.يعتقد سقراط بقوة أن الآلهة لم تكذب، لذلك كان دائمًا مهتمًا بأسباب كونه الأكثر حكمة .فهم سقراط هذه الرسالة أن الكمال البشري في الاعتراف بالجهل فكل ما اعرف هو اني لا اعرف اشتغل بالاخلاق والسياسة التربية والفن والجمال متسلحا بسؤال المعرفة وبمنهج التوليد والتهكم كان هدفه دفع الناس الى مراجعة مايعتقدون انه حقيقة ومن ثمة تحطيم وهم امتلاك المعرفة تجول في الأسواق محاورا وناقدا كان يتصيد الفرص لمحاورة الناس وتشجيعهم على التفكير الحر كان يعتقد انه لا احد شرير بطبعه وان الطاغية اقل حرية بين جميع الناس رفض الثقافة السائدة في عصره .ثقافة تعتبر الفضيلة أو فن الحياة معرفة سهلة متاحة للجميع،جلب سقراط رسالة جديدة إلى اليونان.لقد أظهر أن طريقة الحياة يجب أن تُقيّم بعقل مستقل عن الأسطورة، وأن على كل شخص أن يتحمل المسؤولية الشخصية عن حياته، لا أن يتركها للآلهة.يمكن القول بحق أن سقراط كان والد التفكير النقدي. لقد تعلم أن الفضيلة الإنسانية تكمن في المعرفة، والمعرفة تعني تحليل وتقييم المعتقدات وبناء معتقدات خاصة بالنفس.

الفيلسوف الشاب

ثنائية الجنس والحب في حياة سقراط

ما الذي حوّل الشاب سقراط إلى فيلسوف؟ كيف كان يفكر عندما كان شابا؟ كيف أصبح الرجل الأكثر حكمة في أثينا ؟ ما الذي دفعه إلى السعي بمثل هذا الإصرار اإلى طريقة جديدة تمامًا للتفكير؟ والى تبني منهجا جديدا في التفكير والنظر الى الوجود؟ ما الذي دفع سقراط الى الاعتقاد أن الكلمة المكتوبة كانت شيئًا سيئًا للفلسفة والحياة؟ هل كان الارتباك الجنسي والتواء شخصيته بسبب تربيته غير المحببة الدافع الى تبني منهج التوليد والتهكم ؟

هذه الأسئلة طرحها العديد من الباحثين ونعيد طرحها في محاولة للاقتراب من شخصية سقراط وحبه للفلسفة لاسيما علاقته بالمرأة وهناك قول مأثور لسقراط حول المرأة والزواج :" في كلتا الحالتين، تزوج: إذا صادفت زوجة صالحة، فستكون سعيدًا ؛ وإذا صادفت شخصًا سيئًا، فستصبح فيلسوفًا، وهو أمر جيد للإنسان"

يجب ان نعترف منذ البداية ان حياة سقراط العاطفية، كانت ولازالت محل جدال تماما مثل شخصيته الفلسفية ورغم اننا نعود في الغالب الى ما كتبه أفلاطون وزينوفون عن سقراط -رغم انهما كانا أصغر من سقراط ولم يعرفوه إلا في الخمسينيات من عمره- الا ان هناك صورة أخرى كشف عنها كتاب سقراط في الحب D'Angour Diotima صورة سقراط الشاب: الذي أصيب بصدمة من قبل والده المتشدد (لدرجة أنه يسمع أصواتًا في رأسه)، وجنس أكثر من اللازم، محارب بطولي، ومصارع وراقص رياضي - وعاشق شغوف. وكان بارعا في المصارعة والرقص ولعب القيثارة لعدة سنوات، كان سقراط جنديًا، من جنود الهوبليت، وميز نفسه بشجاعته في إنقاذ حياة الكبياديس. أنقذ حياته في معركة بوتيديا عام 432 قبل الميلاد .كان سقراط ثنائي الميول الجنسية، وربما كان على علاقة بمدرس الفلسفة الأكبر له أرخيلوس هذا الشاب تحول إلى الفلسفة عندما وجد نفسه متحمسًا من قبل Aspasia of Miletus عشيقة بريكليس، ورغم انه تزوج من امرأة تدعى ميرتو قبل أن يتزوج زانثيبي الا انه اعترف بانه تعلم "حقيقة الحب" من امرأة ذكية. اسمها "ديوتيما" .

بعض المراجع اطلقت عليها اسم (أسباسيا) تنحدر من عائلة أثينية عالية المولد، مرتبطة بعائلة بريكليس، التي استقرت في مدينة ميليتس اليونانية في إيونيا (آسيا الصغرى) قبل عدة عقود. عندما هاجرت إلى أثينا حوالي 450 قبل الميلاد كانت تبلغ من العمر 20 عامًا تقريبًا. في ذلك التاريخ كان سقراط أيضًا حوالي 20 عامًا. أصبحت أسباسيا مرتبطة ببيريكليس، التي كانت آنذاك سياسية بارزة في أثينا - وكانت بالفعل ضعف عمرها. لكن تلميذ أرسطو، كليرشوس، يسجل أنه "قبل أن تصبح أسباسيا رفيقة بريكليس، كانت مع سقراط"

أحد أكبر التأثيرات على موقف سقراط الفلسفي جاء من لقاءه مع هذه المرأة. في حوار أفلاطون الندوة، والتي تتكون من محادثة حول طبيعة الحب، يقول سقراط إن ديوتيما علمه أن يفكر في الرغبة بطريقة جديدة: ليس كشهوة للأجساد المادية، بل سعياً وراء حقيقة أسمى. تعتقد D'Angour أن هي Aspasia مقنعة. ويعتقد أن سقراط ربما وقع في حبها.، مما دفعه إلى التحول من الجنس إلى الفلسفة.

تحدث سقراط عن طبيعة الحب من خلال ديوتيما: " أننا ننتقل في الحب من شخص جذاب معين، إلى حب الأشخاص الجميلين بشكل عام، إلى حب الجمال والخير نفسه في التجريد. سلم الحب هذا ينقلنا من الانجذاب الجنسي الخاص للغاية إلى الحب الأفلاطوني للخير

التقى سقراط بأسباسيا الذي رفضت بلطف تقدمه الجنسي، وقدمت له بدل ذلك "سلم الحب"، من مجرد المتعة الجسدية في أدنى الدرجات إلى "الحب الأفلاطوني" الإلهي في القمة. حيث تربية الروح، وليس إرضاء الجسد، هو الواجب الأسمى للحب ؛ وأن الخاص يجب أن يخضع للعام، عابر إلى الدائم، والدنيوي للمثل الأعلى.وبالتالي. هل كان من الممكن أن يقع سقراط وأسباسيا في الحب عندما التقيا وتحدثا لأول مرة في العشرينات من العمر؟

التفكير بالآيروس أو الحب العاطفي أو الرغبة. أوقع سقراط في الحب ولذلك كان السؤال الذي اشتغلت عليه أرماند دأنغور هو "ما الذي حوّل الشاب الأثيني، الذي يُزعم أنه من خلفية متواضعة وبوسائل متواضعة، إلى مبتكر طريقة تفكير وطريقة فلسفية كانت أصلية بالكامل في عصره ومؤثرة بشكل كبير بعد ذلك"؟ وجاءت الإجابة "انه حب واحدة من أكثر النساء إثارة وذكاء في عصره، أسباسيا ميليتس".

سقراط في المحكمة

ذهب سقراط إلى المحكمة عام 399 قبل الميلاد. هُزمت أثينا من قبل سبارتا لعدة سنوات، وحكمت سلسلة من الميليشيات التابعة لأسبرطة أثينا.في اليونان، كان من المعتاد أن يرفع الشخص دعوى أمام المحكمة، وكان على المتهم أن يدافع عن نفسه ضد عدد كبير من القضاة.تم اختيار أعضاء المحكمة بالقرعة، ويمكن لجميع مواطني أثينا أن يصبحوا أعضاء.كتب ثلاثة أشخاص لوائح اتهام لسقراط واقتادوه إلى المحكمة.واحد ميليتوس الشاعر، وآخر Nvtvs سياسي و Lvkvn ممثل المثقفين.

اتهم سقراط  بانه ينكر آلهة المدينة و إنه يفسد الشباب.

كانت المحاكمة في أثينا تأخذ شكلين . فقد كان يتعين على هيئة القضاة أن تقترع على أمر إدانته أو عدم إدانته في البداية ومن ثم يصوتون على العقوبة. وفي إجراءات المحاكمة في أثينا كان الحكم يرمي إلى عقوبة والدفاع إلى أخرى . ولم تستطع هيئة القضاة أن تجد الفرق بين الاثنين. كان يجب أن تختار العقوبة الأولى أو الثانية وقد اختارت في ذلك الوقت عقوبة الموت . أفلاطون كان حاضرًا في المحاكمة. في ذلك الوقت كان يبلغ من العمر 28 عامًا وكان من أشد المعجبين بسقراط في عام 404 قبل الميلاد، قبل خمس سنوات فقط، هُزمت أثينا على يد الدولة المنافسة لها سبارتا بعد صراع طويل ومدمّر عرف منذ ذلك الحين باسم الحرب البيلوبونيسية. على الرغم من أنه قاتل بشجاعة من أجل أثينا أثناء الحرب، حكم عليه بالإعدام لإفساد شباب أثينا واتباع آلهة باطلة. كان متزوجًا من Xanthippe، الذي كان أصغر منه بكثير، وكان جدليًا. اعتذار سقراط أو دفاعه هو أحد روائع أفلاطون عن سقراط، ليس من الواضح تمامًا ما إذا كان هذا هو نص كلمات سقراط في المحكمة الأثينية، ولكن نظرًا لأنه كتب مباشرة بعد الحكم، فقد أخذ أفلاطون نص كلمات سقراط في الاعتبار عند كتابته.

في هذا الكتاب ينكر سقراط أولاً المزاعم الواردة في لائحة اتهام المدعين: "سقراط خطيب ماهر ويخدع الناس. "يستكشف الدنيوي والسماوي ويبرر الظالمين". يبدأ سقراط دفاعه على النحو التالي: "أهل أثينا! لا أعرف ما هي ادعاءاتي وما هو التأثير الذي أحدثته. كانت أقوالهم خادعة وآسرة لدرجة أنني كنت على وشك أن أتأثر وننسى من أكون. كانت جرأة سقراط في مجادلة السفسطائيين جذابة للشباب. لقد رأوا كيف أصبح الأساتذة الذين يتقاضون مبالغ كبيرة من المال مقابل التدريس غير قادرين على مواجهة سقراط .كانت شخصية سقراط جذابة أيضًا. كان بسيطًا جدًا ولم ينتبه للثروة، وكل هذه الخصائص أثرت في جاذبية شخصيته.

فناء الجسد وخلود الفكرة

عرض اقريطون على سقراط الهروب من السجن لكنه رفض ولم تكن المسالة تتعلق بالمخاطرة اذا كان يكفي رشوة الحراس وحسن التخطيط لعملية الهروب المسالة في نظر سقراط اعمق من ذلك انها تتعلق بالقيم والمبادئ الأخلاقية فلايمكن للكثرة او الراي العام ان يتحول الى مشرع للقيمة الخلقية وديمقراطية الكثرة هي ديمقراطية الرعاع ثم ان الأهم هو الحياة الطيبة الخيرة ولذلك كان فناء الجسد ضروريا لخلود الروح ولايمكن الفصل بين الخير والجمال والعدل ومن هنا كان ارتكاب الظلم شرا وعارا حتى وان تمت الإساءة لنا يقول سقراط :" انني طيلة حياتي كلها، وليس اليوم فقط،لا اطيع شيئا اخر غير الحجة التي تبدو لي الأفضل بعد التأمل "

لقد قضى سقراط في السجن شهرًا بأكمله. وبحسب رواية اقريطون، لم يلحظ عليه تغيرًا، بالرغم من أن الأصفاد لا بُدَّ أن تكون قد آلمت ساقيه، كما أنه لم يعتد أن يُحْبَسَ عن ضوء السماء، وكان السجان رحيمًا به على قدر ما يستطيع في هذه الظروف، وعندما عاد سمياس من طيبة يحمل مبلغًا جسيمًا من المال، وقال صديقه سيبيز الذي صحبه كعادته: إنه كان يستطيع أن يحصل على أكثر من ذلك لو دعت إليه الحاجة، وكان هناك كثيرون آخرون متحمسون للمساعدة، و الأمر كان يتوقف كله على موافقة سقراط، وكنت من أصدقائه حينما كان سمياس وسيبيز لا يزالان طفلين في مهدهما، وكنت أعرفه حق المعرفة، وكنت أعرف أنه لا يخجل البتة من الموت ولا يخشاه إلا قليلًا، وقد تلقاه كضرب من ضروب المغامرة التي ليس منها مفر، ولن يقف الآن ويفر منه إلا إن استطعنا أن نبين له أنه من الخير له أن يفر.

واختاروني لكي أحدثه، وفي تلك الليلة وفدت إلى أثينا جماعة من السفينة المقدسة قادمة من رأس سوينم، وذكرت أن السفينة إنما تنتظر هدوء الريح كي تدور حول الرأس، وأنها سوف تصل في اليوم التالي، وسيلاقي سقراط بالطبع موته في اليوم الذي يليه.

وكان السجَّان صديقي كما ذكرت، وقد سمح لي بالدخول في وقتٍ مبكرٍ في صبيحة اليوم التالي، وكان لا بُدَّ أن يعرف بوجه عام ما كنت أرمي إليه، وتركني في الغرفة وحدي، وكان ذلك قبل بزوغ الفجر، وسقراط لا يزال نائمًا.

وجلست إلى جواره برهة أراقبه وهو نائم، وقد استلقى ساكنًا لا حراك به، ثم تيقظ من تلقاء ذاته، وتولى أمر نفسه توًّا، وسألني لماذا أتيت، وعن الوقت، ولماذا أذِنَ لي السجان بالدخول، ولماذا لم أوقظه فور وصولي، وعرف في اللحظة الأولى نبأ السفينة، ولم يكن إخطاره بالنبأ أمرًا سيئًا، إنما كنت أخشى النوع الآخر من السؤال.

لقد قص سقراط على اقريطون الحلم الذي رآه في تلك الليلة رؤية امرأة جميلة حسنة الهيئة مرتدية ملابس بيضاء تناديه ياسقراط ثلاثة أيام والى فيثيا الخصبة تأتي .، وقد فسر ذلك بأنه سيموت بعد غده ولن يموت في غده، ثم تنحَّى عن الجدل وجعل قوانين مدينتنا تتحدث — وعندئذٍ عرفت أني قد هزمت، ذكر لي ما تنص عليه القوانين لو لاذ بالفرار — قال: إنها قد عنيت به منذ ولادته، ولما شب وأدركها خضع لها كذلك، ولم يحاول قط أن يفرَّ منها إلى مدائن أخرى أحسن قانونًا، كيف يستطيع أن يهدمها الآن؟! ولو هدمها فكيف يستطيع أن يتكلم عن الخير بعد ذلك؟

وألفينا سقراط على فراشه وسلاسله مفكوكة، وزانثب تجلس إلى جواره تحمل رضيعها، وقد لازمته طوال الليل، ولكنها بدأت الآن تبكي لما ذكرت أن ذلك اليوم كان آخر أيامه، وطلب إليَّ سقراط أن أبعث بأحد رجالي معها إلى البيت.

وحدث في الختام كذلك أمر لن أنساه، فقد أخذ يقص علينا قصة مؤداها أن العدالة والطهارة التدريجية قد تدركانه وتدركان كلًّا منا بعد الموت، ولم يستطع أن يلحَّ في تفصيل ذلك، ولكنه قال: إنها مخاطرة حسنة، وإنه يجب علينا أن نتشجع وأن نرعى أرواحنا خير رعاية، فنحليها بجمالها الخاص بها، من انسجام

فجالسنا بعض الوقت، لا يتكلم كثيرًا، حتى جاء السجان ليقول إن الوقت قد حان، ويستأذنه في هذا، ويبكي وينعته بأنبل وأرق وخير إنسان أتى إلى ذلك المكان، وتحدث إليه سقراط في رفق.

وذكرت لسقراط آنئذٍ أن الشمس ما برحت فوق الجبال، وأنه ليس بحاجة إلى تناول السم بعد، وكنت أخشى الحديث، ولكنه لم يخش شيئًا، وطلب إليَّ أن أصدر أمري؛ ولذا فقد جاء الرجل بالكأس.

ولم أستطع أن أحتمل المشهد بعد ذلك، فنهضت وسِرْتُ إلى الجانب الآخر من الغرفة، لكي أبكي هناك، وجاء معي فيدو الصبي، أما أبولودورس الذي بكى قليلًا طوال النهار فقد أطلق صرخة كادت أن تحطمنا جميعًا كل التحطيم، لولا أن سقراط قد أوقفها.

وقال في ثبات: «ما هذا الأمر العجيب الذي تفعلون؟! لقد كان ذلك سببًا من الأسباب الكبرى التي حفزتني إلى إبعاد النساء؛ كي لا يقعن في هذا الخطأ، لقد سمعت أن الرجل ينبغي أن يموت في صمت، فالزموا السكون وتمسكوا بالصبر.”

فانتابنا الخجل واستطعنا أن نكفَّ عن ذرف الدموع، ومشى سقراط إلى الخارج برهة طبقًا لما أمر به، ثم استلقى على السرير، وبعد برهة أزال الغطاء عن وجهه — وكانوا قد ألقوه فوقه — وقال — وكان ذلك آخر ما قال: «نحن مدينون يا أقريطون لإله الشفاء بديك، فهلا قدَّمته؟ لا تنس ذلك.”

وضحيت بالديك في اليوم التالي، وسوف يدرك إله الشفاء أي خير قصد من وراء ذلك سقراط، ودفنَّا جثته، وأظن أن سقراط نفسه لم يكن هناك، وأظن أن الخاتمة كانت خيرًا على أية صورة بات سقراط.

الخلاصة

أرسطو ديموس يقولون انه صاغ جملة عظيمة: " الإنسان ثروة "، ولا يوجد رجل فقير محترم ونبيل" . أو على حد تعبير هسيود: "يتبع الثروة نتوء صخري في جبل وهيبة" لكن العلاقة بين الغنى والفقر والسعادة مسألة لا تبدو بهذه البساطة في محنة سقراط لقد رفض أن يدفع له المال،فسقراط لا يتلقى المال ولن يدفع المال كرشوة، لقد رفض سقراط صراحة إطاعة أثينا التي من شأنها أن تمنعه من التفلسف، لكنه اطاع القيم الأخلاقية لقد ادرك ان العصيان معناه نهاية المدينة والعبث بالقيم الأخلاقية معناه نهاية الفلسفة. لذلك قرر أن يشرب الكأس المسمومة ويطيع القوانين التي تمنعه من التفلسف .

 

علي عمرون

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم