صحيفة المثقف

المثقفون.. هل قاموا بدورهم؟

سعيد الشيخحسب الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي، أنّ «المثقف الذي لا يتحسس آلام شعبه لا يستحق لقب المثقف» لذلك هذه الكتابة وأسئلتها موجهة إلى المثقفين المعنيين، لئلا يخرج علينا أصحاب النظريات الفضفاضة ليقولوا مناكفة إنّ الإبداع الفكري والأدبي هو مسألة فردية. وهذه مغالطة مقصودة، الهدف منها تفريغ الثقافة من وظيفتها الاجتماعية، وتجاوز لإحدى أهم خصائص دورها البنيوي في تشكيل الوجدان والضمير.

حالة من اللبس

يبدو المشهد الثقافي العربي في حالة من اللبس، حيال ما يحدث في الشارع العربي من حراك ثوري، يهز أعمدة الديكتاتورية، بل يطيح بها تأسيساً لديمقراطية ظلت نادرة لعقود في الحياة العربية. مجمل الثقافة العربية عوض أنْ تتصدّر المشهد الثوري، بل تكون هي صانعته ومُحرِّكه، تقف اليوم باهتزاز مترددة ما بين البلاط والشارع. وكأنّ الهتاف الصادح بالحرية الذي يتردد في أرجاء المعمورة ليس حقيقة تداهم الأسوار، وتكسر قيود القمع والتكبيل.

إنّ دور الثقافة الجوهري أن ترمي على المشهد قميص اليقين. وهذا أقلّ ما يمكن أنْ تفعله وسط القطاعات الجماهيرية المسحوقة، التي أهلكتها مناهج القهر والقمع والعوز والتوريث.

أنّ ما يطفح على وجه المشهد؛ أنّ هناك خللاً ما بين الحراك الثوري، الذي نشهده اليوم والثقافة العربية. الحراك المشدود إلى كرامة إنسانية مفقودة لأزمان طويلة، وثقافة عربية تربض على مستنقعات آسنة، عاجزة عن اقتناص اللحظة التاريخية، تأسيسا لحداثة قد تجاوزها كوننا إلى بعد ما بعد الحداثة. وكأنّ ثقافتنا السائدة كُتب لها، أو هي خطّت لنفسها أنْ تظلّ هامشية تتسم بالسلبية تجاه قضايا حارّة.

القصيدة ليست رغيف خبز

ولكن في الوقت نفسه يقوم هذا السؤال: هل يمكن تحميل فنون الكتابة، خاصة القصيدة أكثر من طاقتها؟ أو الدفع بها لتنزاح عن دورها أو وظيفتها في مجمل المشهد الثقافي والاجتماعي؟ يبدو أنّ هذا ضرب من فانتازيا، لأنّ القصيدة في محصلة فنية وبديهية ليست رغيف خبز في متناول الجياع، أو طلقة رصاص في يدِ ثائر يوجهها إلى جباه الطغاة والغزاة.

ولكن بعملية إبداعية خالصة قد تتحوّل القصيدة والفنون الأخرى إلى كلّ تلك المعطيات والوظائف، كوسيلة مساهمة وأداة فعّالة في عملية هدم هياكل الاستبداد والظلم، والمضي في دروب التنوير وصولاً إلى المنتهى في إقامة مجتمعات تسودها الحرية والعدالة، فلا تقدم بلا ثقافة، ولا تطور من دون فكر.

كثير من الورود

في الحركات الجماهيرية المتنقلة من مدينة عربية إلى أخرى، كثير من الورود التي يمكن أنْ تُغني المشهد الثوري، لو تُلامسها رؤى المبدعين وعقولهم، بل حريّ أنْ تلامسها؛ لأنّ هذا هو دور الثقافة البديهي والطبيعي في إغناء الحياة، وفي الخلق الجوهري لمسألة الحرية.

على الثقافة ألا تكتفي بمراقبة مشهد الحراك العربي من شرفتها العالية، وعليها أن تنزل إلى الشارع وتزج أدواتها التنويرية بأقصى طاقاتها، المتمثلة في الفكر والإبداع، وبما يمكّنها من اختراق وتفكيك المحنة المزدوجة للمثقف والسلطة، لصالح الحراك الشعبي ومطالبه: المساواة والعدالة والكرامة.

إنّ مهمة أساسية للمثقفين كانت ولم تزل تقع على عاتقهم يجب أن لا يسقطوها اليوم تحت ضغوط قهرية، أو بسبب إغراءات مادية وسلطوية، ألا وهي المحافظة على الثقافة بأن تبقى حرة، وصوت الناس. يجب على المثقفين الاشتباك من أجل منع وقوع الثقافة تحت هيمنة سلطوية أو قوى ظلامية، حيث إنْ تمكّنت هذه القوى، فإنّ أول الضحايا ستكون الحقيقة. والمثقفون هم حراس الحقيقة، والأمناء عليها في أنْ تظلّ في الذاكرة الجمعية بسِماتها الإنسانية، بمواجهة كلّ السرديات المضادة، التي تتغلب فيها المصالح الضيقة على حساب قضايا الإنسان والحياة في وطن مستقل وكريم.

مواجهة ثقافة التطبيع

ومن أخطر السرديات التي تنتشر هذه الأيام في المشهدين الإعلامي والثقافي العربيين هي ثقافة التطبيع مع الكيان الصهيوني، التي تشيعها أنظمة استبدادية على ركام هزائمها وعجزها برعاية أمريكية، ويرددها خلفها قطيع يتغذى من ثقافة الهزيمة، وهو يستمرئ الذل والهوان، ولا يفقه شيئاً من الأصول التي بُنيت عليها دولة الاحتلال ومدى خطورتها على الوطن العربي.

إن جبهة ثقافية تقدمية عريضة على طول الوطن العربي، هي حاجة ملحّة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، لإعلاء صوتها في مناهضة دعاة التطبيع وسردياتهم المضلّلة حول ديمقراطية الاحتلال. حول دولة قامت بالاغتصاب والإرهاب وأجرمت بحق الإنسان العربي، وهي مازالت على ممارساتها نفسها التي تدينها القوانين الدولية. جبهة تستنهض الوعي العربي حول فكرة الحرية والتقدم في مجال حقوق الإنسان، كما هي جبهة تؤمن بالحق الفلسطيني، وبأنّ لا سلام يرخي ظلاله في الشرق الأوسط من دون تحقيق هذا الحق في عودة الشعب الفلسطيني إلى دياره.

٭ ٭ ٭

الثورة كما تصنع هتافها فهي تصنع ثقافتها، وبعد ذلك لا حِجّة للمثقف التنويري، إنْ لمْ يتقدم إلى المواقع لدكّ حصون الديكتاتورية وهياكل التخلف، وإنزال من صعدوا إلى الشجرة في غفلة بسلالم من الشعوذة للإبقاء على الشقاء، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء!

 

سعيد الشيخ - كاتب فلسطيني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم