صحيفة المثقف

عامر هشام الصفار: قراءة في كتاب "الأطباء الموصليون المهاجرون"

عامر هشام الصفارصدر قبل أيام عن دار ماشكي للطباعة وللنشر في مدينة الموصل في العراق كتاب الزميل الطبيب د. محمود الحاج قاسم والمعنون ب-الأطباء الموصليون المهاجرون- . وقد جاء الكتاب ضمن أصدارات رابطة التدريسيين الجامعيين في نينوى بتقديم د. أحمد الدليمي الأستاذ المساعد في جامعة الموصل.  ويشتمل الكتاب على ثلاثة فصول وعلى أمتداد قرابة المائتين من الصفحات. حيث أهتم الفصل الأول بهجرة الأطباء من الموصل قبل وبعد أحتلال العراق عام 2003، فناقش في محاوره الثلاثة الأسباب الأساسية لهجرة الأطباء، وأقترح مجتهدا ما يمكن أن يساهم في الحد من هذه الهجرة. ثم أن الكتاب قد أهتم بمادته الأصل التي عنى بها، وهي أسماء وسير حياة عدد من أطباء مدينة الموصل، من الذين هاجروا الى بلاد الغربة والمهجر. فذكر ما يقرب من 75 أسما من الأطباء الأعلام المعروفين والذين ولدوا في الموصل، وترعرعوا ودرسوا وعملوا فيها. ولم يرفق المؤلف سيرة الطبيب أو الطبيبة بصورة شخصية، مما تعذّر عليه في الطبعة الأولى هذه من الكتاب، ولعلنا نحظى بالصور في طبعة أخرى.

وقد جاء في مقدمة المؤلف الدكتور الحاج  قاسم ذكره لسبب أهتمامه بموضوع الأطباء المهاجرين، حيث يقول أن الكتاب وثائقي تاريخي يضاف الى أرث مدينة الموصل في علاقته ونصاعته. فضّم الكتاب على ذلك اسماء أطباء لا يعرفهم الأطباء الشباب الجدد وقد لا يذكرهم الآخرون، لأنهم تاهوا في المهاجر أو ماتوا بصمت ودون ضجيج.

ثم أن المؤلف حرص على التوثيق في كتاب ليدعو الى الحفاظ على شريحة الأطباء المهمة ضمن شرائح المجتمع..وهي ثروة من العقول والتي لا تعوّض. ولم يألوا المؤلف جهدا في التطرق الى أسباب هجرة الكفاءات العلمية العربية والعراقية من الموطن الأصل، كما حاول أن يأتي بالحلول، مع الأقرار انه-أي المؤلف- قد أهتم سابقا بالموضوع كل الأهتمام، وأصدر الدراسات، وحاضر بمحاضرات في أروقة الجامعة بالموصل حيث يعمل، وفي قاعات الدرس والمناقشات مع أهل الفكر والعلوم، ولكن المشكلة أستمرت دون حلول، بل وتفاقمت بتفاقم حال الوطن سوءا على الصعيد السياسي والأقتصادي والأجتماعي. وفي أحصائية مهمة يشير د. محمود الحاج قاسم الى أن 50% من الأطباء العرب يهاجرون متوجهين الى أوروبا وأميركا وكندا بوجه خاص، وهي نسبة كبيرة خطيرة بكل المقاييس. كما يذكر أن الأطباء العرب في بريطانيا انما يشكلّون حوالي 34% من مجموع الأطباء العاملين فيها.. كما جاء به مصدر يتحدث عن هجرة الأدمغة العربية وأورده الكتاب.

وحول أسباب هجرة الأطباء حاليا من العراق يذكر الكتاب عدة أسباب، لعل من أهمها:  تكرار تعرّض الأطباء للحوادث والأتهامات من قبل أقرباء المرضى، أضافة الى التهديدات والملاحقات العشائرية التي يتعرض لها الأطباء في العراق، وحالات الخطف والقتل، والذي أصبح أحد أهم العوامل الدافعة للهجرة.

ويشير الدكتور الحاج قاسم الى ما جاء في توصيات نقابة الأطباء في العراق في مؤتمرها الحادي عشر والمنعقد عام ،1973 ضمن مقترحات عشرة للحد من هجرة الكفاءات العراقية، فيدعو الى توفير المحيط العلمي بشكل عادل في المؤسسات الصحية، والعمل على تأمينه، وتوفير أمكانياته، وخاصة خارج بغداد ومراكز المحافظات. كما يدعو المؤلف ويكرّر ما دعت أليه نقابة الأطباء من ضرورة وضع دراسة وافية عن الفرص الوظيفية والمادية التي تعرض لأغراء الأطباء للبقاء في الدول التي يختصون أو يدرسون فيها، ومحاولة معادلتها بعروض وظيفية ومادية وعلمية مساوية لها على الأقل.

كما دعى كتاب الأطباء الموصليون المهاجرون الى الأسراع في أعادة بناء وتأهيل المستشفيات في الموصل، وتأمين العيش الآمن للطبيب في عمله في المستشفى، وفي عمله في العيادة الخاصة. كما دعى الى أحترام الطبيب وحسن التعامل معه وعدم أهانته والأعتداء عليه، أضافة الى تحسين الظروف المعيشية للأطباء.

لقد أحسن المؤلف د. محمود الحاج قاسم جهدا في أصدار كتابه القيّم، والذي يثير فيه ومن خلال مادته العلمية، موضوعا علميا مهما كموضوع هجرة العقول العربية، والذي لابد لأجله من أن تعقد الندوات، والمؤتمرات، وتصدر الدراسات، وتوضع الحلول، والاّ فلن يستعاد مجد، ولن تقوم حضارة من جديد.

 

د. عامر هشام الصفار.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم