صحيفة المثقف

قاسم حسين صالح: الزمان.. تعيش زمانها!

قاسم حسين صالحيثبت واقع الصحافة العراقية ان ابرز ثلاث جرائد حققت حضورا بعد التغيير (2003) هي (الصباح) و(الزمان) و(المدى).. ومع تشابهها في امور كثيرة، فانها تختلف في امور كثيرة ايضا اهمها ثلاثة:

الأول: الصباح.. جريدة رسمية تابعة للحكومة، فيما المدى ملكية خاصة لصاحبها السيد فخري كريم، والزمان ملكية خاصة لمؤسسها السيد سعد البزاز.

والثاني: الزمان أسبق في صدورها من الصباح، فالأولى صدرت في لندن (10 نيسان 1997 )، والثانية صدرت في بغداد (20/5/2003.) وكان صدورها مرتبكا في أيامها الأولى، اذ صدر العدد الأول في 20 /5، والثاني في 24/5 وحمل الرقم (3) بدلا من الرقم (2)، ما اوحى انها تصدر مرتين في الأسبوع، لكن الحقيقة انها كانت تخضع لقرارات رؤساء تحرير بأمزجة مختلفة، فيما لم يحصل هذا لجريدتي الزمان والمدى.

والثالث: تدفع الصباح مكافئات لكتّابها، فانا كنت اتقاضى مكافأة على اعدادي صفحة كاملة ملونة بعنوان (حذار من اليأس) استمرت ثمان سنوات، وكذلك المدى ايضا كانت تدفع مكافئات، اذ كنت اتقاضى مكافأة على تحرير صفحة كاملة بعنوان (الأنسان والمجتمع).. فيما لا تدفع الزمان شيئا. 

ولسنا هنا في مجال المقارنة بين اوسع الجرائد العراقية انتشارا (الصباح، المدى، الزمان) التي تتشابه كثيرا في ابواب الموضوعات لاسيما الثقافية وتختلف كثيرا في التعامل مع الأحداث لاسيما السياسية، بقدر ما هي مناسبة لصدور العدد (7000) من جريدة الزمان.

الزمان.. ومحنة العراقيين

يتحدد تقويم كل جريدة بدورها في أداء وظائف الصحافة التي تتنوع وتتغير بتنوع وتغير المراحل التاريخية للبلد الذي تصدر فيه وما يحصل من أحداث في العالم، وبنوع النظام السياسي والاجتماعي والأقتصادي، وبمستوى الوعي الحضاري للفرد والمجتمع.

فما حصل في العراق على مدى اربعين سنة يدفعنا لطرح هذا التساؤل:

لماذا، من دون كل بلدان المنطقة وشعوبها، يدّمر العراق، ويصبح أهله بين قتيل ومهاجر ومهجّر، ومرعوب يمشي معه الموت كظلّه، وجائع لا يجد قوت يومه، وفاقد للكهرباء في حرّ تموز، وعائش في حياة بائسة وعمر متعوس؟. ولماذا كل كوارث العالم تنتهي، ويبدأ الناس حياة جديدة .. فيما فواجع العراقيين لا نهاية لها، ومحنتهم ليس لها آخر ؟ .حتى البلدان التي استقلت بعدنا بربع قرن " الإمارات مثلا " والبلدان الفقيرة " الأردن مثلا " وتلك التي كان أهلها بدوا ونحن أهل الحضارات!.. الوطن فيها معافى والناس فيها بخير.. إلا العراق .. الوطن فيه خراب والناس فيه بحال تعدّى اللامعقول والجنون. فلماذا يجرى هذا للعراق والعراقيين؟!

وكان على الصحافة العراقية ان تمارس دورها من هذه المحنة.. التي ما يزال العراقيون يعيشونها.

الزمان.. بين عشر وعشر

كانت الزمان قد وصفت في السنوات العشر الأولى بعد التغيير بانها (طائفية، بعثية، ممولة من دولة عربية..) فابتعد عنها كتّاب كثيرون بينهم أنا، الذي كنت ابعث بين الحين والحين مقالات ثقافية خالصة، واعتمد (المدى) التي نشرت لي اكثر من سبعمئة مقالا.

لكن السنوات العشر الثانية اثبتت فيها (الزمان) انها منحازة للمواطن والوطن لاسيما وقوفها مع شباب انتفاضة تشرين وتغطيتها لاحداث ساحات التحرير في بغداد وذي قار والبصرة . ويحسب لها انها التزمت بالأخلاق المهنية للصحافة بعدم المساس بكرامة الاشخاص والامانة في نقل الأحداث.

وبرغم ما يوجّه لها من اتهامات، التي تكثر في زمن الفوضى والاحترابات، اثبتت الزمان انها كانت جريئة في التعامل مع اخطر ظاهرة.. الفساد.. الذي شاع كما لو كان وباءا، بل صار اخطر من كورونا لأنه لا لقاح له الا بالثورة.. التي حصلت وأبطلت مفعوله عمامة!.

وللزمان دور مؤثر في تاسيس وعي ثقافي جديد. فما حصل ان الثقافة العراقية في الزمن (الديمقراطي) تراجعت بعد التغيير (2003) مقارنة بما كانت عليه في الحكمين الملكي والجمهوري الأول. فما عاد الناس تنشغل بالثقافات الأدبية والفنية، وجرى تهميش دور المثقف العراقي الذي يؤمن بالتحديث وترصين دور العقل، برغم وجود عدد كبير من الفضائيات والصحف والمجلات والاحزاب السياسية والدينية، فضلا عن حقيقة سيكولوجية هي أن الثقافة التي تنمو في اجواء صراع سياسي وعنف اجتماعي، تنحرف عن مهمتها في اذكاء الوعي والابداع والقيم الحضارية واشاعة السلوك المهذب بين الناس.. غير ان الزمان استطاعت ان يكون لها حضور ثقافي برغم هذه التحديات، بدليل ان مفكّرين وكتّابا معروفين يرفدونها بمقالات متعددة الرؤى تشيع ثقافة النقد والحوار وتحترم الرأي والرأي الآخر.. وباستقطابها هذا الكمّ النوعي من الكتّاب فان(الزمان ) تعيش الآن زمانها.

عليكم بالسيكولوجيا

ما نتمناه، ان تولي الزمان اهمية لاشاعة الثقافة السيكولوجية التي لا يكترث بها العراقيون ولا يقلّبها السياسيون مع ان اغلبهم تتحكم به عقد نفسية لها الدور الفاعل في استمرار انتاج الأزمات وايذاء الآخرين.. من اخطرها ان القادة السياسيين وكثير من العراقيين مصابون بـ (الحول العقلي) وهو مصطلح جديد كنّا نحتناه في علم النفس العربي ليصف واقع الحال الذي عاشه ويعيشه العراقيون بعد 2003.. ونقصد به تحديدا، ان المصاب بهذا الحول يرى الايجابيات في جماعته ويغمض عينه عن سلبياتها، ويضخّم سلبيات الجماعة الأخرى ويغمض عينه عن ايجابياتها.. وكما يرى احول العين الواحد أثنين ولا يمكنك ان تقنعه انه واحد، كذلك احول العقل يرى ان جماعته على حق والأخرى على باطل، وان هذه الأخرى هي سبب الأزمات مع ان جماعته شريك فيها .ولم يدركوا ان المجتمع العراقي صار بعد التغيير متشظيا وان الطرق المؤدية الى الثار واخذ الحيف والاحتراب الطائفي فتح مجلس الحكم بواباتها امام جموع تحكمت بثلثيهم سيكولوجيا المظلومية وبالثلث الاخر سيكولوجيا الاحتماء، وان الديمقراطية تصاب بالرعب في مجتمع تسوده سيكولوجيتان بقانون جاهلي. بل ان سيكولجيا (المعارضة-الضحية) صورت لهم ان العراق وطنهم فقط ومن يعارضهم يستحق القتل، بدليل انهم تعاملوا مع شباب انتفاضة تشرين كما لو كانوا غزاة أعداء! فقتلوا المئات واعاقوا وجرحوا الآلاف في سابقة ما حصلت بتاريخ العراق والمنطقة، في مفارقة.. أن معظم شهداء شباب انتفاضة تشرين، كان آباؤهم قد انتخبوا من قتلوا ابناءهم!.

خالص التهاني والتمنيات بالموفقية للزميلين الدكتور احمد عبد المجيد وفاتح عبد السلام، واجمل ما نتمناه لجريدة الزمان .. ان تبقى عراقية النكهة!.

 

أ. د. قاسم حسين صالح

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم