صحيفة المثقف

يسري عبد الغني: إشكالية اللغة والثقافة

يسري عبد الغنياللغة هي جزء من الثقافة، والثقافة تحدد هوية الشعوب. أي أن اللغة تعني هوية المجتمعات. اللغة هي وسيلة للتواصل بين أفراد المجتمع وإذا حرمت المجتمعات من اللغة فإنها تحرم من وسيلة التواصل والتعبير. فالمجتمعات تتواصل وتتفاهم عبر اللغة، لذلك لا يمكن أن توجد الشعوب بدون وجود اللغة.

اللغة لا تنحصر في مجال الكلام والتواصل فقط، فحين يتحدث المرء بلغة معينة فإن هذه اللغة تنطوي على ثقافة، تاريخ، وعي وهوية معينة. فالمجتمعات تعبر من خلال اللغة عن ثقافتها وعن تراثها وتاريخها، وفي وقتنا الحاضر إذا أردنا أن نبني مجتمعاً وفق ذهنية معنية فيجب أن تكون هناك لغة تعبر عن ذلك المجتمع وعن تلك الذهنية.

في وقتنا الراهن إذا أردنا أن نبني مجتمعاً فيجب العودة إلى تاريخ وثقافة ولغة ذلك المجتمع وإلا فإن ذلك المجتمع لن ينتمي إلى تلك الثقافة وذلك التاريخ. ومن هنا تأتي أهمية اللغة في بناء المجتمعات. لا يمكن بناء اللغة والثقافة خلال يوم واحد، بل إن اللغة والثقافة هي نتيجة لتراكم آلاف السنين، فإذا أردنا بناء مجتمع ما فيجب أن نفعل ذلك انطلاقاً من لغته، وإذا لم يتم بناء المجتمعات انطلاقاً من لغتها فإنها ستتطور على بنية خاطئة ولن يكون مجتمعاً ينتمي إلى نفسه.

تعرف الثقافة بأنها جميع النتاجات المادية والمعنوية التي انتجتها المجتمعات عبر تاريخها في سبيل الحفاظ على ديمومة واستمرارية حياتها، واللغة جزء من هذا النتاج، لأن المجتمعات تؤسس نفسها من خلال اللغة، ويمكن القول إن اللغة هي جزء مهم من الثقافة، فالمجتمعات تعبر عن نفسها، علاقاتها وتعليمها من خلال اللغة، وكل هذه الأمور مرتبطة بالثقافة وبدون هذه الأمور ستكون المجتمعات مجرد كيانات خرساء، ومهما كان مستوى ثقافتها فإنها ستبقى عاجزة عن التعبير عنها.

المجتمعات التي لا تنمو انطلاقاً من جذورها ستكون مجتمعات مهمشة ولن تحيا من أجل نفسها بل ستعيش من أجل الأنظمة الحاكمة وستعيش معزولة عن كينونتها. مثل هذا المجتمع سيكون سبباً للعبودية في جميع مجالات الحياة من السياسة إلى الاقتصاد وإلى الإدارة. إن عزل المجتمعات عن لغتها يعني عزلها عن هويتها، فلكل مخلوق حي صوته ولغته التي تمثل هويته ويعرف بها، وكذلك الأمر بالنسبة للإنسان.

لقد أثبت العلم إن الطفل الذي يتلقى التعليم بلغته الأم يزداد قابلية لتلقي العلوم والأفكار وبالتالي النجاح في التعليم، فالطفل الذي يتلقى التعليم بغير لغته الأم يلاقي صعوبات جمعة في تلقي العلوم وفي التطور. وما نسعى إليه في روج آفا الآن هو تعليم اللغة الأم لجميع المكونات خلال السنوات الثلاثة الأولى للتعليم، وبعد ذلك يمكنهم تعلم اللغة التي يرغبون بها. يجب أن يستفيد الطفل من التعليم حتى يكون له هويته وكيانه الثقافي الحقيقي  .

مقترحنا للنهوض باللغة العربية هو العودة إلى لغة القرآن الكريم، ونحاول أن نذكر أغوارها وجمالها ومدلولها وشاعريتها، فكلمات القرآن إذا وعيناها جيدًا نجد أنها تدعو إلى التوحيد البشري، إلى الحب والخير والأمن والسلام والعدل والإحسان والحق والجمال .. وكم نحن في حاجة ماسة إلى هذه القيم الرائعة في أيامنا هذه .

وعلى وجه العموم إن اللغة بحر عميق يريد منا العلم والمعرفة والدربة والخبرة، بعيدًا عن الهجوم من جانب الذين في قلوبهم مرض، وبعيدًا عن الخرافات والخزعبلات والنبوءات الفارغة التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي تحاول أن تقنعنا بفضل استخدام الحروف الأجنبية  .

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم