صحيفة المثقف

محمود محمد علي: الإسلام السياسي وإشكالية الحاكمية الإلهية (2)

محمود محمد عليخلا الخليفة "عمر بن الخطاب" يوماً فجعل يتساءل: "كيف تختلف أمة الإسلام، ونبيها واحد وقبلتها واحدة".. فقال له "عبد الله بن عباس" (ابن عم النبي):" لقد أنُزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيم نزل، وأنه سوف يكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون في منزل، فيكون لهم فيه رأي، ثم يختلفون في الآراء، ثم يقتتلون فيما اختلفوا فيه".

ولا نغالي إذا قلنا مع الأستاذ "حسين معلوم" في كتابه الإسلام والسياسة .. قراءة نقدية في مفهوم الحاكمية- إن ما حاول ابن عباس القيام به من استشراف مستقبل الخلاف بين أبناء " أمة الإسلام"، عوامله وأسبابه، قد " تحقق" ؛ علي الأقل: فيما يخص " النهج التفسيري" لنصوص كتاب الله وألفاظه، والكيفية التي يتم بها النظر إلي دلالات هذه الألفاظ؛ إذ، جاءت العصور " الإسلامية " التالية، لتشهد تغيراً في " النهج " الذي رآه ابن عباس (نهج تفسير آيات " الكتاب" وفقاً لأسباب نزولها) ؛ فقد تنبني جانب من الفقه الإسلامي – منذ تلك العصور – نهجاً في التفسير يعتمد قاعدة، مفادها:" العبرة " بعموم اللفظ" . فإذا لاحظنا، أن ثمة تغييرات دلالية (سيمانتيكية)، للمفردات اللغوية، كتعبير عن تغير المفاهيم المجتمعية التي ترمز إليها، أو قل: كنتيجة لتغيرات مجتمعية مفهومية تفرض نفسها في واقع المجتمع والتاريخ، وننتقل – من ثم – إلي واقع اللغة..

ولهذا السبب وجدنا مؤلفا هذا الكتاب الذي بين أيدينا يقسمان كتابهما هذا إلي فصلين رئيسيين: الفصل الأول: المصادر النظرية والاجتماعية للإسلام السياسي، والفضل الثاني: (الحرية) و(الديمقراطية) كقيمتين متغيرين في منظور (الإسلام السياسي) بعد التحولات الأخيرة في العالم العربي.

في الفصل الأول: المصادر النظرية والاجتماعية للإسلام السياسي: حيث أردا المؤلفان أن يتوقفا علي ماهية الظاهرة والأسس النظرية لها عبر تتبع مراحلها التاريخية وبنيتها العقائدية، ومن ثم التعرف علي الآباء الأوائل الذين وضعوا أسس هذه الفكرة وساهموا في تكوينها ودخولها ميدان السياسة، ومن ثم الأوضاع الاجتماعية التي أثرت عليهم وساهمت في توسيع حطاب (الإسلام السياسي) وجماعاته، وكيفية استفادة هذه الجماعات من الحالة الاجتماعية لقطاعات الشعب في نشر رسالة وأفكار الأصولية الإسلامية؛ ويتكون الفصل الأول من ثلاث مباحث، هي: الأول: الإسلام السياسي: الظهور والأسس النظرية، والثاني: مرجعيات خطاب الإسلام السياسي، والثالث: البيئة الاجتماعية الحاضنة لتيار الإسلام السياسي.

وفي الفضل الثاني: تحدث المؤلفان عن (الحرية) و(الديمقراطية) كقيمتين متغيرتين في منظور (الإسلام السياسي) بعد التحولات الأخيرة في العالم العربي، وهنا حاول المؤلفان التعرف لنظرة (الإسلام السياسي) لقيمتي (الحرية) و(الديمقراطية) ، ومن ثم كيفية تعامله معهما في فترة ما بعد التحولات الأخيرة في العالم العربي ؛ بمعني كما يقول الكاتبان: إننا خرجنا من الإطار النظري في الفصل الأول إلي الإطار الميداني حيث تجربة (الإسلام السياسي) علي أرض الواقع وفترة حكمه، وتعرضه لاختبار هاتين القيمتين، وكيفية تصرفه في التوافق بين تعهداته السابقة باحترامهما وبين ولائه للأصول العقائدية التي تحتكم فقط إلي الشريعة وترفض غيرها من المبادئ والقيم الوضعية المعاصرة . والفصل الثاني يتكون من مبحثين: الأول: نظرة (الإسلام السياسي) لقيمتي (الحرية) و(الديمقراطية)، والثاني يتكون من مبحثين: الأول: نظرة (الإسلام السياسي) لقيمتي (الحرية) و(الديمقراطية)، والثاني: قراءة استشرافية لنظرة (الإسلام السياسي) لقيمتي (الحرية) و(الديمقراطية) ما بعد التحولات الأخيرة في العالم العربي، بالاستناد إلي تجربة جماعة الإخوان المسلمين في الحكم في مصر(12).

وأود من خلال قراءتي النقدية لهذا الكتاب، أود أن أركز علي أهم نقطة محورية يدور حولها الكتاب لأناقشها مناقشة موضوعية؛ ألا وهي قضية "الإسلام السياسي ومبدأ الحاكمية لله"، ونبدأ أولا بتعريف الكاتبان لقضية الإسلام السياسي، ومركزية النص الديني لديه، ثم موقفه النهائي من مبدأ الحاكمية لله .

وهنا يقول الكاتبان بأن مصطلح (الإسلام السياسي) قد ظهر كدلالة علي الجماعات والحركات التي تستند إلي الدين الإسلامي وأفكاره، وتتخذ منه مرجعاً لها في سبيل تحقيق أهداف سياسية واضحة والوصول إلي الحكم . و(الإسلام السياسي)، هو مصطلح سياسي وإعلامي وأكاديمي سعت من خلاله هذه الحركات إلي توطيد مشروعها القائم علي أن الإسلام سلح نظاماً سياسياً للحكم (13).

ويستطرد الكاتبان بأنه يمكن الحديث عن ثلاثة مستويات من الإسلام عند دراسة ظاهرة (الإسلام السياسي) وتفريقها عن بقية أنواع الممارسات للإسلام كدين وترتث وعقيدة، وهذه الممارسات هي: الإسلام الشعبي، والإسلام السياسي، وفي حين يرتبط الإسلام الشعبي بآليات التدين التقليدي، حيث تكتسب العبادة صفة العادة المتكيفة مع تقاليد المجتمع المحلي وخصوصياته الحضارية والاجتماعية، فإن الإسلام الرسمي يرتبط بالمؤسسة الفقهية المشيخية، التي غالباً ما تكون جهازاً إيديولوجيا من أجهزة الدولة، يمكن وصفه علي نحو ما بإسلام رجال الدين . بينما يرتبط الإسلام السياسي نظرياً وحركياً بشعار الدولة الإسلامية (14).

ويقول الكاتبان بأنه يمكن تعريف الإسلام السياسي كمفهوم ومصطلح، هو: تعبير عن الحركات والقوي التي تصبو إلي تطبيق الشريعة الإسلامية منهجاً حياتياً، مستخدمة بذلك منهجية العمل السياسي الحديث القائم علي المشاركة السياسية في السلطة، فكل حركة إسلامية تعتبر المشاركة السياسية منهجاً تدخل ضمن هذا التعريف، وبالتالي فإن كلمة سياسي في مصطلح (الإسلام السياسي) ليست توصيفاً للإسلام بمقدار ما هب توصيف وتعريف للحركات التي تقبل بمفهوم المشاركة السياسية وخوض الانتخابات والاحتكام إلي صناديق الاقتراع، حيث أن هناك العديد من الحركات والأحزاب الإسلامية التي ترفض هذه القاعدة، وهناك العديد الذين يقبلون بهذه القاعدة (15).

ويستطرد الكاتبان فيقولا:" لقد توسع تعريف مصطلح (الإسلام السياسي) وتزايد الاهتمام به في الشرق والغرب، حتي أصبحت ظاهرة استرعت اهتمام مراكز الأبحاث الدولية والعديد من الباحثين المختصين بحقول الاستشراق والدراسات الإسلامية، وبدأ البعض في الغرب يطلق أسماء مثل الأصولية الإسلامية، أو التطرف، والغلو في الدين علي (الإسلام السياسي) كتعريفات مرادفة له، ومن هنا انبثق مفهوم (الإسلام السياسي) الي نظر إليه البعض من هذه الزاوية التي يسعي من خلالها إلي ممارسة السلطة وإقامة النظام السياسي الإسلامي الذي يرجع إلي المجتمع الذي أقامه النبي (صلي الله عليه وسلم) في المدينة المنورة وإحياء الخلافة الرشيدة، وكان من خلال حزب سياسي إسلامي له الحق في استخدام كل الوسائل المباحة والجائزة في الصراع السياسي" (16).

واعتماداً علي ما سبق فقد قرر الكاتبان أن هناك تشابها وربما تطابقا بين مصطلحي (الإسلام السياسي) و(الإسلام الأصولي )، فالإسلام السياسي يكون بالضرورة أصولياً، أي معتمداً علي الأصول والمرجعيات الإسلامية تماما، وهكذا فإن صفة الأصولية تشير في الغالب الأعم إلي تلك الحركات والإيديولوجيات التي تصر علي أن جزءً لازماً من الدين الإسلامي أن تطبق عقائد الدين الإسلامي، وفي مقدمتها الشريعة، علي كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية (17).

وفي نظر المؤلفان يمكن تعرف (الإسلام السياسي)، كذلك، علي أنه لجوء إلي مفردات الإسلام كدين للتعبير عن مشروع سياسي، علي أن النقطة المحورية في الإسلام السياسي ربما كانت هي سعيه للوصول إلي السلطة، باعتبار أن ذلك هو الشرط الضروري لإقامة مشروعه . وتضم الحركات الإسلامية، في مفهومها الواسع، جميع الأفراد والجماعات التي تسعي لتغيير مجتمعاتها عن طريق اشتقاق أفكارها وبرامجها من الإسلام. وفي حين تختلف هذه الجماعات والأفراد في طرقها ومناهجها وأساليبها، فإنها تتفق علي القيمة الإيجابية للإسلام، وتريد تحويل إطار المرجعية في الحياة العامة إلي مرجعية يكون فيها الإسلام، بتفسيراته المختلفة، قوة رئيسية في تشكيل هذه الحياة (19).

ورغم أن القوي السياسية الأخرى تتقبل أصول اللعبة الديمقراطية في القضية مشاركة قوي (الإسلام السياسي) في الانتخابات والتنافس الشريف علي ثقة الشعب (كما يري الكاتبان)، إلا أنها في الوقت نفسه ترفض فكرة أن تتحول الدولة المدنية إلي دولة دينية تحتكم إلي الشريعة الإسلامية وفق شرح وتأويل محدد (20).

وهناك توجس وخوف من طروحات وأجندة (الإسلام السياسي) في نظر الكاتبان، وهو الأمر الدي يدفع بجماعات الإسلام السياسي إلي إظهار نوع من المرونة في خطابها والاهتمام بالأمور الحياتية للمواطنين وطرح برامج تطويرية وتنموية أيضاً، ومن هنا يقول المؤلفان بأن (الإسلام السياسي) هو في واقع الأمر إيديولوجية تحاول التزاوج بين الدين وقداسته وبين مجموعة من المشاكل الدنيوية المعاصرة من أجل استغلال العامل الإيماني الاعتقادي لدي الناس للوصول إلي الحكم وتطبيق برامجها الرامية لإنشاء دولة الخلافة (21).

وبالإشارة إلي ما سبق يقول المؤلفان بأنه يمكن النظر إلي (الإسلام السياسي) علي إنه:" إيديولوجية وليست خطة موضوعية تهدف إلي تطبيق واقع متخل (يوتوبيا) فيه العدالة الكاملة والسعادة الكاملة، وليس الانتصار علي المشاكل والعقبات الحياتية المعاشة. وأجندة الإسلام السياسي لا تحوي مكاناً للقيم المدنية المعاصرة، مثل العدالة، والديمقراطية ودولة القانون والحقوق الفردية، بل هي لا تستبعد العنف من برامجها من أجل تطبيق نظامها الديني الرامي للوصول إلي السلطة" (22).

ويستطرد الكاتبان فيقولا:" ويشمل هذا التوصيف كل الجماعات الإسلامية، بغض النظر عن مناهجها أو برامجها السياسية أو البيئية التي تعمل فيها، فهناك من يرفض التفريق بين هذه الجماعات، ويقول بوجود قواسم مشتركة بينها، يتمسك الكل بها مهما بدت الفروق بينها جوهرية وواضحة من الوهلة الأولي، ومن هنا فإن حركات الإسلام السياسي، وبغض النظر عن الفروقات الظاهرة بينها، إلا أنها تشترك معاً في مبادئ لا يمكن تخطيها، أو إهمالها، تحدد هذه المبادئ خطابها وأيديولوجيتها إزاء الآخر المختلف، حيث الرفض التام بل والعداء الصارخ في بعض الأوجه . ومن هذا المنطلق تجد الكل يشترك في معاداة العلمانية، ومعاداة السامية، ومعاداة الليبرالية، ومعاداة الشيوعية، ومعاداة أمريكا، ومعاداة المرأة، ومعاداة المثلية" (23).

كما يؤكد الكاتبان بأن اصطلاح (الإسلام السياسي) فضفاض وشامل، وهو يضم الكثير من الجماعات والحركات والأحزاب التي تطرح أفكاراً بتفسيرات شتي، ولكنها تنهل من معين الدين الإسلامي، وترغب في استلام زمام الحكم والإدارة، أي إن الحركة الإسلامية في مفهومها الواسع، تضم، جميع الأفراد والجماعات التي تسعي لتغيير مجتمعاتها عن طريق اشتقاق أفكارها وبرامجها من الإسلام، وفي حين تختلف هذه الجماعات والأفراد في طرقها ومناهجها وأساليبها وقضاياها الآنية، إلا أنها تتفق علي القيمة الإيجابية للإسلام والصلة الوثيقة بين مفاهيمه وقيمه الأساسية والعالم المعاصر، فهي تريد تحويل إطار المرجعية في الحياة العامة إلي مرجعية يكون فيها الإسلام بتفسيراته المختلفة قوة رئيسية في تشكيل هذه الحياة (24)؛ ولأن التنوع هو الغالب علي طروحات جماعات الإسلام السياسي وبرامجها، فهناك من يفهم الإسلام السياسي بأنه واقع الحال حركة تهدف إلي تجديد فهم الإسلام، من خلال تقديم أفكار جديدة للحياة العامة والتخلص من التقليدية في الفهم والتفسير، وهذا التجديد هو الرجوع إلي الأصول والتخلص من الأساطير الموروثة والتقاليد (25).

واستخلاصا لما سبق يقول الكاتبان بأن:”الإسلام السياسي، مصطلحا ومفهوما هو وصف للجماعات والحركات والأحزاب والمنظمات والكتل التي تحمل رؤس وأفكار مستدمة من الدين الإسلامي (تكون مطعمة ببعض البرامج الدنيوية الوضعية التي تهم حياة الناس) تهدف لتطبيق الشريعة، حسب تفسيرها له، وإحقاق نظام الحكم الإسلامي، أي دولة الخلافة في النهاية،وهذه الجماعات تملك برامج وتصورات سياسية تقوم علي الاحتكام للدين الإسلامي والشريعة، تطرحها علي الجماهير من أجل إقرارها والمباشرة في تأسيس المجتمع الإسلامي القائم علي الشريعة، وتطبيق كل حيثياتها وفق الاجتهاد والتفسير الذي تقدمه هذه الجماعات أو منظريها المعتمدين لديها، وترفض بعض هذه الحركات القوانين الوضعية وتتمسك بالشريعة وتطالب بتطبيقها، وتلجأ بعضها إلي العنف طريقاً للوصول إلي الحكم لتطبيق برامجها الرامية لتحقيق الشريعة ودولة الخلافة . وقد درج علي تسمية الظاهرة التي تشكلها هذه القوي والحركات مجتمعة بـ (الإسلام السياسي)، وهو مصطلح شق طريقه إلي عالم السياسة الدولية وتوطد في الأدبيات السياسية وظهر بشكل أكبر وأكثر اتساعا في العقود الأربعة الماضية” (26)... وللحديث بقية.

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

..............

12- الأستاذ طارق حمو والأستاذ صلاح علي نيوف: المصدر نفسه، ص 13.

13- المصدر نفسه، ص 19.

14-المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

15- المصدر نفسه، ص 20

16-المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

17-المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

18- المصدر نفسه، ص 21.

19-المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

20-المصدر نفسه، ص 22.

21- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

23- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

24- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

25- المصدر نفسه، ص 23.

26- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم