صحيفة المثقف

مهدي الصافي: العراق قاعدة لعبة المعادلات الدولية الجديدة

مهدي الصافيالحماقة السياسية او الغباء وضيق الافق للانظمة الفاشلة (او الشمولية) في دول العالم الثالث، قد تفتح الابواب للمزيد من الصدامات او الصراعات الدولية في المنطقة، بغض النظر عن ان الاخطاء او الحماقات المرتكبة كانت مفتعلة انيا او مخطط لها مسبقا (من قبل قوى التأثير العالمي للدول العظمى)، اذ كانت عملية احتلال الكويت عام 1990 من قبل نظام صدام، هي بداية مشروع الشرق الاوسط الجديد، وهي تحمل صفة الافتعال (لاسباب شخصية للرئيس صدام امام اخفاق حلفاءه بتلبية الوعود المقطوعة له بالدعم المالي) والتخطيط المسبق، الذي تم تنفيذه بقوة بعد احداث 11 سبتمبر (الهجمات الارهابية على برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك 2001)، وبعد ان استكملت المقدمات العملية والموضوعية لاحتلال افغانستان والعراق...

نهاية الحرب الباردة الاولى شكلت انعطافة كبيرة في علاقات الولايات المتحدة الامريكية وبين دول العالم الثالث او الشرق الاوسط من جهة، وبينها وبين الاتحاد الاوربي من جهة اخرى، فقد تصاعدت حدة الترويج لثقافة القرن الامريكي الجديد، بتوسيع قواعد الهيمنة والاستحواذ او الاحتواء (في منطقة الشرق الاوسط)، حتى تم اطلاق مقولة محور الشر او نظرية اما معنا او ضدنا (لاحياد)، والعمل على بناء قواعد عسكرية دائمة فيها، والاقتراب كثيرا من الحدود الروسية الصينية في افغانستان، فمع كل هذا التفوق الامريكي المعلن، كانت روسيا والصين تطبق استراتيجية اثبات الوجود، لافشال او لابعاد قدر الامكان التواجد او الخطر الامريكي من المناطق المؤثرة في خارطة التاريخ الاقتصادي البدائي لهم، وعلاقته بمفهوم الجيوسياسي الحديث، ولهذا يعد فشل وانسحاب الولايات المتحدة الامريكية من افغانستان (وعودة طلبان للحكم) فهم متأخر من قبلها (اي الادارة الامريكية) لتلك الحقائق، جاءت على يد الرئيس الامريكي الواقعي والمباشر السابق ترامب، وهكذا تبخرت بسرعة غير متوقعة الاحلام الامبراطورية الامريكية، وبعد ان نجحت روسيا في الحفاظ على امنها القومي والاقليمي (في حدود جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وضم جزيرة القرم، وكذلك بحماية نظام الاسد في سوريا من الانهيار)، ومع بداية انطلاق مشروع طريق الحريرالصيني الاستراتيجي، وهذا الامر قد يدفع ايضا باتجاه خسارة امريكية مدوية جديدة في العراق (كما حصل في افغانستان)، بانضمامه الى هذا الطريق الحيوي، على الرغم من المحاولات المتكررة لايقاف هذه التوجه مازالت قائمة، تارة بتعطيل احالة ميناء الفاو للشركات الصينية المهتمة، وتارة بتحويل مسار الاتفاقات غربا (مع الاردن ومصر)، او عبر اقامة مؤتمرات شكلية غير مفيدة (كمؤتمر التعاون والشراكة الاول الذي عقد في بغداد 28 اب2021 بحضور فرنسا)، والتي اعتبرها البعض هي اعلان العودة الى الاستعمار القديم بحلة جديدة، فما يحصل في العراق من تخبط سياسي واقتصادي، والاحداث في سوريا ولبنان واليمن يراد منها ان تكون ساحة لاعادة تنفيذ سايكس بيكو 2.....

لقد كان لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي التأثير المباشر في اعادة تمركز او تموضع القوى العظمى في مناطق النفوذ (القديمة والمستحدثة)، وفق حسابات الحرب الباردة الثانية، التي باتت تعترف بحقيقة التنافس ضمن استراتيجية تعدد الاقطاب، مما جعل من فرنسا (والمانيا) في مقدمة وقمة هذا الصراع الاوربي، فكانت لها مشاكل اقتصادية استراتيجية كبيرة مع امريكا في عهد ترامب، وبدأت كما يبدو مع خلفه بايدن، بعودة امبريالية شبه فردية (او مناصفة مع بريطانيا) الى افريقيا وبعض دول الشرق الاوسط (بضمنها لبنان والعراق)، فقد زار الرئيس الفرنسي ماكرون العراق مرتين خلال عام، من اجل بناء وترسيخ قواعد التواجد الدائم في البلاد، تحت مظلة العلاقات الاقتصادية (غير المتكافئة كما جاءت في تسريبات الاتفاق بينهم وبين حكومة الكاظمي المؤقتة –عقود شركة توتال الفرنسية والاستثمارات النفطية المقدمة لهم و لمدة طويلة)، وكذلك وضع شروط معينة لتقديم المساعدات المالية والاقتصادية الفرنسية (والدولية) الى لبنان، وبالالتزام بتنفيذ عدة اتفاقات وتعهدات داخلية مختلفة!

طعنة الظهر التي استقبلتها فرنسا (على حد قول وزير الخارجية الفرنسي)بعد توقيع اتفاقية اوكوس (الامنية)، بالاتفاق الجديد المبرم بين امريكا وبريطانا مع استراليا، والذي الغى الاتفاق السابق الموقع مع فرنسا (عام 2016)، المتعلق ببناء غواصات تقليدية، استبدلت بالاتفاق الحالي (غواصات تعمل بالطاقة النووية، وازعج الصين ايضا، هي تأكيد على التحول الامريكي الاستراتيجي من منطقة الشرق الاوسط الى بحر الصين الجنوبي...

محور روسيا الصين باكستان ايران قطر سوريا (ودول اخرى على الطريق) تفوق كثيرا على محور امريكا (الاتحاد الاوربي) وبعض دول الخليج (وبدأت تسريبات خليجية لايكشف عن مصادرها تعبر عن حجم الصدمة التي تعرضت لها هذه الدول بعد الانسحاب الامريكي من افغانستان، وكذلك من المتوقع ان تنسحب او تلغي قواعدها العسكرية الدائمة المتواجدة هناك)، مع التأرجح التركي والمصري بين الاثنين، سيكون العراق مرة اخرى ساحة الاعلان الثاني لنهاية الحرب الباردة الحالية، الا ان الكارثة تكمن في فشل الطبقة السياسية الحاكمة فيه من بناء نظام ديمقراطي مستقر نسبيا، فالتركيبة الدستورية لنظام المحاصصة والتوافق، جعله لبنان اخر، لاسيادة كاملة، ولا قرار سياسي وطني مستقل، ولا مؤسسات دستورية قادرة على اخراج البلاد من مستنقع الفساد والفشل والفوضى، وهذه الامور لاتنتهي او تستقيم الا بوجود نظام رئاسي ديمقراطي تنموي دستوري، ينهي سطوة بعض الاحزاب والتيارات الفاسدة (او العميلة منها)، ويمنع التدخلات الخارجية واملاءاتها، وبالاستعداد لاتخاذ الخطوات المصيرية لاجراء بعض التعديلات الدستورية الجوهرية، لاعادة بوصلة القرار الوطني الى قيادات الشعب الوطنية، وليوقف لعبة جر الحبل المطبقة بحقه، بين حلفاء امريكا وذيولها، وبين حلفاء المحور الايراني الصيني، عدا ذلك سيبقى العراق بلد تصفية الحسابات...

التوزان في العلاقات الدولية امر حكيم وضروري، ولكن كما يقال عالم مابعد كورونا ليس ماقبله، بصعود نظرية اعادة بناء المصالح الاقتصادية الاستراتيجية، وبتقاسم مناطق النفوذ بين القوى العظمى، وترتيب اوضاع المنافذ وطرق التجارة الدولية، والدخول الى ميدان العلاقات والولاءات للدول الناشئة والنامية (الذي لم يعد قسم منها يعير الاهتمام لقوة امريكا، وبدء في ايجاد الخيارات البديلة مع الصين او روسيا)، من هنا يتطلب من القوى الوطنية العراقية المؤثرة (العربية الشيعية والسنية والكردية)ان لاتنتظر طويلا فيما يتعلق بالاصلاح، او توحيد الرؤيا والقرار الاستراتيجي الوطني، امام تلك التحديات والاصطفافات الدولية والاقليمية والعربية، بعيدا عن مسارات التأثير العاطفي (العلاقات على اساس طائفي او عرقي او اعتبارات موروثة) او النفسي الحذر او حتى الشخصي، والعمل على بناء دولة الامة الامنة المستقرة المزدهرة، فكل الفجوات والثغرات المفتوحة في جسد الدولة هي من الممكن جديا ان تصبح مشروع للفتنة والحرب الاهلية او التقسيم والتشرذم، وجبهات مستعرة للنزاعات الداخلية الطويلة الامد.

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم