آراء

أورنيلا سكر: الهوية القلقة وإنتلجنسيا التابع

هل حقا انقشع ضباب الاستعمار عن سماء الاوطان العربية، أم أن ما يعكسه المشهد العام هو على النقيض من ذلك، حيث يرى عالِم الاجتماع الامريكي إدوارد شيلز، أن المثقف هو الشخص المُتعلم الذي الذي لديه طموح سياسي إما بصورة مباشرة من خلال السعي ليكون حاكماً لمجتمعه، او بطريقة غير مباشرة يسهم في صياغة ضمير مجتمعه. إن الانتلجنسا لها تعريف متعدد الوظائف لا يمكن حصرها بعنصر واحد بحيث تتعدد تعريفاتها. لكن، ما يهمني هو تأكيد طبيعة هذه الاشكالية التي تعتري هذا المفهوم وتأثر على البنية الفكرية للانتلجنسيا العربية ببقايا الاستعمار في فترة الكولونيالية الجديدة وما بعد الكولونيالية، لان اي تأثر بالثقافة الاستعمارية هو دليل على حضور المستعمر داخل الجسم الثقافي العربي و استحكامه بفعل القدرة على توجيهه معرفياً وعقائدياً واقتصادياً وثقافياً.

وتظهر القراءات التاريخية أن الانتلجنسيا العربية قد تأثرت تأثراً كبيراً بالكولونيالية بصيغتها الكلاسيكية والمستحدثة التي يخطئ من يظن فيها دور الاستعمار قد ولى لذلك إن هذه المقالة هو التركيز على الهوية العربية المستهدفة والمضطهدة بشتى الوسائل لطمسها والغائها وتغيبها عبر استراتيجيات قاتلة وشيطانية تهدف الى تشويه صورة الانسان العربي والاسلام عن طريق حملات اعلامية تستهدف العقل العربي والذاكرة الجماعية عبر مشجموعة ادوات اسهمت في خرق المجتمعات العربية وتشويهها وتزوير التاريخ من أجل خدمة الاجندة الاستعمارية وذلك عبر القوة الناعمة والمعرفة وعمالقة الاعلام التقليدي والرقمي عبر نشر التفاهة وتسطيحها بفعل طبيق نظرية القطيع من خلال التلاعب بالعقول وتمكين النسيان كما هو الحال مع القضية الفلسطينية.

وهنا، أتساءل لماذا ندور دائما في حلقة مفرغة من الاستبداد والمظلومية المتداولة والتي لا حلول لها سوى بتجديد حكم المستبد دون مساءلة او محاسبة. إن سؤال وجيه، والجواب عليه بديهي بعد سلسلة ممنهجة من التدمير والتخريب عبر عملاء بالوكالة تم زرعها من قبل الاستعمار تخدم المشروع الكولونيالي في المنطقة من خلال مبدأ القوة والهيمنة والسلطة التي استطاعت عبر قرون تأبيد هيمنتها واستفحالها عبر بروغندا تقوم على الكذب حتى باتت الكذبة حقيقة غير أن عملية طوفان الاقصى اعادت الاعتبار لكبرياء هذه الامة من خلال تعرية حقيقة الغرب الذي يتشدق بحقوق الانسان والعدالة والمساواة وكشفت حقيقة الخداع الممتدة عبر قرون والذي يفيد بنشر التعددية والعملمانية المزعومة عبر احترام حقوق الانسان والاقليات، إلا أن كل ذلك كان كذبة كبير تم خداع وايهام العالم به، فالغرب في معظم أحقابه التاريخية لم يكن علمانيا، والكنيسة المسيحية بكل تأكيد لم تدعُ الى العلمانية، فكيف لنا أن نزعم بأن العلمانية مندرجة في تعاليم المسيحية لان ما نشهده من عملية تصنيف وتميز عنصري من قبل الغرب الاوروبي وارثه الاستعماري ليس الا موروث ديني يقوم على تدنيس الاخر بسبب نزعة العرق الاعلى او المتفوق على باقي الشعوب فعملية القتل العباد والاطفال والنساء هي سلسلة ممنهجة لا تنفصل عن التراث اليهودي- المسيحي الذي ينبغي مراجعته لانه يحتمل الكثير من القراءات التي تحث على التدمير والترفع ان العالم السفلي مدنس، فالخطيئة التي منيت بها المسيحية انه تم تسيسها وصهينتها، بدليل تصريحا البابا فرنسيس الذي دعا الى الاعتراف بالمثليين وزواجهم فضلا عن تفاصيل كثيرة تعتري الفاتيكان ومواقفها لكن ما يهمنا، هو ان التعويل فقط على الانتصارات العسكرية فقط دون متابعة ورصد وملاحقة للحدث اي السابع من اوكتوبر، هو بمثابة عملية انفعالية وردة فعل اكثر منه فعل اذا لم تترجم هذه الانتصارات بمشروع فكري مناهض ومواجه لسياسة الاستعمار سواء من خلال الدراما العربية والعمل التوثيقي والاعلام وبخطاب عربي جديد يليق بتضحيات القضية ونضالاتها وشهدائها.

بالختام، إن إعلان محكمة العدل الدولية، بأنها تلقت طلباً من جنوب افريقيا لبدء إجراءات ضد إسرائيل لاتهامها بارتكاب «أعمال إبادة ضد الشعب الفلسطيني» في قطاع غزة باعتبار أن نضال شعب جنوب افريقيا يقاسم فلسطين تجربة إسقاط نظام الفصل العنصري للأقلية البيضاء، في حين أن مواقف بعض الدول العربية المؤثرة لم يصدر عنها اي موقف يذكر بهذا الشأن. فمن المهم أن نتعلم من تجرب جنوب افريقيا كيف تصدى لقوى الاستعمار وكيف قام بمراجعة علاقته بالمستعمِر وفق ادبيات جديدة تعبر عن الادب الافريقي المقاوم للرواية الاستعمارية والتي يطلق عليها هوسرل بالاختزال الوضعاني لفكرة العلم، فلطالما كان العلم بحسب الحضارة الغربية عبارة عن معرفة تهدف الى تحقيق السلطة الهيمنة على الشعوب الاخرى من خلال استغلال الرواية التوراتية في خدمة المشروع الصهيوني الاستعماري على ارض فلسطينية، الامر الذي يطرح تساءلات عديدة مطلقة بالمحرقة اليهودية في اوروبا ما اذا كانت حقا استهدف ستة مليون يهودي وابادتهم ام انه كذبة تم استغلال اليهود واليهودية بهدف تحقيق المشاريع الاستعمارية في الشرق الاوسط ؟ وان الغرب التنويري ليس الاّ خدعة تم فيها ايهام اليهود بحقهم بالوجود من اجل هذه الاهداف الشيطانية وتفكيك وتدمير هذه المنطقة وفق مفهوم الانقسامية لبول باسكون (1985-1923)، والذي يقوم على تفسير عامل الانشطار حين يصبح الواحد مصدرا لاجزاء جديدة تتفرع عنها وحدة سلالات جديدة من الانقسام والتمزق بهدف السيطرة؟

إن عدم مراجعة هذا الموروث الاستعماري وتصحيح ادبياته ومناهجه الفكري يسهم في توليد العنف المعرفي والفكري وتوريثه الى الاجيال دون محاسبة، ما يجعل العالم امام قطيعة وانفصال بدلا من المراجعة وتصحيح المسار التاريخي والإستعماري من أجل خدمة المشروع الوطني والهوية الوطنية والحد من نزعات العنف والتطرف والاستعلاء الغربي والتأكيد على لغة الخصوصية لدى الجماعات المحلية والاصيلة بهدف التلاقي والتسامح والحوار والنقد والمراجعة بهدف تطوير الحداثة السياسية، فنزاعات اوروبا القومية لم تكن الا مشروع حرب يهدف الى تطوير تلك المجتمعات بحجة التجانس القومي وتطوير مفهوم الدولة واحداث تحول في السلطة المطلقة والانتقال نحو الحداثة.

***

كتابة: أورنيلا سكر

 

في المثقف اليوم