صحيفة المثقف

محمود محمد علي: محمد حسنين هيكل.. عميد المحللين السياسيين العرب (1)

محمود محمد عليليس من المعقول أن تمر علينا الذكرى الخامسة لرحيل واحد من أهم صناع وكتاب الصحافة محمد حسنين هيكل، والذى غاب عن عالمنا فى 17 فبراير 2016، عن عمر يناهز الـ93 عاما، وهو واحد من أهم من ساهموا فى صياغة السياسة فى مصر منذ فترة الملك فاروق والذى تدرج فى المناصب فى مهنة الصحافة والإعلام، وأصدر عشرات المؤلفات، فهو صاحب أهم مسيرة صحفية وفكرية، بتقرير عنوانه "محمد حسنين هيكل.. ذاكرة الأمة التي لا تموت، فهو ذلك الأستاذ صاحب المسيرة الصحفية الفذّة، والذي عاش 70 عاما من عمره شاهد عيان على أهم سنوات التاريخ المصري، إنه محمد حسنين هيكل - الجورنالجي والسياسي - الذي هزم السرطان 3 مرات في حياته، إلا أنّ الفشل الكلوي تسبب في وفاته عن عمر 93 عاما في العام 2016 (1).

علاوة علي أنه يعد من أشهر وأبرز الصحفيين المصريين والعرب، ومحلل سياسي مخضرم، والذي سنتذكره دائماً لشغفه وحبه للعمل الصحفي. كان هيكل يوصف بأنه مؤرخ تاريخ مصر الحديث، ووصفته جريدة The New York Times  بأنه عميد المحللين السياسيين العرب ؛ وقد قال عنه أستاذنا المرحوم مكرم محمد أحمد:" تحتاج مصر إلي بضعة عقود من الزمن كي يأتيها صحفي عملاق في قامة أستاذنا الفاضل محمد حسنين هيكل، يملك مثل قدرته وبراعته وشموخ قلمه، ويحاكيه في نزاهة القصد والمسلك ويحظى بمثل هذه الموهبة الرائعة التي تعطيه قدرة فائقة علي رؤية أبعاد الواقع واستبصار غياهب المستقبل، في سلاسة منقطعة النظير، تزينها مهارة فذة في رسم الصور ونحت الكلمات، وصك التعابير .. ولا أظن أن صحفيا مصريا علي امتداد تاريخ هذه المهنة امتلك كل هذه الأدوات التي جعلت من هيكل الصحفي روائيا مبدعا، تنصاع له كل فنون الحكي، ومصورا فنانا، يحيل قلمه متي شاء إلي فرشاه مبدعة، ترسم ظلال وأضواء وألوان أكثر الصور والمواقف تعقيدا، ومحللا بارعا، يتابع عن كثب تطورات عالمنا، يصعب أن تفاجئه بخبر أو معلومة أو فكرة، ولغويا ضليعا، يرقي بفن الكتابة السياسية إلي حدود الشعر (2)

كما قال عنه "فهمي هويدي" الكاتب والصحفي الشهير: "طوال سنوات عمله الحافلة والمليئة بالأحداث الصاخبة، كان هيكل يرى نفسه أولاً وقبل كل شيء صحفياً. فقد اضطلع بمناصب أخرى في لحظات معينة من التاريخ، وكان مصدراً موسوعياً من المعلومات، وكاتباً ومحللاً سياسيا ًعظيماً، إلا أنه رأى نفسه صحفي في المقام الأول، وكان كذلك في كل يوم من حياته حتى اليوم الذي أصبح فيه مريضاً وتعباً على الاستمرار (3).

والحقيقة فإنني أؤيد كل ما قاله أستاذنا مكرك محمد أحمد، وكذلك ما قاله الأستاذ فهمي هويدي، وأضيف بأنه سيظل اسم الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل اللامع مثار اعجاب الملايين من القراء في مصر والعالم العربي، فهو كما قال الأستاذ أبو السعود إبراهيم:" صاحب أسلوب متميز، وتاريخ حافل في الصحافة العربية .. ومؤلفاته مؤثقة بالوثائق والمستندات تؤكد قدرته الفائقة علي التحليل .. كلماته توزن بالذهب في الصحف الأجنبية .. ومقالاته وأحاديثه تصدر في كبريات الصحف في العالم .. فهو بحق أحد عمالقة الصحافة المصرية والعربية .. إنه أمة في رجل .. الأستاذ محمد حسنين هيكل نجم ساطع في سماء الصحافة المصرية والعالمية .. وصل إلي مكانته بجهده وعرقه، وبذكائه استطاع أن يقف وسط العمالقة (4).

ولد محمد حسنين هيكل في 23 سبتمبر عام 1923 بقرية باسوس بمحافظة القليوبية، وبدأ الدراسة بالمراحل المتصلة ثم اتجه إلى الصحافة في وقت مبكر حيث التحق بجريدة "الإيجيبشيان جازيت" حيث عمل كمحرر تحت التمرين بقسم الحوادث ثم انتقل إلى القسم الألماني، شارك في تغطية بعض المعارك التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، ثم التحق بمجلة آخر ساعة عام 1945 كمحرر أيضا واستمر في العمل بهذه المجلة حتى أصبحت تحت ملكية جريدة أخبار اليوم .

وخلال هذه الفترة عمل هيكل كمراسل متجول لجريدة أخبار اليوم لينقل الأحداث الجارية من كل مكان بالعالم سواء في الشرق الأوسط أو الشرق الأقصى حتى أنه سافر إلى كوريا وإلى أفريقيا وحتى البلقان، واستقر بمصر عام 1951 حيث تولى منصب رئيس تحرير مجلة آخر ساعة وفي نفس الوقت مدير تحرير جريدة أخبار اليوم واستطاع من خلال وظيفته أن يتلمس الواقع السياسي الجاري في مصر آنذاك، ثم عين رئيس تحرير جريدة الأهرام لمدة 17 عاما وكان له عمود أسبوعي خاص به تحت عنوان بصراحة حيث استطاع أن يكتب في هذا العمود لعام 1994 (5)

والخطوة الأهم في حياة الكاتب الكبير "هيكل" كانت حين وقع عليه الاختيار ليذهب للعلمين لتغطية وقائع الحرب العالمية الثانية، ثم سافر إلى مالطا، ثم إلى باريس، والتقى السيدة فاطمة اليوسف صاحبة مجلة (روز اليوسف)، التي قررت ضمّه إلى مجلتها عام 1944، ثم تعرف على محمد التابعي، لينقل إلى صفحات (آخر ساعة) ليصبح هيكل بعد فترة وجيزة، رئيسا لتحرير لها ولم يكن يتجاوز 29 من عمره، ثم تولى رئاسة تحرير الأهرام لعدة سنوات، وبعدها اتجه لتأليف الكتب، ومحاورة زعماء العالم، وجرى ترجمة كتبه إلى 13 لغة (6).

وقد شغل "هيكل" منصب رئيس تحرير جريدة الأهرام من عام 1957 وحتى عام 1964، وكان كاتباً لعمود أسبوعي بعنوان "بصراحة"، والذي كان السبب الرئيسي في وصف جريدة الأهرام "جريدة نيويورك تايمز العالم العربي" تحت قيادته (وفقاً للموسوعة البريطانية Encyclopedia Britannica). كما أسس هيكل مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وفي بداية مشواره الوظيفي، اشتغل هيكل بجريدة الإيجيبشيان جازيت ومجلة روز اليوسف، ثم أصبح محرر بمجلة آخر ساعة وجريدة الأخبار اليومية (7).

كان "هيكل" كاتم أسرار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. هذا، وقد قام هيكل بتأليف 40 كتاب سرد فيها أحداث تاريخية كان قد عاصرها بنفسه، مثل عبد الناصر: وثائق القاهرة Nasser: The Cairo Documents 1972، والطريق إلى رمضان The Road to Ramadan 1975، وأبو الهول والقوميسير Sphinx and Commissar 1978، وخريف الغضب Autumn of Fury 1983 . كما كان هيكل عضواً باللجنة المركزية بالاتحاد الاشتراكي العربي (1968 – 1974)، ووزير الإرشاد القومي (أبريل – أكتوبر 1970) (8).

وبعد وفاة عبد الناصر في عام 1970، ظل هيكل رئيساً لتحرير جريدة الأهرام حتى عام 1974، ثم أصبح صحفياً حراً بعد ذلك. وفي عام 2007، قدم سلسلة من المحاضرات حول الأحداث العالمية بعنوان "مع هيكل" على قناة الجزيرة القطرية... وللحديث بقية ..

 

الأستاذ الدكتور / محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط .

.....................

مراجع المقال

1- إيمان على: الذكرى الخامسة لرحيل محمد حسنين هيكل.. عاصر ملكين و7 رؤساء، اليوم السابع، الأربعاء، 17 فبراير 2021 04:30 ص.

2- مكرم محمد أحمد: هيكل: ثمانون عاما من عمر مديد، الدراسات الاعلامية، المركز العربي الاقليمي للدراسات الاعلامية للسكان والتنمية والبيئة، ع 112، 2003، 35.

3- المرجع نفسه.

4- أبو السعود إبراهيم: من البداية: مسيرة طويلة و تاريخ عريق،، الدراسات الاعلامية، المركز العربي الاقليمي للدراسات الاعلامية للسكان والتنمية والبيئة، العدد 112، 2003، ص 41.

5- منة الله الأبيض: في ذكرى رحيل محمد حسنين هيكل.. أسطورة ثنائية الصحافة والسياسة، الأهرام، 17-2-2021 | 14:14.

6- المرجع نفسه.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم