صحيفة المثقف

حشاني زغيدي: أي الرجال نستأجر؟

حشاني زغيديفي معركة الوعي، لابد من اليقظة، والتبصر، علينا استعمال الحدس لكشف الزيف والخداع، فالمخادع دائما يلجأ في معاركه وحملاته لعمليات تنويم وتحذير، يلجأ لجلسات التنعيم حتى يسرق الأضواء، ويجلب الانتباه، يوظف الحيل والشبه، وقد يلجأ للمساحيق ليغير لون بشرته الشاحبة، كي يظهر للعيان ذاك الحارس الأمين، حامي الحمى، وأيامه ولياليه تحمل المخازي والويلات .

العاقل منا لا يرضى أن تعاد النسخ البالية للظهور مرة أخرى! ولا أحد منا يرضى أن يجدد العهدات ودورة الحياة مرة ثانية لمن خيبوا ظنوننا مرات ومرات! ولا واحد منا يرضى أن يغامر بمستقبله ومستقبل الأجيال بحماقات الاختيار، فيعيد عقارب الساعة لسابق عهدها من جديد!

فقد تتمكن الخلايا النائمة وبقايا الأجزاء التالفة؛ أن تتجمع من جديد، تتجمع بنفس الوجوه القديمة المساندة والمبايعة، وقد يبذل كل مستفيد ونفعي الجهد ليحافظ على المكتسبات السابقة، ويمكن أيضا لجماعات الممانعة أن توظف نسخ الاحتياط وتنخرط في خفاء لتعيد الدورة لسابق عهدها وهي سنة ماضية في التاريخ .

قد يحصل هذا وذاك في أي زمان أو مكان، يحصل ذلك حين يغيب الوعي، وتغيب الحسابات، وحين ينزوي المقهورون واليائسون في البيوت أو المقاهي أو الخلوات، وحين ينزوي متحججون بأن الأمر لا يعنيهم، وهم لا يدرون أن السحرة يلقون حبال الخداع على الفريسة .

 الحقيقة أن تلك الخدع سهل كشفها وإبطالها، شريطة أن نعيد شريط الأحداث الماضية، نستحضر الواقع المؤلم، نستحضر المخيبات،نستحضر كل الإخفاقات التي حصلت بسبب اختيارنا الغير مدروس .

كل ذلك يحصل حين يغيب الوعي، فتتجدد دورة حياة الفساد ونحن نائمون، وتعود أيامهم السابقة، في لحظات الغفلة، نهدي الأوسمة والنياشين للسارق المارق، وقد اكتوينا بلاسعاته .

أن الواقع لا يكذب، فالرجولة تصنع في واقع حي، واقع ملموس، يصنع في الأجواء الصافية الغير ملوثة، فينشأ الرجل طاهر اليد، طاهر اللسان، الصادق في معاملته، الرجل الذي يشار له بالبنان، فعيون الواقع لا تكذب.

أحبتي لم تخطيء ابنة نبي الله شعيب حين أشارات بالرأي الحصيف لأبيها وهي تستحضر صفات رجل المرحلة " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " وهذا الحكم الصادق قد يقوله كل مخلص واع، يحب الخير لوطنه، يحب الخير لمجتمعه، يحب الخير لأمته، فالرائد لا يخدع قومه.

أي أحبتي في ميدان الرجولة تتجسد القيم والمثل على أرض الواقع، تتجسد القيم في مرونة وسهولة، فترى الرجل القدوة، يقسم الأدوار في توازن دقيق، فلا تتغلب المصالح الذاتية على المصالح العامة، فبيته وأسرته وأعماله الخاصة تخضع لمعيار الجودة، حياته الخاصة بلا خدوش، حياته بين قومه بلا علل . نعم حياتنا الخاصة تلقي بظلها على حياتنا العامة، فإخفاقات الحياة الخاصة علامة واضحة على إخفاقات الحياة العامة، وقد كان الرجال العظماء يتخوفون من الاختلال في الحياة الخاصة .

ولو نقلنا جانبا من سيرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبرز لنا هذا الجانب الجوهري في المقال فحياة الشخصية العامة تتأثر سلبا وإيجابا، فوجب أن توضع حياة الرجال الخلص تحت محك المحاسبة الخاصة فيحاسب الرجل الصالح نفسه، وأهله، فحياتهم تحت أبصار المراقبة، وتصرفاتهم مرصودة، يفعل ذلك لتحقيق القدوة الواجبة، كي يحصل الاقتداء والتأسي، فكان عمر رضي الله إِذا أراد الخروج للناس في تبليغ أمر من أمور العامة، يبدأ بخاصة أهله قائلا": " إِنِّي نهيت النَّاس عن كذا، وكذا، وإِنَّ النَّاس ينظرون إِليكم، كما ينظر الطَّير إِلى اللَّحم؛ فإن وقعتم؛ وقعوا، وإِن هبتم؛ هابوا، وإِنِّي والله لا أوتى برجلٍ وقع فيما نهيت النَّاس عنه إِلا أضعفت له العذاب، لمكانه منِّي، فمن شاء منكم أن يتقدَّم، ومن شاء منك أن يتأخَّر " .

وكان رضي الله عنه شديد المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده، وأزواجه، وأقاربه.

من أوصاف الرجال الموضوعين لخدمة الأمور العامة؛ أنهم يحترقون في العمل، مجدون في انجاز المهمات، يملكون القدرة على إدارة فريق العمل، يشاركون غيرهم في صناعة القرارات الهامة، ولهم الشجاعة أن يعترفوا بأخطائهم، ولهم القدرة على تصحيح مسار أخطائهم، فهم واقعيون بعيدون عن النرجسية والمزاجية القاتلة .

و في الأخير اختم بهذه الحكمة النافعة المنقولة عن الحكماء: " إذا أردتَ أن تحصد بعد شهور، فازرع قمحًا، وإذا أردت أن تحصد بعد سنوات فازرع شجرًا، وإذا أردت أن تحصد بعد جيل فازرع رجالًا "

 

الأستاذ حشاني زغيدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم