صحيفة المثقف

محمد تقي جون: الزواج في الاسلام

محمد تقي جونالزواج في الاسلام هو العلاقة المختلطة الوحيدة المسموح بها بين الرجل والمرأة اللذين يحلّ بعضهما لبعض. فحرّم عليهما الزنا (غَيْرَ مُسَافِحِينَ (المائدة5)(غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ (النساء25)، وحرم على اتخاذ الرجل اتخاذ عشيقة يزني بها في السر (وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ (المائدة5) وعلى المرأة اتخاذ عشيق يزني بها في السر (وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ (النساء25). وبني اساس الزواج على قبول ورضا الطرفين ببعض برغبة دون اكراه، والا فالزواج باطل.

يصح العقد بين الرجل والمرأة المتحقق فيهما العقل والبلوغ والعفة. فلا يجوز زواج المجنونة والمجنون، وغير البالغة وغير البالغ. وما سمي بـ(زواج القاصر) سببه وهمٌ بأن الرسول تزوج السيدة عائشة بعمر تسع سنوات، والصحيح انها كانت في الثامنة عشرة. ولا القاصر في اللغة بهذا المعنى فـ(قاصرات الطرف) بمعنى عفيفات. ولا يجوز زواج غير العفيف وغير العفيفة: الزانية والزاني، واللواتي يمتهنّ الزواج. ولا يصح الزواج بين المثليين: الرجل بالرجل (اللواط) والمرأة بالمرأة (السحاق).

الهدف من الزواج في الاسلام الانجاب وتكوين الاسرة (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً (الروم: 21) أي المحبة والأولاد. وعن الرسول (ص) (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم). وهذا مقياس لصحة الزواج في الاسلام من عدمه. فلا يصح زواج الرجل المنجب من المرأة العاقر اذا علم بها، ولا يصح زواج المرأة المنجبة من الرجل العاقر اذا علمت به. ولا يصح أن يتزوج الرجل اليائس أو عدم الراغب في الانجاب من الشابة أو القادرة على الانجاب. ولا يصح زواج المرأة اليائسة من الشاب أو القادر على الانجاب. ولم يسامح الله سبحانه على ترك الانجاب بعد أن تكفل هو بالرزق (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (الأنعام: 151). وحالات الزواج المذكورة في القرآن الكريم كلها لتكوين الاسرة. وعليه لا يصح زواج بدون الرغبة في الانجاب. فلا يصح الزواج الذي غرضه التمتع فقط، كأن يلتقي رجل وامرأة فيقرآن الصيغة ويتمتعا ساعات او اياما ثم يفترقان، فالعقد غير شرعي وان كانت قراءة الصيغة صحيحة.

ولان الله سبحانه اشترط الانجاب لصحة الزواج فقد أمر أن تأتى المرأة من مكان الحرث (الانجاب) وهو الفرج فقط (فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ) (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (البقرة، 222- 223). فلا يجوز الوطء من الدبر، ولو جاز لما طلب الله سبحانه اعتزالهن عند المحيض فالدبر لا علاقة له بالحيض. والدبر مكان الغائط ومشترك مع الرجل فليس له خصيصة نسائية، بل الفرج العضو الانثوي وهو مكان (الانجاب). وقوله تعالى (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ) يحدد مكان الاتيان بالفرج ويحرم غيره، وأمر الله أمر نهائي، فإتيانها من الدبر عصيان لله، واهانة لأنوثة المرأة، ويسبب لها الشذوذ كما يسبب الشذوذ للغلمان المعتدى عليهم. واذا أجبر الرجل المرأة على المضاجعة من الخلف فقد عصى الله وأهانها ومن حقها الطلاق والتطليق.

ويصح الزواج التكميلي الذي لا يكون الهدف منه تكوين الاسرة لكبيري السن والعاقرين فقط. وينطبق عليهم ما ينطبق على الاصحاء من الشيخوخة والعنة في شروط الزواج.

 يصح عقد الزواج بين الرجل والمرأة بقراءة صيغة القبول والتراضي تقول (اني زوجتك نفسي) فيقول الزوج (قبلتُ التزويج) للثيب والتي تملك أمرها. أو يقول ولي أمرها للزوج (اني زوجتك ابنتي أو أختي... فيقول الزوج: قبلت الزواج). والقاضي والمأذون والشاهدان للتوثيق والحقوق فقط، ويصح الزواج دونهم.

والمهر (الاجر، الصداق) يدفعه الرجل للمرأة وجوبا، كما تدل آيات كريمة على ذلك (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) (الأحزاب:50) (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً (النساء:24) (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (الممتحنة:10)). كما تشترط النفقة على الرجل (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (النساء: 34). فالمهر والنفقة واجبان على الرجل ويمثلان (عصمة الرجل) فاذا بذلهما امتلك العصمة واستمر الزواج، واذا لم يبذلهما تنتفي عصمته ويفسخ عقد الزواج. والعلماء يقولون (عَقدُ الزوجية عُقدَ على منافع). وقوله تعالى (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ (النور: 33) يقطع بأن الاجر والنفقة يقابلان صحة الزواج، فالذي لا يجد القدرة على ذلك ملزم بالعفة وعدم الزواج حتى يمكنه الله سبحانه وتعالى. وللفقير أن يتزوج الأمَة لأنها بنصف مهر الحرة (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ (النساء: 25). ويبقى الزواج صحيحا ما دام الرجل أمهر المرأة وينفق عليها.

الاصل للرجل زوجة واحدة، ذلك يعني أن الرجل قد أحسن الاختيار وتطابق مع غاية الله (ص) في تحقيق (المودة). وقد بيّن الله سبحانه انه خلق قلبا واحدا للرجل فهو قادر على حب امرأة واحدة فقط (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (الأحزاب: 4) ويؤثر عن الرسول (ص) قوله بروايات مختلفة: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، وأنت أعلم بما لا أملك، أقسم بينهم في الظاهر بالفعل، وان كان لا يمكنني أن أسوّي بينهنَّ في المحبة). ويلزم الرجل بزوجة واحدة اذا لم يحقق العدالة بين أكثر من زوجة (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً (النساء: 3).

وتعدد الزواجات بضابط العدل من عبقرية الاسلام، لما كانت تدره من زيادة النسل التي بها منعة ونصر؛ فيحسب لتعدد الزواجات أن المسلمين انتصروا في الحروب الصليبية بعدد الرجال وسهولة تعويض من يقتل منهم، وهو ما لم يحققه الصليبيون بسبب زواجهم الواحد، فكان النصر بسبب ذلك للمسلمين. وقد تنبه الغرب على ذلك فعملوا على نسف هذا المرتكز من قوة الاسلام فأشاعوا ثقافة (الخيانة الزوجية) لضرب ثقافة (تعدد الزواجات)، وكانت النساء في عصور الاسلام قبل الاجنبة يتفهمن ذلك. ويسمون الاولاد من نساء كثيرات (بني عَلَّات) و(سميت علةً لأن الذي تزوجها بعد الأولى كان قد نهل منها ثم علّ من هذه). وتحقق للغرب ما أرادوا فصارت النساء يأنفن أن يتزوج بعولتهن عليهن مما أفرز حالات من الاشكال الشرعي.

 وكان اجراء الدولة سابقا صحيحا في وجوب رضا وتوقيع الزوجة السابقة ليتم الزواج الجديد؛ لان عدم رضاها سيؤدي الى التقاطع وهذا يحول دون العدالة، واذا زاد التقاطع على اربعة اشهر سيؤدي الى الطلاق الشرعي. وفي هذه الحالة على الرجل اما ارضاء المرأة السابقة وتحقيق العدالة بينها وبين الاخرى او الاخريات الجديدات، أو تطليقها اذا اصر الرجل على المرأة الجديدة وأصرت المرأة السابقة على رفض زواجه الجديد. فالزواج الثاني يلزم بالعدل والا فالتفريق افضل في الدين لقوله تعالى (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً (النساء: 129 -130). وكذلك توضح الآية (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (النساء: 128). فالمرأة التي يسيئ زوجها معاملتها بالإهانة أو البخل من حقها الطلاق اذا لم يتصالحا والصلح أفضل.

 ولم يترك الاسلام مجالا للزواج السري فالرجوع الى الاسلام بالمصارحة والجرأة أفضل، ونتائج الاعلان على ضررها أكثر نفعا من نتائج السرية، فالله (ص) لا يقبل أي مسوّغ لعدم الالتزام بشرعه. واذا اضطر الرجل الى السرية خوف وقوع ضرر كبير فعليه التزام العدالة ايضا.

 وحدد الاسلام الرجل بأربع زوجات حدا أقصى لقدرة الرجل، شرط العدل بينهن. والآية التي تحدد الرجل بأربع نساء وان خصت اليتامى فحكمها ينسحب على العام (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً  * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (النساء: 2- 3). ولم يُستثنً الرسول الكريم من حكم الآية، فزواجه من تسع نساء سبق نزولها. وانزل (ص) بعدها قولا موجها للرسول بالذات يحرم عليه زواجا جديدا أو ابدال زوجة بأخرى (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً (الأحزاب: 52). 

وتعويضا عن الزيادة على اربع نساء حرائر، شرّعوا جواز الانفتاح في العدد مع (ملك اليمين) وهن الإماء وقالوا (ليس لهن من الحقوق ما للزوجات). فمهورهن أقل، وفي حالة الزنا عليهن نصف عقاب الحرائر أي خمسين جلدة (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ (النساء: 25).

والحقيقة إنهم أخطأوا؛ فالإماء للخدمة فقط، واذا اراد الرجل الزواج منهن فيتزوج زواجا اعتياديا بمهر أقل وبأذن اهلهن كما في الآية السابقة. فكانوا يجبرونهن على البغاء بمسمى (الأجر للحرة والسعر للأمة)، والتي تنجب يتزوجها سيدها وتسمى (أم ولد) وهذا الاجتهاد لا تعضده الآية وهي واضحة جداً. ويفند رأيهم قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (النور: 33). أي اقرضوا عبيدكم مبلغا يتزوجون به من امائكم، ولا تكرهوا إماءكم على المضاجعة معكم لأنه بغاء فلكم عليهن جراء الشراء الخدمة فقط، بل عليكم مساعدتهن على الزواج الصحيح من عبيدكم.

 

الاستاذ الدكتور محمد تقي جون

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم