شهادات ومذكرات

رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي

يخطط صديقي المهندس ضياء العكيلي لاصدار كتاب في بغداد عن رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي، والذي كان هو أحد ابرز قياداتها في الستينات من القرن الماضي، وقد استجاب الكثير من زملاء الدراسة في الاتحاد السوفيتي آنذاك (وأنا واحد منهم) الى هذا النداء الذي وجهه لنا صديقنا العكيلي، واحاول في هذه السطور ان اكتب بعض الافكار حول هذه المبادرة الجميلة والرائدة .

ولدت هذه الرابطة عام 1960 في موسكو نتيجة للاتفاقية الثقافية العراقية – السوفيتية، التي تم توقيعها بين البلدين بعد 14 تموز 1958 طبعا، والتي فتحت المجال لمئات من الطلبة العراقيين للدراسة في الجامعات السوفيتية، وقد وصل العدد التقريبي للطلبة في العام الدراسي 59 / 60 حوالي 1500، وهو عدد لم يتوقعه المخططون السوفيت انفسهم، اذ انهم أعدٌوا بنايتين من خمسة طوابق لهم – وبشكل مستعجل جدا وغير متكامل من حيث المواصفات الضرورية - تابعة لجامعة موسكو، الاولى تضم الكلية التحضيرية ومطعمها وبعض الطوابق للسكن، والثانية للسكن فقط، ولم تستوعب تلك الاعداد، واضطروا لايجاد مخارج اخرى في جامعات اخرى بموسكو، ثم أخذوا يوزعون الطلبة على مدن اخرى في السنتين الثانية والثالثة (60 / 61 و 61 / 62)، اذ بلغت اعداد الطلبة حوالي 5000 تقريبا، وكان العراق (عدد السكان 7 مليون عندها تقريبا ) يشغل المكان الثاني بعد الصين (عدد السكان تقريبا حوالي المليار عندها) في مجال المجموع الاجمالي للطلبة الاجانب الدارسين في الاتحاد السوفيتي آنذاك (ولا مجال للتعليق حول ذلك في اطار هذه المقالة طبعا!)، وكان من الطبيعي ان تتكوٌن وسط هذه الاعداد الكبيرة من الطلبة العراقيين الحاجة الى تاسيس رابطة للطلبة، خصوصا وان معظم هؤلاء الشباب كانوا متقاربين سياسيا و فكريا في ذلك الوقت، الذي كان الشارع العراقي – كما هو معروف – يتعاطف بقوة وحماس مع التيارات اليسارية بشكل عام و مع الحزب الشيوعي العراقي بشكل خاص، وهكذا وباشراف ومساهمة عناصر من الحزب الشيوعي و من الطلبة اليساريين

تم تشكيل اللجان التحضيرية، التي خططت للمؤتمر الاول لتاسيس رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي، والذي انعقد في القاعة الكبرى لجامعة موسكو واقر النظام الداخلي لها وانتخب اللجنة التنفيذية برئاسة المرحوم الدكتور محمد علي عبد الكريم الماشطة، وساهمت الرابطة وبشكل واسع في النشاطات الطلابية المختلفة في شتى المجالات، وعقدت المؤتمر الثاني وتم انتخاب لجنة تنفيذية جديدة برئاسة المرحوم الدكتور وجدي شوكت سري ، وجاء المؤتمر الثالث ولجنته الجديدة برئاسة ضياء العكيلي، ثم المؤتمر الرابع برئاسة المرحوم الدكتور الشهيد خليل الجزائري ...الخ. لقد توقف بالطبع تدفق الطلبة العراقيين بعد انقلاب 8 شباط الدموي الاسود عام 1963، لكن الرابطة لم تتأثر بذلك، اذ انها اصبحت منظمة واسعة وراسخة وتمتلك الفروع في العديد من المدن السوفيتية وكانت منظمة معتمدة ومعترف بها رسميا من السلطات السوفيتية، وكانت مؤتمراتها تعد حدثا مهما جدا في جامعة موسكو، حيث يستمر المؤتمر لثلاثة ايام باكملها وينتهي بحفل فني كبير في القاعة الكبرى، التي تستوعب 1500 شخصا، واذكر مرة قال لي فيها مسؤول الطلبة الاجانب ايفان بافلوفيتش بارمين متعجبا ومبتسما - ان المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي استغرق يومين فقط، بينما مؤتمر رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي يستغرق ثلاثة ايام باكملها .

ان رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي جزء لا يتجزأ من تاريخ الحركة الطلابية العراقية في النصف الثاني من القرن العشرين، وبالتالي من تاريخ العراق لتلك الفترة بغض النظر عن كونها تأسست خارج الوطن، وهذه الرابطة لا زالت موجودة لحد الان في روسيا الاتحادية، ولكنها بالطبع ليست كما كانت في بداياتها وشموليتها واهميتها، ولكن كتابة تاريخها ومسيرتها وتقديم تسجيل امين ودقيق للاجيال القادمة حولها يستحق بلا شك بذل كل الجهود، اذ ان الرابطة هذه   كانت صورة مصغٌرة لاوضاع العراق آنذاك، وقد تفاعلت مع كل احداث العراق في حينه وكانت الصوت المدوي للحركة اليسارية العراقية بكل معنى الكلمة في الساحة السوفيتية. ان كتابة تاريخ الرابطة يقتضي – قبل كل شئ – وضع خطة علمية دقيقة من قبل مجموعة من الزملاء الذين عاصروا احداثها منذ البداية وساهموا في مؤتمراتها وقياداتها و نشاطاتها، ومن المحتمل انهم لا يزالون يحتفظون ببعض الوثائق الخاصة بها، وكم اتمنى ان يضم هذا الكتاب فصولا خاصة تفصيلية بالمؤتمرات التي تم عقدها آنذاك وفصلا خاصا حول مساهمة المرأة العراقية في اعمال الرابطة والنجاحات التي حققتها المرأة العراقية الشجاعة (انظر مقالتي بعنوان – عن بعض العراقيات اللواتي مررن بجامعة موسكو) وفصلا خاصا بالراحلين من الاعضاء وتعريفا بهم وباهميتهم للمجتمع العراقي (انظر مقالتي بعنوان – قبور عراقية في موسكو) وفصلا خاصا بالاجتماع الذي عقدته الرابطة مع مدير دائرة البعثات في حينها الدكتور محمد المشاط والذي اجبرته الرابطة على الاعتراف بمكانتها واهميتها ووزنها الحقيقي وتمثيلها الصادق للطلبة العراقيين امام غروره المشهور به وتعجرفه الفارغ وغطرسته الباهتة وعدائه العلني لكل ما هو سوفيتي بغض النظر عن مصلحة العراق وعن المعايير العلمية الموضوعية لتعادل الشهادات، ويجب ان يتناول هذا الكتاب – من وجهة نظرنا - كل الجوانب الايجابية والسلبية ايضا لهذا التنظيم ، اذ كان هناك طلبة ضد الرابطة (وهم اقلية فعلا ولكنهم كانوا يرفعون صوتهم بعض الاحيان) وكان هناك ايضا طلبة لا يستحقون الشهادات التي حصلوا عليها وكان هناك طلبة غير جديرين بان يشغلوا مواقع قيادية في الرابطة وغيرها من الامور السلبية الاخرى التي رافقتنا اثناء دراستنا، ويجب ايضا ان يكون هناك فصل (او بالاحرى فصول) لمتابعة الخريجيين من اعضاء الرابطة والنجاحات العلمية والمهنية التي حققوها في مجالات عملهم لاحقا سواء في داخل العراق او خارجه، اذ توجد الان شخصيات بارزة من بين هؤلاء الخريجيين في مختلف المجالات ويشار اليهم بالبنان كما يقول التعبير الشائع مثل (الاسماء هنا حسب حروف الهجاء العربية طبعا) – الدكتور جلال الماشطة سفير جامعة الدول العربية في موسكو، والشاعر والمترجم الشهير حسب الشيخ جعفر، والدكتورة المرحومة حياة شرارة ابرز المترجمات والكتٌاب حول الادب الروسي في العراق والروائية الرائدة، والدكتور خالد السلطاني مؤرخ ومنظٌر الهندسة المعمارية العالمي للعمارة العراقية، والدكتور سامي النصراوي الروائي العراقي في المغرب الذي تم ترجمة رواياته الى الفرنسية والروسية، والدكتورة سلوى زكو رئيسة تحرير جريدة المدى سابقا و التي لا زال صوتها الاعلامي مسموعا في مسيرة الاحداث السياسية العراقية لحد اليوم، والمرحوم الشهيد الفنان التشكيلي الدكتور شمس الدين فارس صاحب الجداريات الجميلة التي لازالت شاخصة في بغداد وموسكو، والمرحوم الشهيد الدكتور عبد الرزاق مسلم الذي وضع اول معجم للمصطلحات الفلسفية العربية في العراق، والدكتور عز الدين مصطفى رسول الاديب والباحث العراقي الكبير و رئيس اتحاد الادباء في كردستان العراق، والموسيقار العراقي العالمي المرحوم فريد الله ويردي الذي وضع اول سمفونية عراقية ، والفنان المسرحي الرائد الكبير المرحوم قاسم محمد، ومدير مكتب رئيس جمهورية العراق ا لسابق الصحفي والمترجم كامران قره داغي، والمؤرخ والعالم العراقي الكبير الدكتور كمال مظهر احمد، والفنان التشكيلي العراقي الكبير ماهود احمد، والصحفي العراقي والعربي اللامع محمد كامل عارف، والفنان التشكيلي العراقي المبدع المرحوم محمد عارف، والمرحوم الدكتور هادي عوض رئيس جامعة صلاح الدين ورئيس هيئة الطاقة الذرية في العراق، وغيرهم وغيرهم من الاسماء اللامعة الاخرى والتي لا يمكن لي – وبمفردي - وانا في العقد الثامن من عمري ان اتذكرهم جميعا .  

في المثقف اليوم