شهادات ومذكرات
غربة تقطف سنوات العمر
مع استمرار الصراع في البلدان العربية والعراق خصوصا ازدادت حالات التوطين مما أدى الى تمزيق النسيج الاجتماعي والعائلي والشعور بحاله نفسيه سيئة .
(التوطين) مصطلح شديد الصعوبة لانه يحمل في طياته تأثيرات نفسيه كبيرة من هموم وآلام الغربة والبعد عن الاهل والأصدقاء والوطن لاسباب اجتماعيه او عرقيه او مذهبيه تعرض لها المواطن العراقي خلال السنوات الماضية .
ترك بلده بحثا عن الاستقرار ووصل الى بلاد يحمل الكثير الكثير من الاختلافات معها كالثقافة والتقاليد واللغة والسكن والقوانين، فجأة اصبح في مواجهه مع نظام حياة مختلف تماما عما تعود عليه وهذا الامر يحتاج الى صبر وطاقه تحمل وتحقيق كل هذا من خلال مفرده بالغة الأهمية وهي التحدي، كان موضوع الندوة الحوارية التي اقامها المركز الصحي ادورد ام كندي قسم الصحة النفسية في مدينة ويستر ولايه ماساشوستس الأمريكية وترأست الندوة الدكتورة ميري فيريرو مديرة القسم النفسي في المركز الصحي، تحدثت عن التحدي وكيفيه توظيفه بشكل إيجابي للتغلب على مصاعب الغربه لوجوده في مجتمع مختلف تماما عن مجتمعه الاصلي وبدات الحديث عن تجربه مرت بها وأسمَتها بالتوطين المصغر لانه داخل البلاد وهو الانتقال من نيوجيرسي مدينه اقامتها الأصلية الى مدينه اخرى ونتيجة هذا التحول والذي كان باختيارها وليس مفروضا عليها تركت الاهل والأصدقاء وزملاء العمل مما سبب لديها الشعور بالحزن ولكن استطاعت التغلب عليه من خلال قوة الاراده فجعلت السعادة مكانا بديلا للحزن الذي كانت تعاني منه نتيجة تركها جزءا منها في مدينتها وهم الاهل والاصدقاء وزملاء العمل وبالتالي استطاعت مواصلة حياتها اليوميه بشكل طبيعي وبينت الدكتوره ميري فيريرو حجم مشكله التوطين الكبير الذي يواجهه المواطن العراقي وهو انتقاله من بلد الى آخر حاملا معه همومه واحزانه املا للعيش بحياة افضل، هنا يحتاج الى كثير من التحدي حتى يتغلب على ماسيواجهه في المجتمع او الحياة الجديدة، وحاولت فيريرو توضيح معنى التحدي فهو ليس قوة التغلب على الحزن فقط ولكن التحدي له اوجه عديده منها الاكل الجيد والقيام بفعاليات الحياة والحركة والنوم العميق، كل هذه الاشياء هي تحدي كبير يجب السيطره عليه حتى نستطيع ان نتواصل مع الحياة الجديده وفي نفس الوقت نعطي املا كبيرا لمن هم جزء منا، اولادنا، اصدقائنا، جيراننا الذين ينتضرون فرصة الانتقال الى بر الامان والعيش في مجتمع مبهم بالنسبه لهم ولكن من خلالكم سوف يتعرفون على ايجابيات هذا المجتمع لانكم امل بالنسبة لهم، كما اكدت على ضرورة الاهتمام بالصحه النفسيه لانها مرتبطه بالصحه الجسديه وبما اننا نواجه امورا كثيره في الحياة تعمل على عرقلة صحتنا النفسيه يجب البحث عن طرق المحافظه عليها فأعطت مثلا شبهت فيه الجسد كالبيت يحتاج الى تهويه واضاءه ونظافه،عندما تتوفر هذه الشروط يسمى البيت صحيا والانسان هنا ليس جسدا فقط بل هو روح وافكار واعتقاد وشعور وايمان، كل هذه الاشياء تعيش في الجسد الواحد والجميع يحملها ولكن نختلف في كيفية التعاطي معها لذا يجب علينا توظيفها ايجابيا حتى ننتصر على الحزن والخوف من العيش في المجتمع الجديد، واضافت الدكتورة فيريرو، يوجد بعض الاشخاص يحبون التغيير واشخاص مترددين وقلقين واشخاص يحبون خوض المغامره وهم متشوقون للتعرف على ماهو جديد ويوجد ايضا اشخاص مندفعين للخوض بحياة جديده نتيجه لتعرضهم لضغوطات كبيره في بلدهم الام كل هؤولاء محتاجين للتحدي النفسي والاراده القويه للتغلب على صعوبه الحياة المختلفة .
حدثت مناقشات ومداخلات كثيره من الحاضرين جميعها توصلنا الى نقطه رئيسيه وهي ان الانسان العراقي صلب وقوي ويتحمل العيش في هذا المجتمع الجديد بالرغم من اختلافه ولكن هناك اسباب تؤدي الى كسر اوهدم هذه الاراده وهي عدم تكامل الاسره فهناك من اتى وترك اولاده او والدته التي بحاجه ماسه اليه أملا في مجيئها ويلتم الشمل من جديد ولكن لم يتحقق ذلك نتيجة الآليه السمجه التي تسيرعليها معاملات التوطين وهذا يعزز روح الحزن وعدم الشعور بالسعادة مطلقا، لاننا مجتمع متماسك يحترم ويقدر الحياة الاسريه يرافقنا هذا الشعور لاننا نربينا وكبرنا على حب الاهل وهم جزءل لايتجزأ منا لذلك لن نجد متعه بما يقدمه المجتمع الجديد من نظام ومستوى معيشي وصحي واهتمام بالغ في كبار السن والاطفال والاسره عموما . هذا النقص الاسري يجعلنا محطمين من الداخل وبالتالي ينعكس على الحاله النفسيه . وبالرغم من تصاعد الاصوات في مطالبه لم شمل اسرهم كانت الدكتورة ميري فيريرو محافظه على هدوئها وابتسامتها ودبلوماسيتها الشديده في امتصاص الحزن الكبير الذي حصل اثناء المناقشه من خلال تذكر الاهالي لاولادهم واخوانهم وامهاتهم، استطاعت ان تدخل الطمأنينه والراحه والامل في قلوبهم وانتهت الندوه الحواريه بسلام .
بعد انتهاء الندوه توجهنا الى الدكتوره ميري فيريرو وسألناها عن سبب اقامه هذه الندوه؟ قالت: التوطين مشكله كبيره تحدث تغيير عملاق في حياة اللاجئ فهناك اشخاص ومنظمات هم من قرر او كان له القرار في تغيير حياة اللاجيء وانتقاله الى مجتمع اخر، دورنا هنا المشاركه في تخفيف الحمل الثقيل الذي يحطم نفسية الفرد اثناء وجوده المفاجئ في بلاد مختلف تماما بتقاليده وطريقة معيشته وحتى سكنه لذا نحن نعمل بشكل منظم ندوات حواريه نتناول فيها مواضيع عديده في كل مره سواءا كانت قانونيه او غذائيه او نفسيه او اجتماعيه نحاول جهد الامكان التخفيف من التوتر الذي يشعر به اللاجيء في وطنه الجديد.
بقي ان نذكر من كان وجوده مميزاً ايضاً في الندوة وفي حياة اللاجئين العراقيين جميعاً، يبدئون معهم ويستمرون لحين الاعتماد على انفسهم، نبدأ بالمترجمه الطبيه فرح سعيد، طبيبه عراقيه متميزه استطاعت اثبات الذات من خلال عملها في المركز الصحي ادورد ام كندي، تستقبلك بابتسامه وبكلام جميل يصل الى القلب تشعرك بانك مازلت في العراق عملت مترجمه طبيه بعد مجيئها الى اميركا وهذه المهنه قريبه جدا لاختصاصها في بلدها الام استطاعت ان تضع بصمه متميزه في بلاد الغربه تحمل طاقه كبيره من التالق والايجابيه بشهادة مسؤوليها في العمل تقول : انها سعيده جدا بتواجدها وسط اخوانها العراقيين فعملها يشعرها انها مازالت مستمره في العطاء كما كانت في بلدها العراق وترى ثمره نجاحها من خلال الشعور بالارتياح والابتسامه التي تُرسم على وجوه العراقيين عند اللقاء بها لتترجم لهم عند المقابله مع الأطباء الاخصائيين واطباء العائله في المركز الصحي فهي حلقه وصل مهمه بين افراد مجتمعين مختلفين في اللغه والعادات وطريقة التعامل او التصرف لانه في بعض الاحيان توجد مفردات وايماءات تحمل معنىً مغايراً، هُنا، اشعر بأهميه الدور المُناط لي في توضيح مايقصده ابن بلدي فهو يمثل جزء من كيان انتمي اليه وسابقى .
اما الست سوسن الامام، بلدها الام سوريا الياسمين، استطاعت ان تجد مكانا كبيرا بين قلوب العراقيين متمثلاً بالمحبه والاحترام من خلال تقديم المساعدات الكبيرة والكثيرة لهم كباحثه اجتماعيه في المركز الصحي وهي ايضا حلقه وصل مهمه بين اللاجيء وجميع دوائر الدوله مثل السوشيل سيكيورتي والفود ستامب والماس هيلث وغيرها من المشاكل الاجتماعيه والقانونيه، جميع اللاجئين العراقيين مروا عليها فتستقبلهم ببشاشه الوجه والصدر الرحب والتوجيه الصحيح وتقديم النصيحه كما اعتدنا عليها وتحدثت لنا الامام عما يقدمه المركز ادورد ام كندي من خدمات كبيره وكثيره لمساعده اللاجيء العراقي والسوري والبوتاني وغيرهم من جنسيات مختلفه عمل ندوات عديده صحيه واجتماعيه وقانونيه فهناك ايام معينه تجلس فيها منفرده مع اللاجيء وتقوم بالاستماع لمشكلته ومن ثم الاتصال بالمكان المعني ليجدوا حلا ممكنا لما يعانيه من ربكه في التواصل وذكرت ايضا ان هذه الندوات تبدأ في فصلي الربيع والصيف حتى يتمكن اكبر عدد ممكن للوصول الى المركز لان الشتاء والخريف تتواجد الثلوج بكثافه في الولايه ولايتمكنوا من الوصول بسهوله الى المركز، كما ان المركز يقوم بتوفير بطاقات الباص ذهاب وايابا مع وجبه طعام صحيه ومدروسه واكدت ايضا ان المركز مستمر في تقديم كل مابوسعه من اجل اسعاد اللاجئين نفسيا وصحيا واجتماعيا حتى يعتمدوا على انفسهم والانصهار مع الحياة الجديده في المجتمع الجديد.
فريدة الحسني