شهادات ومذكرات

فرانز فانون والاستعمار: سيكلوجيا الاضطهاد / بلايك ت. هيلتون

saleh alrazukببساطة الاستعمار هو إنشاء والاحتفاظ بمستعمرة في منطقة معينة. ويمكن للاستعمار أن يظهر بـوجود مجتمع محلي أو دونه. وحينما تغزو جماعة وتستعمر منطقة وتتبنى المجتمع المحلي، غالبا ينجم عامل الاضطهاد.

والاضطهاد هو ممارسة السلطة بطريقة فظة وغير عادلة، وقد يؤدي ذلك لنشوء عدة آثار سلبية وعنيفة تغير من نفسية الفرد المستعمٓر. وهذه الآثار المؤكدة على النفس (نتيجة الاضطهاد الاستعماري) لعبت دورا هاما في أعمال عديدة متخصصة بالمجال النفسي، ولا سيما تلك الأعمال التي قدمها العالم النفسي الفرنسي فرانز فانون.

كان فرانز فانون كاتبا ومرجعا وفيلسوفا ماركسيا ومحللا نفسيا وعضوا في جبهة التحرير الوطنية FLN خلال ثورة الجزائر. وكردة فعل على الرعب المرافق للقمع الذي شهد عليه وهو طفل ويافع، وهب فانون حياته لمساعدة الأشخاص ضحايا القمع، وأصبح واحدا من أهم المراجع العالمية في موضوعة القمع الذي يرافق الاستعمار.

عالج فانون، وهو يعمل بصفة محلل نفسي في الجزائر أثناء الثورة الجزائرية، عددا من المرضى الذين يعانون من ما يعتقد أنه مرض عقلي يرتبط بالكف، وبالنتيجة، كتب أربعة مؤلفات أدبية كانت تدور حول آلية نفسية مانوية عمدت إلى تفكيك رعب وفظاعات القمع الاستعماري وهي: جلد أسود وأقنعة بيض،١٩٥٢ Peau Noire, Masques Blancs. البؤساء في الأرض،١٩٦١ Les Damnés de la Terre .و خمس سنوات والثورة الجزائرية ١٩٥٩ L'An Cinq, de la Révolution Algérienne والذي نشر لاحقا تحت عنوان دراسات في الكولونيالية التي تحتضر، ونحو ثورة إفريقية ، ١٩٦٤ Pour La Révolution Africaine. وعدا عن المقالات المنشورة في المجلات الفرنسية مثل L’Esprit وthe underground وجريدة المجاهد الناطقة باسم جبهة التحرير الوطنية، هذه الكتب الأربع هي كل ما نشره من أعمال حقيقية.

إن أعمال فانون والتزامه بجبهة التحرير الوطنية تبين أنه يمتلك قدرا كبيرا من التعاطف والاهتمام الموجه للشعوب المستعمٓرة والمكبوتة في العالم.

تصف أعمال فانون بشكل واضح نفسية الشعوب المستعمٓرة، بمصطلحات تجربتهم الذهنية وصحتهم النفسية. وكانت مقاربته، مع أنها مطبقة أساسا على أولئك الذين وقعوا تحت سنابك الاستعمار الأوروبي في أمريكا الشمالية، تقدم طريقة مثمرة في تفسير الاستعمار الفرنسي في الجزائر من ١٨٣٠-١٩٦٢، وفي نفس الوقت توفر رؤية عميقة لسيكلوجيا الاستعمار ككل. وقد وفرت أعمال فانون تشخيصا لنفسية المجتمعات المقموعة حول العالم، وأيضا إجراءات اجتماعية نوعية لتسريع الشفاء الاجتماعي.

و قد استعمل فانون في معظم كتاباته مفهوم السيكلوجيا المانوية لوصف جذور القمع في الجزائر. وهذا التحليل السيكلوجي المانوي يقبل التعميم كذلك لفهم آلية الاضطهاد الذي يقع على الشعوب المحلية من الهنود الأمريكيين. لكن أهداف الاستعمار الأوروبي لشمال إفريقيا والأنتيل وشمال أمريكا ليس متماثلا، إنما الآثار النفسية كانت متوازية بشكل ملحوظ.

و الظروف المرعبة التي تحملها الهنود الأمريكيون المحليون فرض عليها الصمت وعلى نحو ينذر بالخطر. ومع أن أعمال فانون ذكرت باقتضاب الاضطهاد الواقع على الشعوب الاصلية في شمال أمريكا، كان الحال صامتا لدرجة كبيرة. وقد بدأ الشعب الأمريكي يتحمل الاضطهاد نتيجة للاستعمار، كما حصل في الجزائر، في نهايات القرن الخامس عشر وبدايات السادس عشر. وهذا الاضطهاد الذي بدأ منذ ما يزيد على ٥٠٠ عاما مضت استمر وجهه المضطرب واضحا حتى هذا اليوم. لقد تواصلت المحاولة التاريخية والمنظمة لتدمير الشعب الأمريكي المحلي ثم هضمه في ثقافة الأبيض الأوروبي، بجهود الاستعمار الأوروبي وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة، وتسبب ذلك بآثار مؤكدة وخطيرة أصابت النفسية الأمريكية للسكان الأصليين. ولا يمكن القول أن هذه الآثار للاستعمار قد تم فهمها والتخلص منها لمصلحة ووجود الشعب الأمريكي المحلي. وقد قدمت نظريات فانون وتحليلاته دربا فعالا لتفكيك الرعب والرضة الناجمة عن اضطهاد الأمريكيين المحليين. وكلما تعمقت الدراسات في وصف انتشار المرض العقلي على نحو واسع، برفقة الجوع واندحار سكان الشعوب الأمريكية الأصلية، يصبح أثر الاستعمار والاضطهاد في شمال أمريكا أشد وضوحا.

 

حياة فانون / المارتينيك، فرنسا

ولد فرانز فانون في ٢٠ حزيران عام ١٩٥٢ في فورت دي فرانس، وهي عاصمة المارتينيك. والمارتينيك منطقة تابعة للجمهورية الفرنسية وموضعها البحر الكاريبي الشرقي. وأقرب جزيرتين للمارتينيك هما سانت لوسيا ودومينيكان، وتقعان في جنوب وشمال شرق المارتينيك بالترتيب. وأصبحت المارتينيك منطقة تابعة للجمهورية الفرنسية عام ١٦٣٥ حين حصل مواطنوها على الجنسية الفرنسية الكاملة. ويصنف دافيد ماسي (٢٠٠٠) الانقسام الطبقي الملحوظ في المارتينيك كما يلي: الأغنياء، والبيكي békés ( يشبه فكرة كارل ماركس عن البورجوازية) والطبقة العاملة.

اللغة الرسمية في المارتينيك هي اللغة الفرنسية، مع أن الكريولية لغة اللسان الأم في المنطقة. والكريولية هي مزيج من الفرنسية وعدة لغات إفريقية وأوروبية. ويتكلمها بشكل أساسي التجار والمغامرون في الكاريبي الشرقي. وكانت الكريولية أصلا قد تطورت لتسمح للسادة البيض بالتواصل مع الرقيق السود في المستوطنات. واستعمال الكاريبية يمكنه أحيانا خلق الشعور بالهوية الكاريبية بين الطبقة العمالية من السكان الأصليين (ماسي ٢٠٠٠). وخلال سنوات دراسة فانون في المدرسة لم يجد ما يشجعه على تعلم الكريولية لأن المدارس تنظر لها كأداة غير مثقفة. وهي مشتقة من حالات اجتماع اقتصادية متدنية. وهذا التحول الألسني باللغة من الكريولية إلى الفرنسية في المارتينيك سوف يناقشه فانون لاحقا في كتابه (جلد أسود، أقنعة بيض) حيث يقول: أن تتكلم يعني أن تصنع معنى... وفوق ذلك أن تفترض البحث عن ثقافة (فانون،١٩٥٢ ص:١-٢).

و العاصمة المارتينيكية التي ولد فيها فانون، فورت دي فرانس، ليست مدينة مرتبة ولا حديثة. كانت النفايات تلقى في المصارف المفتوحة وفي الأنهار، وهذا وفر أرضا مناسبة لتكاثر الجرذان والقوارض. ولم تكن توجد شبكة مصارف متطورة في فورت دي فرانس حتى عام ١٩٥١ (ماسي ٢٠٠٠). والمجاعة القاسية في الأرياف والأمراض كذات الرئة والجذام والملاريا ومرض الفيل كانت منتشرة في فورت دي فرانس خلال معظم طفولة فانون، التي امتدت على طول الخمسينات ( ماسي ٢٠٠)، وقد قدم إيمي سيزار (١٩٩٤) الشاعر والكاتب والسياسي المارتينيكي وصفا مخجلا لفورت دي فرانس في قصيدته Cahier d’un Retour au Pays Natal:

هذه المدينة المنبسطة - تنتشر وتسقط من موضعها، منطوية على نفسها، مقطوعة الأنفاس بسبب الوزن الهائل للصليب الذي يولد فيها باستمرار، ثائرة ضد قدرها، مقموعة دائما، غير قادرة على النمو من رحيق هذه الارض، مريضة بلا شك، مقيدة، منهارة، غير متفاهمة مع ثمارها وغطائها النباتي (ص١٠).

إن طفولة فانون ليست متأثرة مباشرة بهذه الأوبئة والعدوى والمجاعة، بالرغم من حقيقة أنه ولد في عائلة من ثمانية أولاد.

- بواكير حياته

ترعرع فرانز فانون في كنف عائلة ميسورة من الطبقة المتوسطة كانت تتلقى دخلين من أم تمتلك دكانا وأب يعمل مفتشا في الجمارك. كان والد فرانز وهو كازيمير ينفق معظم وقته في العمل ولم يكن مشغولا فعلا بتربية أولاده كما هو حال إليانور الأم ( بولهان ١٩٨٥، ماسي ٢٠٠٠). ولعدة سنوات حمل فانون الامتعاض لوالده لأنه لا يوثق علاقاته مع حياة الأقارب. وهذا الامتعاض يمكن تلمسه في مقطع من رسالة كتبها فانون لأبيه حين كان يخدم في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية (فانون، ص ١٩٨٢):

.. لو نحن، أبناؤك، أصبحنا شيئا ذا بال، فإن الوالدة وحدها هي من تستحق الثناء. .. وأستطيع أن أرى التعبير الذي سينطبع على وجهك وأنت تقرأ هذه السطور، ولكنها الحقيقة. انظر لنفسك، انظر للسنوات التي انصرمت؛ عد لروحك وتحلّ بالجرأة لتقول - لقد هجرتكم (ص١٠).

لدى كازيمير وإليانور ثمانية أولاد: ميريل، فيليكس، غابريال، جوبي، ماري فلور، ماري روز، ويللي، وفرانز. وكان من الشائع في بيت فانون موائد الغداء والعشاء الكبيرة التي تجمع الشمل حيث أن ١٢ إلى ١٥ عضوا من العائلة والأقارب يحضرون. وفي هذه العائلة كبيرة العدد ( في نواتها وتشعباتها) كان فانون مقربا من أخيه الأكبر جوبي. كان جوبي يكبره بسنتين، كان لهما سرير واحد وأصدقاء مشتركون وكانا يلعبان نفس اللعبة الرياضية. وعلى الرغم من الارتباطات المتقاربة بين فرانز وجوبي، لم يكونا يبديان العاطفة الفياضة التي بينهما فإظهار العواطف ليس شائعا في بيت فانون (ماسي ٢٠٠٠).

و ما أن أنهى فانون دراسته الإبتدائية ووصل إلى سنوات البلوغ بدأ بالابتعاد عن الرياضة والنوادي والأصدقاء لينفق وقته بالقراءة في مكتبة فورت دي فرانس المحلية. كان يمضي ساعات يقرأ موضوعات مختلفة، ووجد تسليته في الأدب والفلسفة الفرنسيين الكلاسيكيين (ماسي٢٠٠٠). في عام ١٩٣٩ ومع بداية الحرب العالمية الثانية، بدأ فانون بدراساته الثانوية وانتسب لمدرسة ليسي سكولشير في فورت دي فرانس (ماسي٢٠٠٠). ووفر انتسابه لهذه المدرسة القدرة على الإحساس بوضع عائلته الاقتصادي والاجتماعي في ذلك الوقت. فقد كان رسم الدخول كبيرا حيث أن ٤٪ من السود فقط في المارتينيك يمكنهم إرسال أولادهم إلى الليسي آنذاك ( بولهان ١٩٨٥).

و خلال سنوات فانون الأولى في ليسي سكولشير أغلقت مدارس فورت دي فرانس أبوابها خشية من الغارات ( لأن الحرب العالمية الثانية اندلعت شرارتها). فأرسلت إليانور فرانز وأخاه جوبي إلى مدرسة ثانوية هي الرانسيز حيث كان خالهما إدوارد أستاذا (ماسي ٢٠٠٠). وقد تسببت الفرانسيز ببعض الإثارة لفانون، كما يتبين من سيرته ونجاحه الأكاديمي فيها ( ماسي ٢٠٠٠). وبعد عودة الشقيقين من الفرانسيز اندلعت حرب فرنسا في أوروبا. وانتهت باستسلام فرنسا في حزيران من عام ١٩٤٠. وبعد الاستسلام بفترة وجيزة حوصرت المارتينيك واحتلتها سلطات فيشي الفرنسية. وكان مغادرة المارتينيك ممنوعا. وفي هذا الوقت عانى فانون وزملاؤه من التمييز العرقي الذي فرضته سلطات فيشي الفرنسية ( ماسي ٢٠٠٠).

- فانون والجيش

بعد استسلام فرنسا، بدأ فانون يهتم بالحرب ورغب أن يكون- في قلب الأزمة (ماسي ٢٠٠٠. ص ٨٨). وقد هرب فانون مع زمرة من المارتينيكيين غيره، سرا من المارتينيك للانضمام إلى قوات فرنسا الحرة في جزيرة دومينيكان. وانتهت أول معركة له بسرعة، لأن نظام فيشي توقف عن استعمال المارتينيك للهجوم. وعاد فانون إلى بيته في المارتينيك بعد ستة شهور فقط ( بولهان، ١٩٨٥).

وفي حزيران من عام ١٩٤٣ رست تيريبل، المدمرة الفرنسية التابعة لفرنسا الحرة، في فورت دي فرانس. وقرر الجنود المبحرون بها جمع وحدة من المتطوعين من فورت دي فرانس ليقاتلوا معهم ومع قوات التحالف. وضمت الوحدة الناشئة فانون وسواه ممن هربوا سابقا إلى الدومينيكان ( ماسي ٢٠٠٠). وهكذا أصبح فانون والمتطوعون المارتينيكيون جزءا من الكتيبة الخامسة ( 5éme Bataillon de Marche des Antilles (5BMA. وفي آذار التالي نقل فانون بواسطة الأوريغون إلى المغرب (ماسي ٢٠٠٠). وبعد أربعة عشر يوما وصلت أوريغون إلى الدار البيضاء في المغرب حيث نقلت كتيبة فانون إلى معسكر تدريب قرب مكناس.

و استمر فانون و5BMA في التدريب الأساسي حتى تموز ١٩٤٤. وبعد ذلك انتقلت الوحدة نحو الشرق إلى الجزائر. ولأنه درس في مدارس فرنسية كان مثل كل المواطنين الفرنسيين يعتقد أنه " يحمل مهمة حضارية على عاتقه"( ماسي ٢٠٠٠- ص ٩٤). وبعد الوصول إلى أوران شهد فانون وكتيبته المارتينيكية أول لمحة من الحالة العليلة التي يعيشها المواطنون في الجزائر. وهذه الحالة كانت محكومة بنظام الحرب، ندرة في الحصص ومناطق مجاعة وأولاد بؤساء يتقاتلون على بقايا من نفايات الطعام (ماسي ٢٠٠٠). وما أن استقرت كتيبة فانون في الجزائر حتى نقلوا بحرا بعبارات أمريكية عبر البحر المتوسط باتجاه فرنسا.

و خلال فترة إقامته في فرنسا، اشترك بعدة معارك. وفي تشرين الثاني أصيب بشظية مدفع هاون وتلقى علاجا جديا من جرح في الصدر. وحصل بالنتيجة على Croix de Guerre مع نجمة فضية لبطولته المتميزة في المعركة. وحالا انتقل إلى المستشفى في نان، وهناك شفي بسرعة فائقة ( ماسي ٢٠٠٠). ولاحقا عاد إلى فصيلته وبدأ بحراسات ليلية على ضفاف الراين. وفي عام ١٩٤٥ انتهت الحرب وأرسل فانون إلى مرفأ على روافد السين في روا لينتظر لبضعة شهور حتى يسافر بحرا عائدا إلى المارتينيك ( ماسي ٢٠٠٠).

وعادت فرقة فانون وهو ضمنها في تشرين الأول عام ١٩٤٥. وبعد وصوله قرر أن الوقت حان لينضم مجددا إلى الليسيه سكولشير لإنهاء مدرسته الثانوية. وفي أعقاب الانتهاء من الامتحان الشفوي حصل فانون على البكالوريا، وأنجز الشروط المطلوبة للدراسة في الجامعة.

 

التعليم الجامعي

بمعونة المراسيم التي منحت المقاتلين مقاعد مجانية في الجامعات التي يختارونها، قرر فانون الانتساب لكلية طب الأسنان. وهكذا غادر المارتينيك عام ١٩٤٦ إلى كلية طب الأسنان في باريس، فرنسا. وبعد عدة أسابيع من الدراسة، انتبه أن هذا الفرع ليس هوايته، وانتقل لدراسة الطب في ليون( غيسيمار ١٩٧١). وحضر محاضرات تحضيرية في البيولوجيا والكيمياء قبل بداية دراسة الطب. وحين كان في الكلية قابل أول شريكة له، طالبة بيضاء تدرس الطب مثله ولكنها أصغر بالعمر، واسمها ميشيل. في عام ١٩٤٨ ولدت له أول ابنة وهي ميريل. ولم يقترن فانون بميشيل بعد الولادة، لأنه التقى بامرأة هي جوسي وقد تزوجها عام ١٩٥٢ (ماسي ٢٠٠٠).

و خلال دراسته، اهتم بالصحة النفسية. وتابع بشكل مستقل هوايته الجديدة، لأن الجامعة التي انتسب لها كانت تنظر لعلم النفس ككماليات في ذلك الوقت (ماسي ٢٠٠٠. ص ١٣٥). ولاحقا معظم المراجع التي استعملها في ( جلد أبيض وأقنعة سود) كانت من قراءاته الحرة، وليس مما وفرته الجامعة. أضف لذلك، لم يكن يوجد تحليل نفسي في ليون آنذاك، وكان من المستحيل على فانون أن يتلقى تدريبات في التحليل النفسي (ماسي ٢٠٠٠). وفي عام ١٩٥١ دافع عن أطروحته في الطب، وعاد إلى موطنه في فورت دي فرانس فورا.

 

فانون والثورة

في نيسان ١٩٥٥ أعلنت حالة طوارئ ضد ثورة مقاتلي جبهة التحرير الوطنية في الجزائر. واقترب قلب فانون من مبدأ الجبهة، وبدأ يعقد اجتماعات مع الموظفين في المستشفى الذي يعمل فيه، حيث شرح لهم طبيعة الفوضى التي يعانون منها. وفي هذا الوقت أصبح المستشفى ملجأ آمنا وتمكن المقاتلون المصابون من الدخول ومغادرة العيادة بلا عواقب مع شبهة القليل من المخاطرة ( ماسي ٢٠٠٠). ومع أن اشتراك فانون مع الجبهة تحول بالتدريج إلى العلن خلال ١٩٥٥ لم يتكلم علنا عن الحرب في الجزائر حتى عام ١٩٥٦ (ماسي ٢٠٠٠).

و بعد اقتراب الثورة الجزائرية إلى المناطق الداخلية من المدينة، أصبح عمل فانون في المستشفى مشوبا بالخطورة. وبالرغم من زيادة المخاطر، واصل استقبال المرضى، بأعداد كبيرة ولا سيما من يحمل شكوى من عصاب الحالة أو عصاب ردة الفعل والذي تسببت به الممارسات العنفية والتعذيب (ماسي، ٢٠٠٠). قدم فانون (١٩٦١) ملاحظات ظرفية جمعها من علاج عدد من هؤلاء المرضى وسجلها في Les Damnés de la Terre (ماسي ٢٠٠٠). وبازدياد العنف والعنف المضاد بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية تلقى فانون تهديدا بالقتل من مصادر مجهولة. وبعد وقت وجيز، كتب رسالة استقالته إلى المستشفى، وطرد من الجزائر، ربما بسبب ارتباطاته المكشوفة مع جبهة التحرير (فانون ١٩٦٤). وفر بسرعة من بليدا إلى تونس واستقر فيها حتى وفاته عام ١٩٦١.

و خلال إقامته في تونس ارتحل بين أوروبا وإفريقيا ولعب دور ناطق دولي باسم المجاهدين وجبهة التحرير وقد حضر وتكلم في عدة مؤتمرات لتحريك الكفاح من أجل الاستقلال وفك الارتباط بالاستعمار في الجزائر (ماسي ٢٠٠٠).

و في عام ١٩٥٩ نشر كتابه الثاني L'An Cinq, de la Révolution Algérienn (خمس سنوات والثورة في الجزائر). وقد نشر هذا العمل في خضم الصراع الجزائري لمقاومة الاستعمار. وقدم مضمونه تصويرا مؤلما لعاطفة فانون نحو الثورة المتنامية. وبعد قليل من ذلك أصيب فانون باللوكيميا (ماسي ٢٠٠٠). وفي أعقاب التشخيص الأولي وإعادة الاختبارات للتأكد بدأ بعلاج مايليران ضد اللوكيميا. وعلاج مايليران قدم له فترة مناسبة لإنجاز عمله الأخير الأشقياء في الأرض ثم التقى بجان بول سارتر الذي كتب له المقدمة (ماسي ٢٠٠٠). ولاحقا دخل المستشفى بسبب حالته. وفي ١٩٦١ نقل من تونس إلى معهد واشنطن الوطني للصحة في بيستيدا بماريلاند. وهناك توفي في ٩ كانون الأول عام ١٩٦١ وبجانبه زوجته وأشقاؤه، مخلفا وراءه أطروحاته ونظرياته عن سيكولوجيا الاستعمار والعنصرية والاضطهاد والتي ظهرت في أربع كتب عن الخطاب الثوري.

 

بلايك ت. هيلتون Blake T. Hilton: من جامعة أوكلاهوما المركزية.

 

ترجمة صالح الرزوق من Journal of Scientific Psychology عدد كانون الأول ٢٠١١.

في المثقف اليوم