شهادات ومذكرات

المدرسة المركزية النموذجية المختلطة للبنين والبنات في مدينة الناصرية 1964- 1969

akeel alabodالإهداء: الى أرواح أولئك الذين ما زالوا ..

على نمط مؤسسة نموذجية اوادارة حكومية لمجتمع مدني تعليمي، ملاكات على شاكلة إدارات او وزارات ثلاث؛ وهي التربية والتعليم، والثقافة والفنون، ووزارة الرياضة والشباب. حيث يتم أعداد وتوجيه الطالب تربويا وتعليميا وثقافيا وبدنيا ورعايته صحيا بطريقة الإرشاد والتثقيف او متابعة اللقاحات الضرورية لأمراض الهيضة والتايفوييد، مع توفير بعض الفيتامينات الضرورية كدهن السمك الذي يساعد على تقوية الذاكرة والذكاء، هذا اضافة الى الأعداد الفني الذي من خلال يجري تشجيع المهارات الجمالية والحسية.

والصورة بلا مبالغة اورتوش جملة من مشاهد ابطالها رموز وشخصيات، بقيت أفعالهم واثارهم   حاضرة في نفوس الطيبين، عامرة بالبناء والروعة والخلق الرفيع حتى يومنا هذا.

محبتهم نخلة ما زالت تسكن في القلب، تهتف في الوجدان، تتزكى بعطر آلهة تنبض عند منتصف الخط الواصل من ارض اور، مهد الحضارات الى بقعة من الزمان يقال عنها انها مكان ابراهيم الخليل نبي الله الذي علمنا فطرة الإيمان.

وتلك مشاهد ما انفكت تعوم مع ذكريات شاهد لم تتوفاه حروب العصر وافاته المخيفة، ولم تثنه تلك الأزمات عن متابعة السير الدؤوب صوب خطاهم. أولئك الذين بقيت صفحاتهم ناصعة تطرز وجه الحياة.

هي حكايات يعشقها الوجدان، ينحني لأجلها إجلالا، يوقر كبريائها الجميل، يستنشق عبر رحيقها رائحة الصبا وعطر الورد ولون السماء.  

تلك الصفوف المتجاورة، الساحة تنتصف عند وسط ذلك الامتداد، فراش المدرسة وحارسها ومنظفها (بائع اللبلبي والفلفلية) العم موسى ابو حسين، صاحب العقال والدشداشة البنية، المعلمون، غرفة المدير عبد الوهاب البدري ومحتوياتها؛ الدولاب الطويل والطاولة الصاج العريضة وكراسي المعلمين، رفوف مكتب الادارة وبعض القرطاسية، صندوق الطباشير الأبيض والملون، اضافة الى الكرة الأرضية، التحفة الصغيرة، تلك التي ترتسم فوقها جميع محيطات الارض وقبابها ومناراتها ولغاتها، كذلك اساطير الأنبياء وأديانهم.

هو نفسه ما زال بهيبته وجبهته العريضة وقسمات وجهه السمراء المستديرة، وعمق نظراته التي بين بصماتها تحمل خزينا من الحرص والمثابرة، ما يمنحه رفعة ووقارا، يجعلنا نتردد في النظر اليه.

يقف هكذا، يمسك بعصاه الغليضة كما يمسك الملوك صولجاناتهم ما يضيف له طلعة مشرقة.

الغرفة الصغيرة راس الهرم الذي عبره تدار باقي الملحقات ونشاطاتها؛ إذاعة المدرسة، المرسم، مخزن توزيع الكتب والتجهيزات الرياضية، المسرح، اضافة الى ما تحتاجه (جمهوريتنا) الشامخة لمتابعة شؤونها العامة والخاصة، تلك التي بضمنها لحظات الاحتفاء بيوم العلم والنشيد الذي ما زلت اردده: (بادروا للعمل دون خوف أوجل، أنقذوا بلادكم بالعمل)،

الكلمات نفسها ما زالت تتوزع في مشاعري، تجتاحني، تجتذبني اليها، كما لو كانت أمواج بحر تعانق سفينة عائمة، تحثني دون كلل للاتجاه نحوها؛ كما اغنية تحتويها ديباجة دستور مقدس، الاصطفاف اليومي وتفتيش النظافة العامة والأظافر.

دعوتنا للتبرع التمويني الى أطفال المخيم الفلسطيني لنضع قطعا من صابون الجمال الأخضر ذو النكهة المعطرة وبعض الرز والزيت والشاي في كيس صغير وجلبه معنا الى المدرسة.

الدستور آنذاك مجموعة معايير صغيرة تخضع لنظام منضبط.

عبد الوهاب البدري ومعاونه علي فرج، مرشدو الصفوف بحسب المراحل، عبد الحسين جولان مرشد الصف للمرحلة الثانية، مشرفو النشاطات الفنية، ناجي الشكرجي مدير إذاعة المدرسة، الموسيقى والنشيد حسين نعمة، الفنية والرسم جواد السنجري، النشاطات الرياضية محسن حسون معلم الرياضة ومرشدها، معلم الزراعة اوالمرشد الزراعي الاستاذ خشان.

ما يؤكد ان عملية أعداد الطالب بحسب ما هو معمول به آنذاك، ليس في باب التعليم فقط، بل ان هنالك شروطا بموجبها يكتسب المتعلم خبرات ومهارات تؤهله لان يكون فنانا وصاحب ذوق رفيع ورياضيا وخبيرا زراعيا وإنسانا طيبا يحب مساعدة الاخرين بكل ما يحتويه المعنى من مكونات.

فعملية التأهيل العلمي للتلميذ لا تنفصل عن تركيبة المدرسة ونظامها الاداري وطريقة التوجيه السلوكي والاجتماعي والاخلاقي.  

المربون اوالاساتذة الأقدمون؛ طاهر جعفر معلم العلوم والحياتية للصف الرابع الابتدائي، خالد عبد القادر معلم الحساب، حسن علي لطفي معلم العلوم للصف الخامس والسادس والمشرف الموجه للكفاءات والابداعات العلمية في ان واحد.

تلك مؤهلات يتبعها اختصاصات اخرى للصفوف المتقدمة، حسن غانم معلم الانكليزية، عناية الحسيناوي معلم العربية والدينية، جواد الضائع معلم التاريخ، اضافة الى شخصيات لها علاقة بعلم الاجتماع والتوجيه الأخلاقي على نمط المرشد والمعلم كريم مشعل الخفاجي ، وذلك مجتمعا يشجع على انشاء وتنمية مهارات تربوية جديدة.

 

المطبقون اي المتدربون فبل التعيين، معلمون جدد يحضرون بحثا عن اكتساب بعض الخبرة قبل التعيين، يعد حضورهم ومشاركتهم تلاميذ المدرسة كل بحسب اختصاصه جزء من خطة تربوية يتم اعدادها بناء على التنسيق بين مديرية تربية اللواء وإدارة المدرسة.

شهادة التقييم المدرسي الفصلية تشبه في شكلها كراس الجنسية العراقية القديمة، وهي عبارة عن دفتر بني يميل الى الصفرة، وبحجم مربع صغير، يسهل تصفحه، حيث بين سطوره يكتب باللون الأخضر، نوع الديانة.

اضافة الى نمط الملاحظات التي صممت ليكون هنالك نوعا من التنسيق بين مرشد الصف وولي امر الطالب الذي يجب عليه التوقيع في الحقل المخصص له بغية إثبات المتابعة الدورية، والغاية معتمدة أصلا لإعداد التلميذ وحثه للدراسة والتفوق.

ففارس الصف مثلا يعد عنوانا فخريا على أساسه يمنح الطالب المتفوق إشارة الذكاء وهي عبارة عن شريط احمر و دانتيلة من القماش أوشيء من هذا القبيل.

وهذا ايضا له علاقة بملاحظات التقييم الخاصة بمستوى المتعلم وقدراته العلمية، وكذلك السلوكية والنفسية داخل الصف وخارجه، ففي وصف السلوك والمستوى العام يكتب مثلا؛ هاديء مؤدب، ضعيف في درس الإملاء.

اما جانب الأعداد البدني والرياضي فقائم على متابعة الانشطة التي تقام خارج المدرسة أيضاً، حيث وبضمنها يتم ترديد القسم الرياضي، وهو نوع من التعهد على الاشتراك بالألعاب الرياضية لخدمة الوطن والشعب، ويختص بمتابعتها معلم الرياضة محسن حسون المتشدد والحريص في محاسبة ومتابعة تلاميذه.

وهذا لا يمنع أيضاً من القيام بمسؤولياتها والتزاماتها، اي إدارة المدرسة في متابعة تنمية المهارات الفنية والجمالية لدى الطالب.

فالمرسم ذلك المكان الذي يعد صفا آخراً للتعلم، يستقبل الماهرين في الرسم وابداعاتهم، بعد ان يتم اختيار المتميزين منهم من قبل معلم الفنية والرسم.

اما إذاعة المدرسة فهي الجزء المكمل لتنمية شخصية الطالب وذائقته الحسية والجمالية، ناجي الشكرجي وهو شقيق عازف القانون الفنان حسن الشكرجي يعتبر المرشد الفني والمسؤول عن انتقاء الأفلام والمقاطع المناسبة للفئة العمرية للطلبة آنذاك   اضافة الى تسجيلات البث المباشر الخاص بالأغاني المطلوبة.

فعلى نمط ما يطلبه المستمعون، يضع الطالب ورقة اختيارالاغنية في الصندوق المخصص لذلك ويذاع اسمه فيشعر بالفرح.

 

هذا اضافة الى نشاطات العرض السينمائي التي تتبنى نظام ثقافة تطوير الشخصية مع تعلم مبادئ الصحة والنظافة العامة عبر لقطات خاصة بذلك.  

وبين هذا وذاك الجانب الترفيهي جزء من شخصية بقيت اثارها تحمل بذور قمح سنابله تكتنز بمحبة الاخرين.

حسين نعمة وأغنية (يا شادي الألحان آه وسمعنا رنة العيدان) كان اللحن الاول لمعلم النشيد والموسيقى، تلك التي احببناها قبل ان تغنى في الإذاعة والتلفزيون.

المدرسة المركزية لوحة سامية بمعانيها الرفيعة وكنوز نظامها التعليمي، هي شاهد عيان لحضارة ستينية سجلت بين بصماتها اثار نظام تعليمي تربوي بكل ما تحتويه مفردات التربية والتعليم من تكامل واتساق وطهارة وعفة حيث الفن والأخلاق والرياضة والالتزام والمحبة.

رموز وتواريخ رغم انها فقدت سجلاتها عبر زمن أطاح بالطيبين والخيرين والاوفياء، بقيت لم تتهافت، المعلم هكذا كمقولة النبي هذا الذي لم تزل قامته تأبى ان تموت لتتحدى أخطبوط الزمن المقامر، لعلها على أكتاف الغيارى تنبت من جديد.  

 

عقيل العبود

في المثقف اليوم