شهادات ومذكرات

الحبيب الواعي: ديان دي بريما صوت نسوي من أصوات جيل "البيت" إختار أن يسبح ضد التيار

1052-dyanaإنه إرهاب، أليس كذلك؟ عندما تخاف من أن تجيب الطارق

لأنّك لا تتوفر على البطاقة الخضراء

عندما تخاف من البحث عن العمل، من الدخول إلى المستشفى

عندما يكون ابنك مريضاً

( مقتطف من مرح جميل ونقي)

تستحق الشاعرة الأمريكية المرموقة ديان دي بريما أن يحتفل بها و بأعمالها ولو مرة واحدة قبل أن تغادر هذا العالم، خاصة و أن منابرنا الإعلامية و الثقافية لم تلتفت إليها قط، باستثناء إشارات بسيطة إلى إسمها في خضم الحديث عن رفيق حياتها لفترة وجيزة، الشاعر أميري بركة.  نود من هذه المقالة أن تكون بمثابة تكريم وتذكير بأهمية هذه الشاعرة وأعمالها، خاصة وأن عيد ميلادها الثاني و الثمانون يصادف السادس من غشت الجاري.  تكمن أهمية الشاعرة ديان دي بريما في كونها دمجت بين توجهات أدبية عديدة في وقت تميز بسيادة التفرقة و التحزب في الولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تكون دي بريما قد ساهمت في تقريب الهوة المتزايدة بين مختلف الأجناس و الاعراق المشكلة للمجتمع الأمريكي خلال الستينات من خلال كتاباتها النسائية التي اتسمت بالثورة على أعراف اجتماعية تدعوا الى التفرقة عوض لم شتات المجتمع.

 ولدت ديان  دي بريما في مقاطعة بروكلين  بنيويورك عام 1934 وتربت في كنف عائلة ايطالية مهاجرة، ودرست بكلية سوارثمور قبل أن تنقطع عن الدراسة و تركز على حلمها الذي اختزلته في رغبتها الجامحة في أن تصبح شاعرة في مانهاتن مهما كلفها الأمر. بدأت  دي بريما الكتابة في سن مبكرة من طفولتها  حيث شرعت وعمرها تسعة عشر سنة في مراسلة شعراء كبار أمثال كينيث بثشن و إزرا باوند  الذي قامت بزيارته بانتظام في مستشفى للأمراض النفسية في واشنطن ، و نشرت دار طوطم بريس ديوانها الأول و المعنون ب"هذا النوع من الطير يطير عكس المسار" عام 1958.

خلال فترة عيشها بغرينتش فيلاج بمنهاتن إلتقت دي بريما بفرانك أوهارا، أودر لورد ورواد حركة جيل 'البيت' جاك كيرواك، ألين غينسبرج وأميري بركة، وبدأت تشارك في تنشيط الحركة الأدبية هناك وساهمت في ازدهارها بالمدينة حيث أصبحت من أهم الكاتبات المؤسسات لحركة جيل الإيقاع أو جيل "البيت". وخلال هذه الفترة شاركت دي بريما كذلك في تأسيس مسرح شعراء نيويورك ، وأسست دار نشر 'دبويتس برس' التي نشرت أعمال العديد من الكتاب الجدد الذين لم يسبق و أن تعرف عليهم القارئ الأمريكي، كما أنها شاركت في تحرير النشرة الأدبية 'دفلوتين بير' جنبا إلى جنب مع أميري بركة.

تعتبر دي بريما لبنة أساسية في حركة الستينات الأدبية حيث شكلت جسرا يربط بين حركة جيل 'البيت' الأدبية وحركة 'الهيبي' التي استمدت جدورها الثقافية من جيل الايقاع في وقت لاحق، وكذلك بين فناني الساحل الشرقي والساحل الغربي لأمريكا. تميزت دي بريما باعتبارها أول صوت نسوي يكسر قيود المجتمع البطرياركي و ينضم إلى حركة جيل "البيت" التي تميز بنبذها لكل ماهو مؤسساتي. وكغيرها من الكتاب الذين وقفوا في وجه السلطة السائدة و المؤسسات التي تمثلها فقد واجهت دي بريما في عدة مناسبات مضايقات نظرا لطبيعة شعرها واتهمت باستمرار بنشر الفاحشة بسبب ما ينشره مسرح شعراء نيويورك ومجلة 'دفلوتين بير،'  وفي عام 1961 تم القبض عليها بالفعل من قبل المكتب الفيدرالي للتحقيقات بسبب نشرها لقصيدتين في مجلة "دفلوتين بير". في عام 1966، أمضت بعض الوقت في ميلبروك بنيويورك مع جماعة تيموثي ليري وأصدرت نسختين من  كتابه "صلوات سايكيديلية"، وهو كتاب يتكون من قصائد تأملية كتبها ليري خلال رحلته بالهند 1965 متأثرا بلاوتسي، وأمضت سنة 1967 على الطريق مسافرة في حافلة فولكس فاغن، تقرأ الشعر أمام واجهات المحلات والبارات وصالات العرض والجامعات، قبل أن تنتقل سنة 1968 إلى مدينة سان فرانسيسكو حيث ستقضي معظم حياتها و تنكب على دراسة البوذية و الغنوصية و الخيميا و السنسكريتية.

قاريء شعر دي بريما سيلاحظ أنه يمزج بين تقنيات الإنسياب العفوي لتيار الوعي مع الإنتباه الدقيق إلى الشكل واللغة  كما أنه يجمع بين السياسة والممارسة الروحية في قالب واحد. مواقفها السياسة توصف أحيانا بأنها فوضوية، وتدين بذلك إلى جدها دومينيكو ملوزي  وهو مهاجر إيطالي ومفكر سياسي حر كان من أقرب أصدقائه الفوضوي كارلو تريسكا. تقول دي بريما في إحدى مقابلاتها "جلب جدي فكر الفوضوية معه وإحساسا مشتركا بأن الشعر للجميع، وكان يقول أن الجميع قد قرأ دانتي، وتخيلت كل ربات البيوت يقرأن دانتي... وعندما بلغت عشرة أعوام طلب مني والدي أن أقرأ مكيافيلي، وقال لن تفهمي أبدا ما يجري في العالم لأنه لا أحد سيخبرك بذلك، كل ما يكتبونه هو مجرد دعاية".  وفي مقابلة أخرى لها مع مجلة 'جاكيت' تتحدث دي بريما عن حياتها ككاتبة وأم وناشطة سياسية قائلة: "كنت أريد كل شيء- بجد وفي كليته- أردت أن أمر بجميع التجارب الممكنة، وكنت أرغب في كل ما هو ممكن لشخص في جسد أنثوي، ويعني ذلك أنني أردت أن أكون أما... وكان شعوري،'حسنا'، لا أحد قام بذلك بهذه الطريقة من قبل ولكن تبا لكل شيء، هذا ما سأفعله، و سأجازف من أجله". و يعتبر شيلي، كيتس، بليك إزرا باوند، تشارلز أولسون، الشاعرة هيلدا دوليتل) من أهم الشعرا الذين تأثرت بهم بالإضافة الى موسيقى الجاز والبلوز، وبطبيعة الحال، كتابات شعراء معاصرين لها أمثال مايكل مكلور، جون وينرز وأميري بركة.

لم تقتصر دي بريما على كتابة الشعر و المساهمة في الحركات الثورية للخمسينات و الستينات بل واصلت مسيرتها كناشطة سياسية من خلال التدريس و تربية الأجيال الصاعدة على مبادئ الحرية والعدالة والاختلاف في العديد من المدارس و الكليات. من عام 1974 إلى عام 1997، اشتغلت دي بريما مدرسة للشعر في مدرسة جاك كيرواك جاك للشعر بجامعة ناروبا في بولدر بولاية كولورادو، وتقاسمت حصص البرنامج مع زميلها ألين غينسبيرج (الشريك المؤسس للمدرسة)، ويليام بوروز، غريغوري كورسو، و اخرين، كما أنها درست بكلية كاليفورنيا للفنون والحرف، وبرنامج الماجستير في  الشعر و البويتيقا بنيوكوليج بولاية كاليفورنيا.

نشرت دي بريما أكثر من 40 كتابا ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة، وتشمل دواوينها الشعرية "هذا النوع من الطيور يطير عكس المسار" (1958)، "رسائل ثورية"(1971) و"قصيدة طويلة لوبا"((1978، و"مقطوعات من أغنية: قصائد مختارة" (2001)، بالإضافة الى مجموعة قصصية معنونة ب"عشاءات وكوابيس" (1960)، و"مذكرات امرأة من جيل البيت" (1968)، ومذكرات "ذكريات من حياتي كامرأة: سنوات نيويورك" (2001) و"صفقة الشعر" (2014). في عام 2009 تقلدت دي بريما منصب شاعرة مدينة سان فرانسيسكو ومنحت جائزة الجمعية الوطنية للشعر اعترافا بمقدمته للثقافة و المجتمع كما حصلت على جوائز أخرى منها جائزة فريد كودي لأحسن إنجاز مدى الحياة، وتلقت أيضا منحا من الصندوق الوطني للفنون، ولجنة الشعر، ومعهد التنمية الجمالية،  وكللت جهودها بشهادة دكتوراه فخرية من جامعة سانت لورانس. تعيش دي بريما الان بسان فرانسيسكو محاطة ببعض من أفراد عائلتها وأصدقاء و شعراء من جيلها. عيد ميلاد سعيد ديان دي بريما!!

 

نصوص مختارة

رسالة ثورية # 20

(مهداة إلى هيوي نيوتن)

لن نستريح

حتى يمشي الإنسان حرّاً وشُجاعاً على هذه الأرض

كلّ واحد وفق طريقته الأصلية

وقبيلته، مُسالماً في الهواء الطلق

::

حتى يمكن للجميع أن يبحثوا دون عوائق

عن شكل أفكارهم

لا وجود لسحابة سوداء من الخوف أو شعور بالذنب

بينهما والشمس، لا أطفال يحترقون

لا شبابَ محبوسين، لا عالمًا من الورق

يقف بين الجسد والجسد في

التقاء الإنسان بالإنسان

::

حتى تصبح الشابات

أنفسهن شريفات وغير خائفات

يلدن أبناء أقوياء

يحببن و يرقصن

::

حتى يمكن للشباب في نهاية المطاف

أن يفقدوا بعضاً من صرامتهم، أن يعودوا

إلى أفكار الشباب، حتى يرتدَّ صدى

الضحك  مرة أخرى على تلالنا ويملأ

سهولنا

 

رسالة ثوريه رقم 21

هل تستطيع

أن تمتلك الأراضي، هل تستطيع أن تمتلك

بيتا، أن تكون لك حقوق في

عمل الآخر، (أسهما، أو مصانع

أو مالا مقدما بفوائد)

ماذا عن

العائدات من نفس المحاصيل وسيارات،

طائرات تسقط القنابل، هل تستطيع أن تمتلك

العقارات حتى يدفع لك الاخرون

ثمن الإيجار؟ من يمتلك

الماء، من سيمتلك

الهواء وهو في طريقه الى النذرة؟

يقول الهنود الحمر ان الإنسان

لا يمكنه أن يمتلك أكثر مما يستطيع أن يحمل

على حصانه

 

*باحث ومترجم من المغرب

 

في المثقف اليوم