شهادات ومذكرات

حكاية حياة "مُدونة عشق عراقي"

علي المرهجتعرفت على زيد عباس كريم في قسم الفلسفة، وبعد أن توطدت العلاقة بيننا، عرفت بعض من أصدقائه، وكان منهم صديق مُقرب له، إبن مدينته، كربلائي النشأة والهوى، هو فراس، أسمر اللون، ممشوق القوام، لا إستقرار لحركة عينيه العسليتين، يبدو لك حين تراه لأول وهلة أنه من نوع الشباب الذين يلعبون بـ "البيضة والحجر"، لا تطمأن له إلَا بعد مُعايشة، فمظهره يشي بأنه ممن يُتقنون اللعب على العواطف ويسرقون المحبة بطيب معشرهم، ولربما يُضمر خلف ذلك أشياء وأشياء، ولكنك بعد أن تخبره، تجده يُضمر لك محبة ويُخفي حُزناً طوته أيام التعب التي عاشها لا بسبب فقر، بل لكونه كثير الأمل بتخطي الحلم، حالم بمستقبل يصنعه هو لا علاقة للآخرين به، وإن كان ذلك الآخر أباً أو أماً، وهو يكن لهما "ذكرى حبيب ومنزل"، ولكنه مُتمرد يعيش في عوالم "المخيال" لا ليكون عالماً، بل ليصنع مجداً رياضياً له شأن يُشار له بالبنان.

عرفته وعشنا سوية، كانت لديه سيارة نوع "لادا" أو ربما "برازيلي" "مطركعة" لا أتذكر، ولكن الذي أتذكره "لا ليله ليل ولا نهاره نهار" يعمل بجد بلا كلل ولا ملل، كريم النفس والمال، يُحب زيداً حُباً جماً، وإن اختلافا فيما بعد بحكم تقدم العمر وتغير الأحوال، ولكنهما لا زالا يهيمان بذكريات أيام خلت وإيثار تطول فيه الحكاية.

وبعد تردد الزيارات لنا في قسم الفلسفة تعرف على زميلة لنا جميلة بطولها وطلتها وأخلاقها، لم تكن تهوى الحوار إلَا معنا نحن زملاؤها ممن وثقت بهم، وكان لزيد منزلة خاصة عندها، لطيبته وعفته وتوثق عراى الصداقة بينهما، ولأن فراساً عشق الهوى، فكان لا يحلو له اللقاء إلَا بنا، حتى ظن البعض أنه طالب في قسم الفلسفة، لكثرة غيابه في كلية التربية الرياضية وتسجيل حضوره في قسم الفلسفة بكلية الآداب، فقد تعرف على زميلتنا هذه، وصار يتحين الفرص للقائها والحديث بها، "فهمت به وهم بها"، وكان ما كان مما نحن نرغب به، لتسجيل مدونة عشق عراقي بين فراس وبينها، فكثرت اللقاءات وامتدت الحوارات، وكان زيداً صديقاً صدوقاً له ولها، وكنت أنا له من المُحبين، ولكني لم أكن يوماً من المُقتنعين بهكذا علاقة، ففراس من كربلاء وهي من سامراء، وبعد جهد جهيد أقنع أهله بأن لا حياة له من دونها، وهي كما أعرف ظنت وصرحت لأهلها أن لا حياة لها من دون فراس، ولكن "تجري الرياح بما لا تشتهي السَفن"، فبعد أن أقنع فراس أهله الذين كانوا يحلمون بتزويجه من أقارب له من مدينة الناصرية، فتاة جميلة وفق قولهم "تكل للكمر غيب وآنه بمكانك" لكن فراساً لم يهوى القمر، إنما هوى شمس مُحرقة "تكل للكَلب موت وأنه بمكانك" فكان قلبه ميت ولا عيش ولا حياة له إلَا بها، فسعى وجد واجتهد في اقناع أهلها، ولكنهم رفضوا بأيسر ما يكون الرفض، لا دراية لهم ولا خبرة بتخريب القلوب، وتهديم مدونة العشق التي كتبتها سنون صدق القلب حينما ينطق بالعشق النقي أيام الشباب، ولكن "الطائفية" ومرض الأنا الرجعية، وتوهم تفوق العرق السني "المتعالي" على "العرق" الشيعي" المحايث للوعي الجمعي، جعل "المافوق" "المُتعالي" لا يقبل بالتفاعل الأفقي مع الجمع، الذين منهم فراس، فقد حاسبه "المافوق" على أنه "عجمي" وبنظرة فوقية مُتعالية، صار الأمر والآمر فيها فعل التهويم القومي "الرسَي" الذي يبحث عن "الأصل" وتناسوا أن "الأصل" أسطورة من صُنع "القومويين الراديكادليين"، ولا أروم هنا الدخول في تنظير لفعل "الأيديولوجيا" وسحرها التغييري للوعي الجمعي من الإيجاب إلى السلب، ولكن الذي حصل أن فراساً لم ولن ينل عشقه الأبدي، فصار الحديث عن حكايته "حديث خُرافة" يتندر اللاطائفيون في ذكره على أنه من قبيل تضخيم القول والفعل، فلا طائفية في العراق!!، ولكن فراساً لم ينل مرامه، والحبيبة تنتظر، والطائفيون حسموا الأمر برفضهم لفراس بجرة قلم، على أنه "كربلائي عجمي"، وهم سادة وأسياد، لا يليق بعجمي أن يُصاهر أسياده!!.

ولا أخبركم عن تفاصيل معاناة فراس، ولا زالت، وإن تزوج بمن حلم أهله بتزويجها له، وهي نعم المرأة، التي أنجبت له فلذات المحبة الغريزية، ولكنه كان ولا زال يعيش أمل اللقاء والرؤية لها هي عشقه الأبدي "السرمدي".  

علي المرهج

 

في المثقف اليوم