شهادات ومذكرات

الشاعر الوطني شوكانو

482 شوكانوكانت حياة الكاتب خوسيه سانتوس شوكانو (ليما 1875- شيلي 1934)، متذبذبة منذ البداية وانتهت بقتله في شيلي، وهو من قدم التجديد في أعماله، حيث اجتهد وجعل حركة الحداثة الأدبية البيروانية أمريكية الطابع. وفي تعليقه على عمل (الغرباء) للكاتب المعروف روبين داريو؛ لامَ المؤلف محاولته السريعة لجعل العمل المعنون (قداس لدين الفن الأمريكي الجديد)، دون انتباه الى انه "يوجد فينا من هو  قادر بشكل كفاي، لكي لا يقيد نفسه حسب المقياس الفرنسي، خاصة في نتاجاته". وما هو غريب أن شوكانو يتحدد في الإشارة الى ان الشاعر الأمريكي أدغار آلان بو الذي تناول داريو حياته في ذلك الكتاب بشكل سطحي، هو ذا اصلاً أمريكي شمالي والأب الحقيقي لحركة الحداثة، والذي فيما بعد قلد من قبل الفرنسيون.

في كل الأحوال، اخذ البيرواني الجريء اخذ على عاتقه مسؤولية أعطاء الشهادة بصحة تلك الحقيقة لقدرته على التحول الى شاعر أخاف الشعب الأمريكي من خلال عمله (ثورات مقدسة) عام1895، عاكساً بوضوح، ظل هوغو1، واسبرونثيدا2، ونونيث دي ارث3 ودياث ميرون4؛ مؤكدا ذلك بأشعاره الناضجة خلال فترة مكوثه "الإفراط بالحقيقة"، يكون عدو قاتل للشعر الوطني- ولأي نوع آخر من الشعر- ويبدو ذلك ساحقاً في هذا الكتاب. لم تحقق قصائد شوكانو، المزودة ببلاغته الخاصة، المستوى المطلوب ان تعتلوا أشعاره الارتفاع المرغوب به، والمزودة ببلاغته الخاصة. يقال انه كان متقدماً بهذه الأشعار، بتشديد تطابقي وبيرواني كبيرين ربما شوكانو أراد بها  الفرار صوب التوسع القاري، مثالا لما  ذكره كونثاليث برادا5 في الحوار المشهور على مسرح البوليتيما سنة 1888.

فيما بعد قصيدة طويلة، ملحمة الفنطيس (1899)، يقر بشكل محدد تمجيده لأمريكا، بنبرة ذات علامة بطولية. في أغاني المحيط الهادي (1904)- وبتفادي العلاقة الدقيقة لكل عناوينه-"يتطور شوكانو-عندما قال عن لويس آلبرتو سانشث6- في دلالة تصورية كثيرة القساوة، مماثلة لنقاء غنائي، تولى الدفاع عن بطولته الأمريكية بكل نزاهة.

في (1906) نشر كتابه (أمريكا الروح)، هو الكتاب الذي يعرفه بشكل جيد، واعتبره حينذاك عمله القمة، عندما طبع في مقدمته هذه الكلمات: "امتلك سابقاً عدة كتب شعر، لم اكتبها وظهرت باسمي". في نقد مؤرق عن فحوى كتاب (أمريكا الروح): "كل شيء مهيب، ورنان، وبهي، وفي بعض الأحيان ذو طاقة، وأحيانا حاد، كل شيء فيه ملحمي، وبدون شك أمريكي جداً، لكن اسباني جداً". وقال الشاعر روبين داريو، في قصيدته (استهلال)، "أعلن بان مؤلفها يجلب كلمته القوية الموقدة بالحياة؛ ويحدد القول ان كل شيء هو قارة، رغم ذلك لا يترك الإشارة –ان يبرر بشكل حقيقي- نبرته الغير عادية.

يجب أن نصل الى نرودا7 لكي نجد- بشكل واضح مسافة كبيرة في جودة الشعر-وطغيان الأفعال اقرب لما يوجد في كتاب شوكانو. اذ يغني الشاعر وهو مسحور بكبر الأرض الأمريكية، بتاريخها ومستقبلها. حيث الغزاة، ومنظر الجبال، والقناة الموعودة (نياكارا) لبنما، والمجموعة الحيوانية للبلاد، والناس، والمدن، كل هذا وأكثر تخرج من الأشعار الرنانة والمتغيرة، كما في قصيدة أحصنة الغزاة التي لا يمكن تذكرها:

الحصن كانت قوية!

الحصن كانت ضعيفة!

أعناقها كانت رقيقة وأردافها

لامعةٌ وحوافرها موسيقية...

الغاية الحقيقية التي تجنى من هذه التراكيب وغيرها تبقى غير مقيمة بسبب الإصرار المتعب الذي لا يترك هدنة للمتلقي. الكاتب شوكانو، مقتنع جداً بدوره، كما رأينا، والشاعر داريو لا يساوم في قصيدة استهلال، وأعلن بدون أي تحفظ:

أنا مغني أمريكا، ابن البلد ومتوحش

(بلاسون)

ذكر نفس الشيء فيما بعد، لكن بتحديد أكثر:

"والت ويتمان له الشمال، لكن أنا لدي الجنوب"

(ذهب الهنود)

وتأكيدا أكثر لحقيقة الابتهاج الغزير وغير الرصين يجعل التجنب سريع لدلالات أي تعليق. في المقدمة الفاشلة( لاغنية العامة)، الجمال والبطولة ساد بشكل ساحق. وبدون شك افتقر الرائع شوكانو الى مقدرته على تقليل ما قاله مارتي8 في عمله (فيات لوكس) 1908، اذ حاول مخالفة رفضه بالرغم من كمية المختارات من عمله الشبابي مع إضافة بعض القصائد الجديدة، ويستحق جهده التنقية رغم معالجة الماضي فقط.

باكورة الذهب الهندي (1934) وذهب الهند (1939-1941) تمتدان مع روح وصيغة أمريكا الروح وتحققان بعض المواضيع منها.

احياناً الاقتراب الى كل ما يخص الوطن لا يكون محدد بالبحث عن ما هو دخيل ولامع، وقام شوكانو بمساهمة ضافها الى الشعر الاجتماعي. في هكذا سيكون، يغني الى السلالة التي تعاني عاصفته بدون ان يسمع انينها والتي تحمل انعكاس قوي حول يأس الشاعر. تبدو الآثار المدريدية مقنعة لكن الاهتمام الأكثر هي لآثار نيويورك، و الابتعاد عن عالمه المألوف الذي يسمح لشوكانو العثور على صور ذات قوالب جديدة، اقرب الى  الطلائعية.

من الضروري الإشارة الى مجموعات شعرية اخرى مختلفة في بعض الأحيان  لخوسيه سانتوس شوكانو جمعها بدقة المحامي لويس آلبرتو سانشث و يبرز هاجسه الأمريكي الذي لم يمنع جمع الحب الباطني والاقتراب احياناً أخرى الى طبقات الشعر البرناسي الفرنسي الصافي،  بالرغم من مظهره ذات الألوان المتعددة. كانت أعماله النثرية أيضا واسعة، بجانب أخبار خفيفة ومتنقلة ومقالات أدبية، تسود فيها الكتابة ذات الطابع الجدلي للمجتمع والسياسة الأمريكية، داخل اتجاه محدد بأسلوب مبهج وشخصي.

التجاوز عن الحد الذي ظهر في حياة وأعمال شوكانو، ممكن ان تكون الشاهد على تتويجه شاعراً وطنياً سنة 1922- نفس السنة التي ظهرت فيها قصيدة (تريلث)، اذ تميزت بلغة شعرية خاصة بالكاتب ثيسار فايخو9.

 

ترجمة: الأستاذ المساعد لقاء محمد بشير حسن

جامعة بغداد/كلية اللغات/قسم اللغة الاسبانية

...............

هوامش

1- فيكتور ماري هوغو( فرنسا 1802- 1885): هو أديب وشاعر وروائي فرنسي، يُعتَبر من أبرز أدباء فرنسا في الحقبة الرومانسية. وترجمت أعماله إلى أغلب اللغات المنطوقة.

2- خوسيه إجناثيو دي إسبرونثيدا(منطقة إكستريمادورا1808- مدريد 1842) شاعر إسباني ينتمي لتيار الرومانسية في إسبانيا، كانت حياته مبعثرة ومليئة بالمغامرات. ولديه أعمال شعرية مميزة.

3- جاسبر نونيث دي أرثي(بلد الوليد 1834- مدريد 1903) شاعر وسياسي ونائب برلماني، كان مرشح لجائزة . نوبل في الأدب

4- سالفادور دياث ميرون (مكسيكو 1853-1928) شاعر مكسيكي تابع للحداثة . عمل كمدرس وصحفي وايضا سياسي.

5- كونثاليث برادا(ليما 1844-1918): سياسي، ومفكر، وكاتب مقالات، وشاعر برواني. كان شخصية مميزة في ادب وسياسة بيرو اواخر القرن التاسع عشر.

6- لويس آلبرتو سانشث (ليما 1900-1994) كاتب، ومحامي، ومؤرخ، وصحفي، وناقد ادبي، ومترجم، وسياسي. عين في (1928) مساعد مدير المكتبة الوطنية في بيرو.

7- بابلو نرودا: (سانتياغو 1904-1973) شاعر من شيلي، معروف ومشهور في القرن العشرون. حصل على جائزة النوبل في الادب عام 1971.

8- خوسيه مارتي (1853-1895): شاعر و فيلسوف ومفكر وصحفي كوبي من أصل اسباني.

9- ثيسار فايخو (1892بيرو-1938 باريس): شاعر معروف من بيرو.

 

في المثقف اليوم