شهادات ومذكرات

تايلند.. بلد التناقضات

محمد العباسيأنا وأهلي من عشاق تايلند.. لا بد أننا زرناها أكثر من أي مكان آخر على وجه الخليقة.. ولي من المعارف العديدين ممن يمتلكون هناك شققاً ومساكن.. ويفضلونها على سواها من البلدان.. ربما لأن تكاليف السفر إلى تايلند مناسبة.. وتتميز بجمال الشواطئ والغابات والجبال والحدائق والجزر الخلابة.. ربما لأن أغلب أطعمتهم لذيذة ومشوقة.. وأكلاتهم البحرية مغرية الأثمان بالمقارنة بأسعارها الباهضة في مطاعمنا.. فتايلند دولة جميلة والحياة فيها رخيصة.. يعشقها الصغار قبل الكبار ومحبي الرياضات المائية والسهر والتسوق!

لكن تايلند هذه تتميز في ذات الوقت بقسوة رهيبة في بعض مناحي الحياة!! فالشعب التايلندي رغم إبتساماتهم للسواح يكنون لهم بغضاً وكراهية شديدة لما يشهدون من تصرفات مشينة وبذخ وغوغائية.. ينتظرون من أحدهم زلة صغيرة فتنقلب الإبتسامة إلى أنياب سامة.. فكم شهدت معارك إجتمع فيها العشرات من التايلندين والتايلنديات ضد شخص واحد من سكارى الليل.. و"هات يا ضرب".. والغريب أنهم إذا تكالبوا على الضحية لا يرحمون.. ولن تجد بينهم من يرفق أو يحاول منع المهاجمين.. بل يتعاضدون ضد الضحية دونما أن يكون لهم علاقة بالمشكلة من أساسها.. صاحب التاكسي بالطريق ينزل من سيارته ويضرب.. أصحاب الدكاكين يضربون.. بنات الهوى في الطريق تضربن.. بل وحتى رجال الأمن في الفنادق المحيطة بالواقعة يشاركون في المعركة ولا يتركون الضحية إلا مضرجاً بدمائه مفلوق الرأس !!

ولرجال الشرطة في تايلند سطوة غريبة.. ويتصيدون المخالفات للسواح وبالذات للعرب الخليجين.. فالخليجي صاحب مال ولن يتواني عن الدفع ليتخلص من أي موقف.. فمثلاً كل من يستأجر الدرجات النارية منهم يكونون عرضة للملاحقة لأتفه الأسباب من رجال الشرطة.. وكلهم يدفعون بكرم منعاً للمشاكل.. والمشكلة العظمى تكمن في التفاهم اللغوي معهم ولا حلول ودية معهم.. بالذات لأن الكثير من الخليجيين الشباب لا يجيدون حسن التفاهم ولا يمتلكون القدرات اللغوية.. فبعض الحمقى الخليجيين يعاملون أهل تايلند كما يسيئون معاملة الخدم عندهم في منازلهم.. ويعرضون أنفسهم لمواقف "بايخة".

ورغم جمال الطبيعة في تايلند، وبسبب الأشجار والغابات تكثر عندهم الحشرات السامة والأفاعي والعقارب.. فكم من شخص تعرض للدغة من عنكوبتة صغيرة وكاد أن يفقد قدمه أو ذراعه.. وكم من سائح تعرض للكسور والإصابات بسبب بعض الأنشطة الخطيرة مثل البارشوتات المسحوبة بالقوارب أو التعلق بين الأشجار الشاهقة.. وكذلك بسبب بعض الرياضات المائية الخطرة أو حتى بسبب التعرض للحوادث المرورية والوقوع من على الدراجات النارية المستأجرة حيث الزحام وإختلاف خط سير المرور يخلق مشكلة لغير المتمرسين !!

تايلند جميلة .. لكنها لا تناسب الرعناء.. بسيطة في كل شي طالما أحسنا التصرف وإحترمنا أهل البلد وعاداتهم ودياناتهم وبساطتهم.. رائعة لكل من يعطيها حق قدرها فيستمتع بكل ما فيها دون غلو ودونما إستصغار لأهلها البسطاء ممن جعلهم الفقر والحاجة يبدون كلقمة سهلة لذوي النفوس المريضة .

تايلند .. هذه الجنة على الأرض.. هي جنة للذين يسافرون إليها في شهر العسل مثلاً.. ففيها من المتع والرحلات والمناظر الخلابة التي تسر الناظرين.. أغلب فنادقها رائعة، يكل فئاتها.. جزرها المنتشرة حولها خيالية.. بها حدائق منسقة وأزهار وورود من كل صنف.. أنشطتها السياحية مليئة بالمفاجآت.. رحلاتها البحرية وألعابها المائية ليست كسواها في دول الجوار.. يشعر السائح بأمان وراحة طالما يحسن التصرف ويبتعد عن الأنشطة المشبوهة وعالم الليل !!

عالم الليل في تايلند متعدد الجوانب.. فهنالك حفلات ومسارح للعروض الفنية والغنائية المسلية.. لربما من أجمل ما حضرت مع أهلي كانت تلك الأمسية الطويلة في جزيرة "بوكيت" في مدينة ألعاب يتوسطها مسرح عظيم الحجم يقام فيه عروض خيالية حالمة ورقصات وعروض مع الحيوانات، تدعى "فانتسي شو" !! وفي أغلب المدن الرئيسية أيضا هنالك عروض وغناء ورقص مع بعض الكوميديا التي يقدمها الـ "ليدي بويز"، وهؤلاء هم رجال في أزياء النساء الفاتنات.. عروض ممتعة ليس فيها ما يخدش الحياء ومناسبة للعائلة وحتى الصغار .. ولكن !!

الـ "ليدي بويز" هم رجال متحولون جنسياً.. هم كالنساء، بل كثير منهم قد تحولوا بالفعل إلى نساء !!  وهم بصراحة من معالم هذه الدولة.. فهم في كل مكان بالذات في حياة الليل الصاخبة.. تجدهم في كل الشوارع يصطادون الرجال ويعرضون عليهم ممارسة الرذيلة والمساجات.. وهذا الجانب من حياة الليل في تايلند يجذب الملايين من السواح من كل أصقاع الأرض ممن يبحثون عن هذا النوع من المتع.. وحياة الليل تعج بالمومسات في كل طريق وملهى ومرقص ومقهى.. فكل الخمارات تعرض مع المشروبات بنات الليل (في الليل والنهار!).. ومع السكارى تنمو المشاكل وتشهد "الخناقات" ومواقف مشينة.. أغلب أبطالها ممن يتعاطون المسكرات والمخدرات .

يكثر في حياة الليل الحانات الخاصة بالشواذ.. فتجدون العشرات بالذات من الرجال الأوروبيين في جلسات حميمية بلا حياء مع الأولاد والشباب ممن يمارسون الرذيلة.. مناظر يشمئز منها الأسوياء.. لكنها مناظر مقبولة وعادية في هذا البلد حيث لا ينظرون للشواذ والمتحولون جنسياً بازدراء.. وقد  تجدون بعض الكبار في السن يجرون ورائهم مومسات صغيرات السن في عمر حفيداتهن.. مناظر تشعركم بالغثيان.. لكنه نتيجة للفقر والحاجة وقلة ذات اليد.. فمن قسوة الفقر أن يبيع بعض الأسر المدقعة بناتهم الصغيرات على مافيات "القواديين" لأجل غير مسمى (؟!).

ففي هذه الجنة الجميلة قاع مظلم.. وقسوة وظلم ونقائض.. لكنها دولة تستحق الزيارة طالما إستمتعنا بجمالها وإبتعدنا بملئ إرادتنا عن عالمها السفلي المقيت !!

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

في المثقف اليوم