شهادات ومذكرات

ضياء نافع: 280 عاما على ميلاد درجافين

درجافين اسم كبير في تاريخ الادب الروسي، ولكنه يكاد ان يكون شبه مجهول للقارئ العربي عموما، وحتى للقارئ الذي يتابع  الادب الروسي، اذ لا يعرف هذا القارئ المتابع ماذا تعنى القصيدة التي يسمونها بالروسية - (اودا)، واين ظهرت وكيف وصلت الى روسيا، وماهي مكانتها واهميتها في تاريخ الشعر الروسي، وهي القصائد التي ابدع فيها درجافين في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في روسيا، واصبح – ولحد الان ونحن في عام 2023 – واحدا من ابرز روّادها الاوائل، وهذه القصائد هي التي اوصلته الى الاوساط العليا، وجعلته يشغل تلك المناصب الكبيرة الاهمية في الامبراطورية الروسية (منها وزير العدل في تلك الامبراطورية الواسعة !)، وذلك بعد ان اطلعت على تلك القصائد الامبراطورة يكاترينا الثانية  بنفسها، وجعلته قريبا من الاوساط الحاكمة العليا آنذاك، وهذه ظاهرة نادرة جدا في تاريخ الادب الروسي (والادب العالمي ايضا)، وتستحق هذه الظاهرة الدراسة المعمقة من قبل المتخصصين العرب لتحديد ابعادها كافة واستخلاص دروسها .

تحتفل روسيا رسميّا هذه الايام بمرور 280 سنة على ميلاد درجافين، ونود ان نتحدّث في مقالتنا هذه عن ابرز نقاط هذه الاحتفالات، والتي تعني – فيما تعنيه – ان روسيا تتذكر مبدعيها كافة ولا تنساهم، وتحتفل في كل مناسبة من مناسبات مسيرة حياتهم بشكل حضاري واسع النطاق، وتربط حتما تلك الاحتفالات بواقعها المعاصر ومشاكل عصرها الحالي، و شئنا ام أبينا، تبرز امامنا رأسا (عندما نرى هذه الاحتفالات في روسيا او غيرها من البلدان المتقدمة) ما يحدث بالنسبة لمبدعينا كافة في العراق او عالمنا العربي الكبير بشكل عام، هؤلاء المبدعين المنسيين – مع الاسف الشديد - حتى اثناء حياتهم بيننا،  والذين لا يذكرهم أحد بعد رحيلهم، ونظن، انه لا توجد ضرورة لذكر الاسماء طبعا، اذ يعرف جميع القراء مأساة هؤلاء المبدعيين المنسيين في بلداننا.....

ولد غافريل  رومانوفيتش درجافين عام 1743، ومرور 280 عاما على ميلاده لا تعتبر مناسبة تقتضي الاحتفالات الواسعة بها، اذ ان ذلك يحدث عادة عند مرور قرن او قرنين...الخ على ميلاد المبدعيين، ولكن الاوساط الثقافية الروسية، مع ذلك، تحدثت عن هذه الذكرى بشكل لافت للانتباه، مؤكدة على الجانب الوطني في شعره، فهو، مثلا، اول شاعر روسي استخدم كلمة (الوطن) بالمفهوم المعاصر لهذه المفردة في ابداعه، وربما يوجد من يقول، ان الصحافة الروسية تريد ان (تستخدم!) درجافين لاهداف سياسية معينة ترتبط بالاحداث الروسية اليوم، ويقصد هذا القائل طبعا  الحرب الروسية – الاوكرانية ونتائجها الواضحة المعالم على المجتمع الروسي، ويمكن اجابة هذا القائل هكذا -  وهل في ذلك ضير ؟ أليس من حق روسيا ان (تستخدم !) مناسبات ترتبط باسماء مبدعيها لتتحدّث عن تاريخها وعن حاضرها، وتخطط لمستقبلها عبر تلك الاحتفالات،المرتبطة بمبدعيها ؟ والجواب واضح عن هذا السؤال - طبعا من حقها، ويقول البعض - لكن الحديث عن درجافين اصبح مباشرا جدا، اذ يؤكدون في هذه المناسبة على اسم الامبراطورة يكاترينا الثانية، وكيف انتصرت على اتباع الامبراطورية العثمانية في حرب القرم، وكيف اصبح القرم منذ ذلك الانتصار في ذلك الزمن البعيد  جزءا من الامبراطورية الروسية، وان القرم الان هو احدى القضايا المطروحة بحدّة عالميا في احداث اليوم بين روسيا واوكرانيا، والتركيز على ذلك واضح  في مثل هذه الاحتفالات، وكل ذلك صحيح، وكل ذلك مقبول ومفهوم  في هذه الظروف المتشابكة والصعبة، فدرجافين يرتبط بشكل مباشر بهذه الاحداث .

ختاما لهذه السطور،  نرى، انه من الضروري الاشارة الى عمل جميل وفريد ضمن هذه الاحتفالات، وهو ما قامت به المكتبة العامة في بطرسبورغ، اذ نظّمت تلك المكتبة العامة المعروفة معرضا خاصا بهذه المناسبة للكتب التي أصدرها درجافين اثناء حياته والمصادر التي تناولت  ابداعه وتحدّثت عن مسيرته ومناصبه الرفيعة العديدة، وقد نشرت جريدة (ليتيراتورنايا  غازيتا) الروسية الاسبوعية خبر هذا المعرض  تحت عنوان  -  (المحافظ والوزير والعبقري)، وهو عنوان يلخّص فعلا مكانة درجافين في تاريخ روسيا وفي تاريخ أدبها ايضا، وتوقفت الجريدة بتفصيل عند بعض تلك المعروضات ونشرت صورا عديدة لها.

***

أ.د. ضياء نافع

في المثقف اليوم