شهادات ومذكرات

حول وفيّة ابو قلام.. مرة اخرى

ضياء نافعلم أكن أتوقع ردود الفعل الكثيرة والمتنوعة حول مقالتي عن المرحومة الشاعرة وفيّة ابو قلام (انظر مقالتنا بعنوان – عراقيون مرّوا بموسكو (27) – د. وفيّة ابو قلام)، ولهذا اكتب هذه السطور عنها مرة اخرى، في محاولة للرد على تلك الآراء المتنوعة او مناقشتها في الاقل، والتي أثارها طبعا اناس يهتمون (سلبا او ايجابا) بوفيّة ابو قلام ومكانتها بمسيرة العراق في القرن العشرين، وهذا الاهتمام بحد ذاته يعني، ان وفيّة ابو قلام تستحق ان نكتب عنها ونحدد موقعها في مجتمعنا لانها متميّزة فعلا .

النقطة الاولى في تلك الملاحظات جاءت حول دورها في العراق الجمهوري قبل وصولها للدراسة في جامعة موسكو، وهذه النقطة ترتبط طبعا بالمواقف الذاتية، بل والشخصية للمعلقين . قال احدهم مثلا، ان وفيّة لم تكن معروفة ابدا، وانها برزت عندما بدأت تلقي قصائدها في المحكمة ليس الا (والتي طالبت فيها بالاعدام لمتهمين لم تنته محاكمتهم بعد، والمتهم برئ الى ان تثبت ادانته كما قال)، اي انها حازت على الشهرة لاسباب سياسية بحتة، وليس لانها شاعرة، وحتى لو كان الامر كذلك فعلا، فان ذلك يعني انها استطاعت ان تجد طريقة ناجحة ومتميزة واصيلة للتعبير عن الاراء السياسية التي كانت تعتقد بصحتها، وهو ما جعلها مشهورة ومتميزة في المجتمع العراقي . أشار قارئ آخر الى انني لم أبيّن بوضوح وكما يجب موقف وفية السياسي، بل انه قال انني ذكرت حتى اسم المحكمة بتسلسل غير موضوعي، اذ ذكرتها هكذا - (محكمة الشعب ثم المهداوي ثم العسكرية العليا الخاصة) . ان هذا الموضوع كان بعيدا جدا عن هدف تلك المقالة، اذ اننا نسعى في هذه السلسلة من المقالات الى الحديث عن العراقيين الذين مرّوا بموسكو فقط ، لاننا نرى، ان العراقيين خارج العراق ومسيرتهم واعمالهم وسلوكهم ...الخ، هو جزء لا يتجزأ من تاريخ العراق المعاصر، وذلك لأن الشخص  خارج بلده يظهر خصائصه بشكل أكثر وضوحا ودقة، ولا تهدف تلك المقالات الى توضيح او تحديد مؤسسات داخل العراق ودورها ومواقفها السياسية . أشار قارئ آخر الى ان وفيّة كانت (سياسيّة صغيرة ليس الا ولا تستحق الكتابة عنها ابدا)، وقد ذكّرني هذا القول بما كتبه مرة صحافي عراقي اسمه خالد الدرّة في جريدته (الوادي) ببغداد عام 1960 ساخرا (اثناء قمة الصراع الشيوعي – القومي الذي انتهى باحداث 8 شباط 1963 التراجيدية الرهيبة) عن فريق نسائي يلعب كرة السّلة وكان برئاسة نزيهة الدليمي، ووضع وفيّة ابو قلام في الموقع الثاني بعدها، واود ان اشير، الى ان موقف الطرفيين هنا متطرف جدا وغير موضوعي بتاتا وينطلق من المثل العراقي العتيد والشهير - (لو طخّه لو اكسر مخّه!!!) .

 واعترض أحد القراء على صفة (.. الساذجة الى حد ما ..) التي ذكرتها في مقالتي، واود ان احكي له قصة احد الاصدقاء حول وفيّة، اذ كان مع مجموعة كبيرة من الطلبة العراقيين في حفلة (وكانت هناك حفلات كثيرة للطلبة الاجانب)، وتنتهي هذه الحفلات عادة بالرقص في صالة كبيرة، حيث تعزف فرقة موسيقية، ويرقص الشباب بكل احترام، وقد رأى هذا الشاب ان وفية كانت تجلس في احدى زوايا القاعة وتنظر الى الراقصين ليس الا، فذهب اليها ودعاها وبكل ادب للرقص (توجه اليها بقوله ست وفية، وقد جرى هذا الحادث امامي)، لكنها رفضت، وقالت له، ان محمد علي الماشطة (وهو اول رئيس لرابطة الطلبة العراقيين وأبرز المؤسسين لها) قد دعاها للرقص مّرة في احدى الحفلات ورفضت، وان وجدي شوكت سري (وهو ثاني رئيس للرابطة) قد دعاها للرقص ايضا في حفلة اخرى ورفضت، فكيف توافق على الرقص معه الان ؟ وابتسم صاحبنا وتركها طبعا، وعاد للرقص مع الروسيات . لقد ضحكنا عندها آنذاك، وقلنا جميعا، ان وفية امرأة ساذجة ولم تقصد اي شئ من جوابها ذاك، رغم ان البعض قال انها ارادت ان تتباهى (كأي امرأة اخرى!) بتلك الاسماء، فقلنا لهم ان ذلك بحد ذاته سذاجة ايضا ليس الا . ان صفة (السذاجة) ليست سمة سيئة ابدا بل بالعكس، اذ انها تعني هنا البساطة، وان وفيّة كانت امرأة بسيطة جدا، وهذه الصفة تتعارض مع طبيعة السياسة وألاعيبها والتي تقتضي من الانسان ان يكون (مشيطن!) كما نقول بلهجتنا العراقية، وهو ما اردت ان اذكره في مقالتي عنها دون الاشارة الى كل تلك التفاصيل وغيرها طبعا .

اكرر – ختاما – ما ذكرته في مقالتي السابقة عن احترامي الشديد للمرحومة الشاعرة الدكتورة وفيّة ابو قلام، واكرر الدعاء بالرحمة على روحها والذكر الطيّب والعطر لها ...

 

  أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم