شهادات ومذكرات

علي حسين: عندما تعيش مع كتاب تخاف منه !!

أقف في المكتبة المكتضة بالعناوين، أدير مناقشةً مع أحد الزبائن حول كتاب "اصل الانواع" لتشارلز داروين، يسألني عن ثمن الكتاب، وهل توجد نسخة ملخصة منه، لم يتقبل الزبون مبرراتي بقراءة الكتاب الذي لم اقرأه انا في تلك الفترة، كانت تنتابني نوبة من الحماس عندما يطلب مني زبون أن اختار له كتابا ما، كنت الح بأن قراءة الكتاب الاصلي افضل من قراءة الملخص، قال لي وهو يلقي نظرة على الملخص الموجود على ظهر الكتاب:  احتاج كتاب يشرح لي مجلد داروين الضخم هذا . ثم اضاف:  احب قراءة ملخصات الكتب ليكمل بعدها قائلا: " لا أملك الوقت اللازم لقراءة كتب كهذة، واشار بيده الى بعض الكتب المجلدة .

طوال سنوات عملي في المكتبة لم اسمع قارئ يقول انه قرأ كتاب " اصل الانواع " من الجلاد الى الجلاد، كان المقربين من داروين يشكون من ضخامة كتابه، وفي رسالة يوجهها له صديقه توماس هنري هكسلي يخبره فيها ان كتاب اصل الانواع: " من أصعب الكتب استيعابا "، ومع ذلك فهو كتاب تتلاقفه الايدي منذ أن صدرت طبعته الاولى في الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1859 وكانت عدد النسخ " 1250 " نسخة، لم يكن الناشر متأكدا من اقبال القراء على مثل هذه النوعية من الكتاب، إلا ان النسخ بيعت جميعها في اليوم الاول .

ثمة مفاجأت اخرى تنتظر تشارلز داروين، فسيكتشف ان كتابه قسم القراء بين مؤيد لنظرية التطور، وبين من اعتبر المؤلف زنديق يجب الاقتصاص منه. يكتب الى احد معارفه: " لا عجب ان يكون مصير كتابي هذا كمصير غيره من الكتب التي يساء فهمها " .

قال لي ذات يوم الروائي الراحل غالب هلسا أن بعض الكتب ترغمك على تصفحها وقراءة بعض صفحاتها، بالنسبة الى" اصل الانواع " لا تكمن قوته بحجج داروين العلمية، وإنما بالجدال والشائعات التي لا تزال ترافق الكتاب .

في مقالته حول جمع الكتب يشير الفيلسوف الالماني والتر بنيامين الى ان معظم محبي الكتب قد قرأوا في افضل الاحوال 10 في المئة من مكتباتهم، ويؤكد بنيامين ان الروائي الفرنسي الحائز على نوبل انانول فرانس كان يملك مكتبة ضخمة وذات يوم طرح عليه السؤال المعتاد:  هل قرأت كل هذه الكتب سيد فرانس، فكان جوابه: " ليس عُشرهم لا افترض انك تستخدم أواني الخزف كل يوم " –مكتبة هتلر الشخصية ترجمة سارة جمال– .

كان جبرا ابراهيم جبرا يقول ان فن جمع الكتب يُصبح ناضجا بمرور السنين، فنحن في بداياتنا نختار كتب من كل نوع وشكل، ومع مرور الوقت لن يسمح لأي كتاب بالدخول دون قرار حاسم بقراءته . في صباي كنت اقدر الكتب لاسباب معينة، اللغط الذي يدور عنها في المكتبة، الغلاف الانيق، اسم الكاتب الذي تلهج به السن الزبائن . اصبحت حيازة الكتب غاية في حد ذاتها بالنسبة لي، كان هناك تسارع تنمو فيه مكتبتي البيتية بشكل تدريجي، حيث امتلأت خزانة صغيرة، بعدها تراكمت الكتب في اكوام موزعة في ارجاء الغرفة، ذات نهار سياخذني والدي إلى محل نجارة في احد شوارع البتاوين، تحدث مع النجار عن مكتبة خشبية بأرفف، وكنت انا غارقا في تخيل شكل المكتبة التي ساصبح من خلالها صاحب مكتبة خاصة .

في طريق العودة قلتُ لوالدي بحماس صبياني:  " سيأتي اليوم الذي املك فيه كتبا اكثر من المكتبة التي اعمل فيها .

تَطلَّع إليّ وهو يبتسم من سذاجتي:  نعم ! سنحول البيت من اجلك الى مكتبة .

في هذه السنوات لم تكن قراءاتي غير مراقبة من شقيقي الأكبر، اتذكر عندما قال لي قريبي صاحب المكتبة ان كتاب اصل الانواع لا ينفع لصبي بعمري، آنذاك كنت اتوجس خيفة من بعض الكتب، ولا اجرؤ على تصفحها اثناء العمل . وكان امرا غريبا بانني لم احصل على اجابات بخصوص الكتب التي يجب ان لا اقترب منها، لكني اتذكر في يوم من الايام، ذهبت الى الكشك الواقع مقابل نصب الحرية والذي كان يملكه الراحل حسن عذافة، قبل ان ينتقل الى الجهة المقابلة ويفتتح مكتبة النهضة العربية، كان الكشك اشبه بمغارة علي بابا، مليء بالنفائس، ولان صاحب الكشك صديقا لعائلتي فقد استغرب عندما اعطيته ثلاثة اوراق من فئة الربع دينار وطلبت منه نسخة من كتاب " اصل الانواع "، سألني هل ارسلك قاسم ؟ يقصد صاحب المكتبة، أشرت بالإيجاب، وكانت كذبة قبضت ثمنها ربع دينار اعاده لي من ثمن الكتاب ظنا منه ان الكتاب سيباع الى احد الزبائن . اخذت الكتاب بعد ان وضعه لي في كيس وذهبت مباشرة الى البيت، وجدت نفسي في حيرة، لأني لا استطيع أن اقرا " اصل الانواع " خارج نطاق الغرفة التي انام فيها، خوفا من ان اضبط متلبسا بالجرم الشنيع، قراءة كتاب يدعي صاحبه إن الانسان اصله قرد، وهو جدال لا يزال مستمرا كلما شاهد البعض كتاب اصل الانواع معروضا على رفوف المكتبات، بالطبع كنت آنذاك من هذا النوع من القراء، تملكني الفضول لمعرفة اصل الانسان، ولهذا عندما سنحت لي الفرصة ان اختلي بكتاب داروين، لم اهتم للمقدمة الطويلة التي كتبها المترجم اسماعيل مظهر وكانت بعنوان " المذاهب القديمة في النشوء "، ووجدت فيما كتبه من أن: " مذهب النشوء والارتقاء قديم يرجع تاريخه إلى آلاف من السنين، وقد نرى أثره في الخرافات الدينية التي وضعها حكماء بابل وآشور ومصر، فكانوا يقولون بأن أثر الكواكب واشتراك بعضها مع بعض كان السبب في نشوء الأحياء في الأرض"، لم يكن هذا الكلام يهمني، فانا ابحث عن اجابة لسؤال:  هل صحيح ان الانسان اصله قرد ؟، بعدها وجدت نفسي غريبا وانا اقرأ المصطلحات العلمية التي امتلأت بها الصفحات الاولى من اصل الانواع، قلبت المجلد الذي تجاوزت صفحاته الـ " 800 " صفحة، وايقنت ان مغامرتي في فهم الكتاب ذهبت أدراج الرياح، لم أدرك حينها ان الكتاب كتب بلغة علمية لكنها سلسة . كانت عيناي تتوقف على جملة احاول تفسيرها، أو احصاءات علمية . إلاعجاب بالكتب المملة أو الصعبة لا يجعل منك قارئا سيئا، العكس هو الصحيح، لأن هذه الكتب تشعرك بالتحدي .يكتب ديفيد كوامن: " علينا ان لا نغفل الحقيقة في انه ولمئة عام واكثر، قليل من القراء تمكنوا من هضم كتاب اصل الانواع " - داروين مترددا – وبالتاكيد كنت واحدا من هؤلاء القراء الذين سيكتشفون بعد سنوات من القراءة انهم امام أثر فكري عظيم . فكما أن القراءة الاولى لكتاب داروين كانت محبطة، إلا ان القارئ سيكتشف فيما بعد ان بامكانه التعامل مع كتاب لم يحبه في بداية الأمر، وان الصعوبات التي نواجهها مع بعض الكتب تدعونا لأن نتكبد عناء قراءة الكتاب كاملا مرة ومرتين .يكتب جورج اورويل والذي عمل في بداية حياته بائعا للكتب: " كان لدى متجرنا مخزون لافت على نحو استثنائي، ومع ذلك أشك ما إذا كان عشرة بالمئة من زبائننا قد عرفوا كتابا جيدا من آخر رديء، وكان المتفاخرون اكثر شيوعا " – لماذا اكتب ترجمة علي مدن – بالتاكيد كنت في ذلك الوقت من الذين يتفاخرون باقتنائهم اكبر عدد من الكتاب، ومن العشرة بالمئة الذين لا يفرقون بين كتاب رديء وآخر جيد، بدليل انني شعرت بالندم لكوني خسرت مبلغا من المال، وعشت لحظات من الخوف من اجل كتاب غامض كتبه رجل يبدو في صورته المنشورة مع الكتاب اقرب الى رجال الدين .

يكتب سلامة موسى الذي اصبح فيما بعد دليلي لعالم السيد تشارلز داروين ان ما قام به صاحب كتاب " اصل الانواع " يعد من اهم المغامرات الفكرية في تاريخ العالم، فهذا الرجل الذي بيدو في الصورة بملامح إنسان حذر وخجول، برأسه الأصلع ولحيته الكاملة، والذي أوصى بأن يدفن في كنيسة وستمنستر،. الرجل صاحب الوجه الذي يبدو خاملا، يضعه تاريخ العلم بمنزلة واحدة مع كوبرنيكوس الذي نبه البشر لحقيقة أننا لا نشغل وضعا محوريا في الكون. فجاء داروين لينقل ليمتد علم الفلك إلى البيولوجيا.

كتب داروين ذات يوم في أحد دفاتر ملاحظاته:  كثيرا ما يتحدث الناس عن الحدث الرائع لظهور الإنسان العاقل"، لم ينبهر كثيرا ببزوغ " الإنسان العاقل ، ويبين لنا في رسائله ويومياته أنه منذ بداية تأملاته حول كتاب " أصل الأنواع " كان ينكر المكانة المتميزة التي خصها البشر لأنفسهم، وكان يسعى لوضع الانسان في معترك الصراع والتغير.

عندما صدر كتاب " اصل الانواع " للمرة الاولى، لم يكن صاحب دار النشر يتوقع ان هذا الكتاب الذي تبدو على ملامح صاحبة حالة من الشرود ، ستباع جميع نسخه، وان اصحاب المكتباتت ظلوا يلحون بان تطبع نسخ نسخاً جديدة، لتتم اعادة طبعه ثلاث مرات في نفس السنة وتصل مبيعاته في السنة الأولى الى أكثر من عشرة آلاف نسخة، الجميع يقرأ الكتاب أو يتصفحه ثم يسأل نفسه: هل حقاً يريد منا صاحب هذا الكتاب الغريب ان نؤمن اننا جئنا سلالة القرود؟.

كان تشارلز داروين المولود في الثاني عشر من شباط عام 1809، طفلا بليداً، في السيرة الذاتية التي كتبها بفسه يقول: " لا بد أنني كنت فتًى ساذجًا للغاية في بداية عهدي بالمدرسة وذهابي إليها " – تشارلز داروين:  حياته وخطاباته ترجمة الزهراء سامي - . توفيت والدته وهو في الثامنة عمره: " من الغريب أني لا أستطيع أن أتذكر أيَّ شيء عنها سوى الفراش الذي ماتت عليه، وردائها الأسود المخملي، ومنضدة عملها ذات التصميم الغريب" .

في المدرسة يشتكى الأساتذة منه لأنه لايستوعب الدروس، كانت شقيقته الاصغر اكثر نباهة منه، قال له والده ذات يوم: "أنت لاتهتم بشيء غير الكلاب والصيد واقتناص الفئران، وإنك ستكون عاراً على نفسك وعلى أسرتك". إلا أن الصبي لم يهتم لكلام الاساتذة ولا رأي والده، فهو مشغول البال بالحيوانات والنباتات يسجل الملاحظات في دفتر صغير ويكتب في يومياته: "اعتقد إنني متفوق على زملائي في المدرسة من حيث ملاحظة الأشياء التي يخطئها الانتباه بسهولة، ومن حيث ملاحظتها بعناية كبيرة".

أراد الأب أن يصبح أبناؤه أطباء مثله، فأرسل داروين مع شقيقه إلى جامعة أدنبرة لدراسة الطب، وبعد سنتين قرر الأساتذة إنه لايصلح لهذه المهنة فترك الطب، حاول بعدها دراسة القانون لكن المدرسين وجدوه لايستوعب الدروس جيدا، وفي النهاية نجح في الحصول على شهادة في اللاهوت من جامعة كمبردج. كان ينتظر وظيفة قس في أحد الارياف، عندما جاءه عرض مفاجئ حيث دعُي للسفر على متن السفينة"البيجل"التي تقوم بمهمة المسح القومي في المياه الإقليمية. ولم يكن اختيارداروين مرتبط بشغفه في دراسة أحوال النبات والحيوان، لكن قائد السفينة كان يبحث عن شخص يرافقه في السفر بعد أن تركه مساعد القبطان، كانت مهمة قائد السفينة أن يضع خريطة للمياه الساحلية، لكنه كان مولعاً بالبحث عن تفسير ديني للخلق، وبما أن داروين درس اللاهوت فقد قرر قائد السفينة دعوته لمرافقته. قضى داروين على متن السفينة خمسة اعوام من عام 1831 الى عام 1836، كانت رحلة البيجل التي وثقها داروين فيما بعد بكتاب – رحلة البيجل ترجمة مجدي المليجي - - أشبه بمغامرة استطاع من خلالها أن يجمع كميات من العيّنات انشغل معها لسنوات، عثر على مجموعة نفيسة من النباتات البحرية، نجا من زلزال في تشيلي، واكتشف أنواعاً من الدلافين، وطوّر نظرية حول تكوين الشُعب المرجانية، وفي سن السابعة والعشرين من عمره عاد الى بلدته..الشيء الوحيد الذي لم يفكر به وهو على متن السفينة كان نظرية النشوء والارتقاء.. فقد كانت هذه النظرية قد طُرحت قبل خمسين عاماً، فقد كتبها جده الدكتور أرازموس وهو مهتم بعلوم الطبيعة ويكتب الشعر وله قصيدة بعنوان"معبود الطبيعة" يناقش فيها موضوع التطور لكنها لم تثر اهتمام الحفيد، إلا أن الصدفة تلعب دورها حين يقرأ داروين مقاله لهربرت سبنسر عن التطور، فيقرر ان يرسل له رسالة اعجاب، إلا ان الفيلسوف الشهير اهملها ولم يرد عليها ، ثم وقع في يد داروين كتاب توماس مالتوس"مقالة في مبدأ السكن"التي أكد فيها إن الزيادة في الطعام والمؤونة لا يمكن أن تتماشى أبداً مع النمو السكاني لأسباب رياضية، وهو ما أثار انتباه داروين الذي وجد خلال رحلته إن جميع الحيوانات تتنافس على الموارد، وأولئك الذين يمتلكون التفوق الفطري سيزدهرون ويمررون ذلك التفوق الى سلالتهم، بهذه الوسيلة ستتحسن الأنواع. قال داروين وهو يرمي كتاب مالتوس جانباً: "إنها فكرة بسيطة جداً، كم كنت غبياً لأنني لم أفكر فيها".واقتنع داروين أخيراً بأن الأنواع لم تكن دائماً كما كانت منذ الخلق ولكنها خضعت للتغيير.

وعلى مدى خمس سنوات، من كانون الأول عام 1831 إلى تشرين الأول من عام 1836، ظل داروين بعيداً عن المنزل حيث كانت السفينة تجوب جميع أنحاء العالم. كان يشعر بدوار البحر، لذلك أمضى معظم وقته على الأرض، وخاصة في أميركا الجنوبية. كان مراقباً ماهراً لجميع أنواع الظواهر الطبيعيةوالناس وعاداتهم، والنباتات والحيوانات والأحفوريات. جمع الآلاف من العينات وأرسلها إلى المنزل، وكانت كلها مصنفة بعناية. كان يحتفظ بكراسة يسجل فيها ملاحظاته، نشر محتوياتها بعد عودته إلى بلاده .نال كتابه الأول " رحلة على السفينة البيجل الذي صدر عام 1893 شعبية واسعة، وما يزال يمثل رواية كلاسيكية عن واحدة من أهم الرحلات العلمية التي تمّ القيام بها على الإطلاق.

أمضى داروين السنوات القليلة التالية في العمل على العديد من الأشياء التي جمعها في بعثته، وألف ثلاثة كتب. كما تزوج من ابنة عمه إيما ويدجوود، وانتقل إلى منزل كبير في ريف كينت. سيتحول فيما بعد الى متحف، عاني في السنوات الاخيرة من عمره من مرض غامض وكان كثير الشكوى من الامراض، لكنه كان غزير الانتاج من الكتب والمقالات. في هذا المنزل تلقى هديه عبارة عن مجلد كبير بعنوان " رأس المال " ، مع اهداء من كاتب اسمه " كارل ماركس " يقدم نفسه كاحد المعجبين المخلصين، فيرسل داروين رسالة قصيرة الى ماركس يشكره على الهديه ويعتذر عن عدم قدرته قراءة كتب من هذا النوع .

يشرح تشارلز داروين العناصر الرئيسية لنظريته في القسم الأول من كتاب " اصل الانواع"، حيث نجده يناقش الاعتراضات التي يمكن أن تثور ضد نظريته. أما في الأقسام الاخرى من الكتاب، فإنه يخصصها في الحديث عن الجيولوجيا والتوزع الجغرافي للنباتات والحيوانات والحقائق ذات الصلة بعلم الأجنّة.

أما الأساس الذي يبني عليه داروين فرضيته تلك، فيتعلق برصد التغيرات التي طرأت على النباتات والحيوانات الأليفة، لا سيما منها تلك التي يتحكم بها الإنسان. ويقارن داروين ذلك، أي الفروقات في الأنواع الناتجة عن "الانتخاب الصناعي"، بالتغيرات الحاصلة في الطبيعة من دون تدخل الإنسان، أي الناتجة عن "الانتخاب الطبيعي" ليخلص إلى أنه: " حيثما هناك حياة، ثمة تغير وتطور مستمران ناتجان أساساً من الصراع من أجل البقاء، حيث أن الانتخاب الطبيعي يتفحص كل يوم وكل ساعة وفي كل أنحاء العالم، أبسط التغيرات رافضاً السيئ منها ومضيفاً الجيد إليها، عاملاً بصمت ومن دون إحساس على تحسين كل خلية حية"،- اصل الانواع ترجمة مجدي المليجي - وهو يؤكد أننا في الحياة اليومية:  "لا نلاحظ أياً من هذه التغيرات البطيئة أثناء عملها، بل ستلاحظ حين تحفرها يد الزمن على مر العصور" .

احتفظ في مكتبتي باكثر من نسخة من كتاب " اصل الانواع " آخرها الترجمة المتميزة التي قام بها المترجم القدير مجدي المليجي والذي ترجم ايضا موسوعة دارين باجزائها الثلاثة " نشأة الإنسان والانتقاء الجنسي " وكتاب " " التعبير عن الانفعالات في الإنسان والحيوانات"، و" سرد أحداث رحلة البيجل"، لكن لاتزال النسخىة الاولى التي عانيت وانا ادخلها الى غرفة نومي تمثل لي ذكريات جميلة عن مغامراتي مع الكتب، وفي بعض الاحيان انالى صورة الرجل الذي غرد خارج السرب، فادرك ان المعركة حوله وحول كتابه " اصل الانواع " قائمة. فكثيرون حتى بين من يقولون إنهم يوافقون على نظريته عن التطور وانهم معجبون بكتابه " اصل الانواع "، يرفضون الاقكار الجريئة التي كتبها حول " الانتخاب الطبيعي" وينظرون لها بنوع من الريبة، ولهذا فان النقاش حول داروين ونظريته لم ينته حتى هذه اللحظة، ويثبت كل يوم ان صاحب اللحية الكثة البيضاء استطاع أن يغير الطريقة التي ننظر بها الى العالم وكيف نفهم انفسنا .

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم