شهادات ومذكرات

كريم الجاف: في ذكرى الخالد محمد هادي السبيتي (2)

وقائع تاريخ فكري ونضالي غير معلن

رسالة من محمد هادي السبيتي

حدثني أبي قال انه وصلت عن طريق أحد الأشخاص الثقاة رسالة من أبو حسن السبيتي، وقد كانت رسالة حزينة جداً؛ إذ تضمنت في جوهرها بعض تفاصيل زيارته اليتيمة إلى طهران في صيف عام 1980، وقد طلب منه أن يترك عمان والإقامة في إيران من أجل استئناف المقاومة ضد نظام البعث في بغداد، لكنه رفض العرض وفضل البقاء في الأردن.

وفي السياق ذاته يخبر أبو حسن والدي في الرسالة نفسها أنه حصل لقاء مع القادة الكورد في سوريا، وبالتحديد في منزل صديقه السيد مهدي الحكيم، وقد التقي بكاك مسعود بارزاني، ومام جلال، ودكتور محمود عثمان، وقد زرعوا في ذاته الأمل في تأسيس جبهة عسكرية، وبرنامج سياسي موحد لتخليص العراق من نظام البعث على حد تعبيره.

ورداً على رسالة السبيتي التي أرسلت بيد نفس المصدر أخبر والدي السبيتي أنه سيفاجئه بزيارة لعمان قريباً جداً، وطلب منه أيضاً أن يدرس طلب سيد مرتضى العسكري، وأبو زينب الخالصي بخصوص الإقامة في إيران، وأن طلبهم فيه نوع من الخوف علي سلامته الشخصية، وسلامة عائلته إذا كانت موجودة معه في الأردن، ويحلل والدي للسبيتي طبيعة العلاقة الراهنة بين العراق والأردن، ويخبره أنه عندما طلب الأقامة والعمل في الأردن عام 1976 كانت الأردن في حينها على علاقة سيئة مع النظام العراقي، ومن ثم فأنه كان من الممكن أن تقبل الأردن بأي شخص يعمل ضد النظام في بغداد، وأما الآن ونحن نتجه نحو نهاية عام 1980، وأن الحرب مع إيران قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى، فأن هناك إشارات  عديدة عن تلاقي الاستراتيجيات بين العراق والأردن، وقد بدأت العلاقات تتحسن بسبب التحدي الإيراني، ومن ثم من الممكن ان تصبح لتلك المتغيرات تأثير على وجوده في الأردن، ولاسيما أن الاعترافات الاخيرة لعبد الأمير المنصوري التي أخذت منه من دون وعي منه قد تكون فيها معلومات عن طبيعة عمله السياسي ومكان تواجده الحالي، ومن ثم أقترح عليه والدي، إما العودة إلى سوريا، أو لبنان إن لم يرغب  بالإقامة في إيران.

والدي في عمان للقاء أبو حسن السبيتي

في بداية عام 1981 قرر والدي السفر إلى عمان للقاء أبو حسن السبيتي لكن السفر كان ممنوعاً بسبب حالة الحرب بين العراق وإيران، فضلا عن أن جوازه لم يتجدد، وقد كان كاك فرهاد نجل فؤاد عارف هو الذي يتكفل بتجديد جواز سفر والدي، وهو الآن في فترة راحة بعد إجراء عملية قلب له في لندن، ومن أجل تجديد جواز السفر طلب والدي من صديقه أبو عمار رئيس اتحاد نقابات العمال فرع الطرق والجسور ان يتوسط لدى أخيه العميد علي حسين علوان الساعدي (أبو حسين) الذي يعمل معاونا لمدير الأمن العام للشؤون الفنية من أجل تجديد جوازه، وبالفعل تم تجديد الجواز بجهوده النبيلة التي لا يمكن أن تحصل من دون أن يحصل والدي على موافقة السفر التي وفرها له المرحوم عبد الوهاب المفتي؛ وذلك بالذهاب مع رتل الشاحنات المتجهة إلى ميناء العقبة من أجل تحميل المعدات الخاصة بالطرق والجسور وشحنها إلى بغداد.

وبالفعل يذهب والدي مع رتل الشاحنات إلى الأردن ويترك الجماعة ليذهب إلى عمان حيث مكان اللقاء مع السيد محمد هادي السبيتي الذي كان في عمان للمشاركة في دورة لإدارة المنشآت الكهربائية، وقد كان لقاء عشاق فقد طار السبيتي من الفرح لوجود والدي في عمان، وقد أقام السبيتي وليمة عشاء لوالدي وتحدثا عن الكوارث التي حصلت بعد ما تمكن فاضل البراك من القاء القبض على ساعده الأيمن القائد عبد الأمير المنصوري.

يخبر أبو حسن السبتي والدي أنه قبل أن تبدأ الحرب كان في طهران وقد التقى برفاقه السيد مرتضى العسكري، والسيد محمود الشهرودي، والشيخ أبو زينب الخالصي، والشيخ الآصفي؛ وقد طلبوا منه الالتحاق بهم في الجمهورية الاسلامية وقيادة المقاومة ضد النظام من ايران، لكنه رفض رفضاً شديدا قيادتها من الجمهورية الاسلامية في ايران لأنها ستلحق الضرر بشدة بتنظيم الدعوة الاسلامية الذي سيظهر بمظهر مذهبي وهو ما قد لايحصل على أي مصداقية في العراق والوطن العربي، وبدوره يخبره والدي أن رسالة وصلت من الشيخ أبو زينب الخالصي فيها اعتذار شديد من السيد مرتضى العسكري، والشيخ الآصفي، والسيد محمود الشهرودي لما حدث له من مواجهة معهم في مكتب السيد مرتضى العسكري وقد كتب الشيخ الخالصي للسبيتي ما معناه أنهم يقبّلون يده قبل رأسه لقبول اعتذارهم، وينسى ما حدث من جدال عنيف، وبالفعل كما يخبرني والدي أن السبيتي أخبره ان الموضوع قد أصبح من الماضي ولا يستحق الذكر، وأنه يجلّهم كثيراً.

لكن والدي طلب من أبو حسن ترك الأردن والالتحاق إما بزملائه في إيران، وإما الذهاب إلى سوريا فهي أكثر أماناً له ولعائلته؛ وقد أخبر السبيتي والدي بطلب السيد مهدي الحكيم الذي يتضمن التنسيق مع الحزب الديموقراطي الكوردستاني؛ ولاسيما بعد عام من لقاءه كاك مسعود بارزاني في دمشق، وقبلها كاك إدريس بارزاني.

وبعد اللقاء التاريخي يعود والدي إلى بغداد وقد كان قلقاً من وضع السبيتي الذي كان مهموماً، وحزيناً جداً لما تعرض له حزبه من ضربة قاضية على يد الأمن العامة؛ ولاسيما بعد سقوط أشجع رجال حزب الدعوة (عبد الامير المنصوري) بيد أذكى رجال الأمن العامة (د. فاضل البراك)، ومن مواقف رفاقه الذين يطلبون منه الالتحاق بركب الجمهورية الاسلامية من أجل استئناف النضال ضد صدام حسين تحت راية خط الإمام الخميني، وهو ما يرفضه بشدة لاختلاف خصوصية الوضع العراقي عن الوضع الايراني.

أبو حسن السبيتي في بغداد!!!!

حدثني والدي قال: إنه في صيف عام 1982* التقي بصديقه ضابط المخابرات العميد هوشنك سيد أحمد وقد عرض عليه جولة في شوارع بغداد وبالتحديد منطقة الكرادة وجسر المعلق، وقد انتهت الجولة بأحد المطاعم في الكرادة، لكن والدي كان قلقاً جداً من وضع كاك هوشنك النفسي، ووجد أنه يريد أن يقول شيئا مهماً لكنه متردد جداً، وقد حثّه على قول ما في صدره من شيء.

يقول والدي انه بعد أن انتهينا من تناول العشاء وبدأنا بشرب الشاي أخبرني كاك هوشنك أن ابو حسن السبيتي يرسل تحاياه واشتياقه لجنابكم، وقد استغرب والدي من هذا الكلام الخطير الذي يمكن أن يؤدي إلى الموت وفناء العائلة، فوالدي بطبعه الشجاع لايخشى من أي موقف مهما كانت خطورته، لكن تلك المفاجأة سقطت كالصاعقة عليه فتوقف عن الكلام من شدة تلك المفاجأة الأليمة والمرعبة واللامتوقعة معاً، أبو حسن السبيتي في بغداد كيف حصل ذلك؟

وقد سأل والدي كاك هوشنك كيف وصل اليك أبو حسن السبيتي فهو حسب علمي موقوف في مقر المخابرات الأردنية، فأجاب:

لقد تم نقله من الأردن إلى مقر جهاز المخابرات العراقية في بغداد وأنا اليوم بأمر من أستاذ برزان مسؤول على وجوده في السجن الانفرادي بمقر المخابرات، لأن جلالة الملك حسين قد طلب من أستاذ برزان عدم مسه بأي سوء فهو، أي محمد هادي السبيتي كان رجلا صالحاً، ومخلصاً في عمله، ولم يمس أمن المملكة بأي سوء، وقد وعده أستاذ برزان أنه سيكون بأيدي أمينة ولم يتم التحقيق معه بطرق عنيفة.

يرى برزان التكريتي أن مجرد نقل أبو حسن السبيتي من عمان إلى بغداد يعد نصراً كبيراً لشخصه، ونصراً على منافسه فاضل البراك، ولجهاز المخابرات الذي يديره حسب قول هوشنك سيد احمد، الذي قرر برزان أن يجعله المسؤول الأول للحفاظ على سلامة السبيتي، وبالفعل يدخل كاك هوشنك بحوارات عميقة معه وقد شكر السبيتي الله تعالى أن يكون كورديا مسؤولاً عنه في مقر المخابرات، واخبره أنه يحترم الكورد كثيراً، وان لديه علاقات قوية معهم.

يخبر كاك هؤشنك والدي أن السبيتي أنساناً حكيماً وهيبة فهو عندما يناقشه يشعر به أن لديه ثقافة عالية وهدوءا قل نظيره، وقد وثق به بعد أن أخبره أنه عمل في الاستطلاع العميق داخل إيران وقد كان يرسل رسائل رجال الدين من النجف إلى إيران في زمن الشاه، ولاسيما من الإمام الخميني، ونجله السيد مصطفى، وتلامذته من قبيل الشيخ محمد منتظري، والسيد محتشمي إلى داخل إيران وقد تم توقيفه من قبل السافاك الايراني بعد أن كشف أمره.

وبعد هذه المقدمة يخبر أبو حسن السبيتي كاك هؤشنك سيد أحمد أنه هو أيضا كان يؤيد خطوات الأمام الخميني عندما كان يقاوم من النجف نظام الشاه.

يقول كاك هؤشنك لوالدي أنه بعد أن خلق جو الثقة بينه وبين السبيتي إقترح عليه إذا كان يريد لقاء أي شخص في بغداد أو العراق يريد مقابلته، فأنه سيؤمّن له الأمان، (فنحن الكورد لا نخون الأمانة) على حد تعبيره، لكن السبيتي أجابه:

أنا اعلم ما معنى الأمن والمخابرات في العراق، لكني سأغامر واعطيك إسم شخص كوردي أرغب في لقاءه وهو عزيز جداً عليّ، وهو كاك حسين الجاف؛ (أي والدي)، عندها أخبره كاك هوشنك أتقصد كاك حسين الجاف الذي يقيم في شارع فلسطين، ويعمل في الطرق والجسور؟ فأجابه نعم هو ذاك، وأجبته سيكون طلبك ممكناً، إذا وافق اللقاء بكم.

وبالتأكيد وافق والدي على ذلك اللقاء الخطير، فهو مشتاق للسبيتي ومستعد للتضحية من أجله، وقد أخبر وكاك هوشنك أن السبيتي شخصية عظيمة، ويستحق الحماية والآمان وهو؛ أي والدي سعيد أن يكون في قاطع مسؤوليته؛ أي مسؤولية كاك هوشنك.

يرى والدي أن ما يحدث الآن لأبي حسن السبيتي من عناية لهو قدر من الله وليس صدفة، وإلا كيف يمكن أن تحدث ساعة رحمانية لبرزان التكريتي ويختار هوشنك سيد احمد مسؤولا للإشراف على السبيتي، وإن كلا الطرفين؛ أي هوشنك، والسبيتي يرتبطان بعلاقة قوية بوالدي، فذلك هو قدر إلهي بامتياز.

لقاء والدي بأبي حسن السبيتي

لقد أتفق كاك هوشنك سيد احمد مع والدي أن يرسل له سيارة خاصة يوم الجمعة حيث مقر الجهاز يكون أغلب منتسبيه يتمتع بعطلة الجمعة، وأن والدي سيدخل بوصفه ضيفاً على مدير القسم الإيراني في جهاز المخابرات الذي هو بالتأكيد العميد هوشنك سيد احمد، وبالفعل يصل والدي عصراً، وقد كان السائق أحد الموظفين الذين يعملون بأمرة كاك هوشنك، وقد عملوا مفاجئة لأبي حسن السبيتي الذي كان مذهولاً من شدة المفاجأة التي عملها له هوشنك، وقد احتضنه والدي بشدة لدقائق كثيرة، وقد كان السبيتي أنيقا وجميلاً كعادته، لكن لحيته طويلة، وقد شربا الشاي سوية.

يقول والدي: لقد حزنت وبكيت كثيراً لما آلت إليه أمور السبيتي، لكنه؛ أي السبيتي هون عليه وأخبره أنه لما سار على هذا الدرب كان يدرك تماماً هذا المصير الذي يكون أعلى درجاته الشهادة، وقد سبقه على هذا الدرب أبو عصام، والشيخ عارف البصري، وغيرهم من الدعاة.

أثناء اللقاء يخرج كاك هوشنك من المعتقل الانفرادي المخصص لأبي حسن السبيتي من أجل أن يبقى والدي منفردا معه، لأنه لقاء أحبة، وقد سأل السبيتي والدي عن أخبار الحرب المجنونة بين العراق وأيران؟ فأجابه أن إيران قد اخرجت العراق من المحمرة، وقد تعرض الجيش العراقي لخسائر كبيرة.

ويجيب أبو حسن السبيتي أن هذه الحرب من صنيعة الرأسمالية القذرة التي ترى أنه يجب تدمير الإسلام، وبث روح الطائفية بين المسلمين، وقد أخبر والدي انه منذ شهرين في العراق ولا يعلم ماذا يحصل في العالم الخارجي، لكنه يشكر الله تعالى أن الجماعة (جماعة المخابرات) يعاملونني بوصفي أمانة وضعها جلالة الملك حسين عندهم، وأن الأخ هوشنك يتعامل معي في قمة الرقي، وانه لحد الآن لم يتم التحقيق معه.

وبعد الزيارة التاريخية جمع والدي ملابس أبو حسن السبيتي وجلبها إلى البيت التي قامت والدتي بغسلها وكيها عند المكوى في منطقتنا، وقد تم إيصالها من قبل سائق حدده كاك هوشنك، والشيء اللافت أن السبيتي قد طلب من والدي أن لايبلغ أي شخص بوجوده مهما كانت صلته بي، وذلك من أجل أن يظهر أنه مازال في الأردن، وأيضاً من أجل عدم تعرض أي شخص للأذى بسبب وجوده في بغداد الذي من الممكن أن يعرض الآخرين لخطر الموت، فنظام صدام مازال يعدم أي شخص يشك بإنتمائه لحزب الدعوة، وقد التزم والدي بوعده فلم يبلغ أي شخص بوجود السبيتي في بغداد.

وأما كاك هوشنك سيد احمد المسؤول المباشر عن السجن الانفرادي لأبي حسن السبيتي فقد كان يتعامل بإنسانية عالية جداً مع سجينه، وقد كان يرسل السائق الذي حدده لبيتنا من أجل تقديم الخدمات من غسل الملابس، وتقديم بعض الأطعمة بشكل سري جداً.

بقي وضع التواصل مع السبيتي على حاله لمدة سنة، وبعدها تم عزل برزان التكريتي من منصبه كرئيس لجهاز المخابرات، وتعيين اللواء الركن هشام صباح الفخري رئيساً مؤقتاً لجهاز المخابرات وقد كان شديداً جداً؛ ولذلك توقف كاك هوشنك على تقديم التسهيلات التي كانت موجودة في زمن برزان التكريتي، وهنا يخبر والدي كاك فؤاد عارف بالموضوع وطلب مساعدته من خلال الاتصال باللواء الركن محمود شيت خطاب الشخصية الاسلامية والوطنية الذي على صلة قربى باللواء هشام صباح الفخري، وبالفعل يحث فؤاد عارف محمود شيت خطاب بدافع الصداقة القديمة بينهما أن يطلب من اللواء الفخرى التوسط لإطلاق سراحه من المعتقل، أو تسهيل الدخول اليه لتقديم الخدمات له.

لكن محمود شيت خطاب أخبر فؤاد عارف أنه يخشى أن يتوسط للسبيتي ويحصل له مكروه كما حصل مع سيد قطب عندما توسط له من أجل عدم تنفيذ حكم الإعدام بحقه، لكن حصلت موافقته، وقد دخلت مع والدي هذه المرة، بمساعدة كاك هوشنك للقاء السبيتي الذي بدأ يقلق على والدي، لكن والدي أخبره أن كاك هوشنك شخصية نافذة في المخابرات، ومن ثم فإن الأمور تسير بيسر ودقة عالية جداً.

أثناء وجود مام جلال في بغداد من أجل المفاوضات أخبره كاك فؤاد عارف ووالدي بموضوع أبو حسن السبيتي، وطلبا أن يتوسط له عند صدام، وبالفعل يفتح مام جلال موضوع السبيتي مع طارق عزيز، لكن طارق عزيز يغضب بشدة على مام جلال، وطلب منه عدم فتح أي موضوع يتعلق بحزب الدعوة وعملاء ايران، لكن مام جلال كما يخبر كاك فؤاد عارف أنه أخبر طارق عزيز أن السبيتي ليس عميلا لإيران، وأنه التقى معه في دمشق عام 1980، وفيه روح وطنية عالية جداً، لكن طارق عزيز طلب منه عدم فتح الموضوع ويبقى مركزا على المهمة  الخاصة التي جاء من أجلها وهي حقوق الشعب الكوردي في العراق.

فاضل البراك رئيساً لجهاز المخابرات

في بداية عام 1984 يصبح فاضل البراك رئيساً لجهاز المخابرات، وقد عرف بأنه هو الذي تمكن من تفكيك تنظيم حزب الدعوة عندما كان مديراً للأمن العامة عام 1980،وبهذا الصدد يخبر كاك هوشنك سيد احمد والدي أنه حدثت مواجهة بين البراك والسبيتي، وقد تحدث البراك بغرور مع السبيتي، وأبلغه انه لم يعد شيئاً مهماً فالتنظيم؛ أي تنظيم الدعوة قد تم تفكيك جناحه العسكري، وأن رئيس جهاز المخابرات السابق (برزان التكريتي) قد بالغ بأهمية السبيتي وأصراره على إعادته للعراق، وأن القيادة أيضاً قد بالغت عندما منحت مائة دبابة وبعض المدفعية هدية للمملكة الاردنية الهاشمية لقاء إعادة السبيتي للعراق فهو لم يعد فاعلاً مهما في تنظيم الدعوة، ولاسيما بعد تفكيك الجناح العسكري الذي كان يرتبط به.

يخبر كاك هوشنك والدي أن فاضل البراك طلب من السبيتي إن أراد ان يبقى على قيد الحياة، ويلم شمله مع عائلته مرة أخرى، مع وعد بإعادته لمنصب كبير في وزارة الصناعة، أن يظهر على شاشة التلفزيون ليتبرأ من حزب الدعوة، ويقدم ولائه للثورة والحزب، ولقيادة صدام حسين للحرب ضد إيران، لكن السبيتي وقف وقفة شجاعة وأخبر البراك أين ساحة الاعدام؟ أريد أن اشنق نفسي بيدي، ولا أقدم على هكذا تعهد وولاء لعصابة نذر نفسه من اجل القضاء عليها.

ومن الجدير بالذكر أن كاك هوشنك أخبر البراك أن محمد هادي السبيتي هو أمانة الملك حسين، لكن البراك أخبره أن هذا الرجل يجب ان لايبقى حبيساً في جهاز المخابرات فهو من أعمال مديرية الأمن العامة، ويجب ترحيله فوراً، وبالفعل تم نقله إلى مديرية الأمن العامة التي أصبح علي حسن المجيد رئيسها، وأنه منذ ذلك الوقت أختفى نهائياً ولم يعد له أثر مع أن المعلومات التي حصل عليها كاك هوشنك من الأمن العامة أن أبو حسن السبيتي قد بقي على قيد الحياة في فترة إدارة على حسن المجيد، وقد انتقلت إدارة مديرية الأمن العامة بعده إلى عبد الرحمن الدوري عام 1987.

يقول والدي رحمه الله أنه (أنا وهو؛ أي والدي) كنا محظوظين أكثر من عائلة القائد السبيتي الذين لم يشاهدوه، ولم يعلموا شيئاً عن مصيره، وقد كان ذلك بطلب منه، فهو قد إعتقد أنه سيعاد إلى الأردن كون سجله نظيف في دوائر المملكة الاردنية.

بخبرني الأخ والزميل جعفر البهادلي المهتم بجمع تراث الشهيد محمد هادي السبيتي، أنه تم الوصول إلى شهادة وفاة تثبت إعدامه بتاريخ 9-11-1988؛ أي بعد ثلاثة أشهر من وقف إطلاق النار بين العراق وأيران، وهذا يعني أن الشهيد السبيتي قد بقي حياً لأكثر من ستة سنوات في سجون العراق، أي بين سجن المخابرات، وسجن الأمن العامة، وسجن أبو غريب.

***

الدكتور كريم الجاف

أكاديمي- العراق

...........................

* ملاحظة للأخوة الذين يطلعون على المقالة الخاصة بالشهيد السبيتي يمكن أن تكون هناك بعض الاشكالات في التواريخ المذكورة فهي قد اعتمدت على ذاكرة والدي رحمه (1918-1998) الذي سرد تلك الاحداث عام 1987 .

في المثقف اليوم