شهادات ومذكرات

مَاذَا تَعْرِفُ عَنْ قَدْرِي وحِمْدَان؟

بليغ حمدي اسماعيلهل فكرت يوماً في أن تكون فاشلاً؟ بالقطع لم ولن تفكر في هذا، ببساطة لأن كل واحد منا قد تعرض لتجربة أو محاولة فاشلة في حياته، سواء الدراسية أو المهنية أو حتى العاطفية، لكننا دائماً اعتدنا إخفاء هزائمنا المتواترة في هزائم الآخرين، وهي سمة متأصلة لدى المصريين.

لكن هل فكرت يوماً أن تصير عبقرياً؟ نعم فلا تظن أن العبقرية وراثة فطرية، بل هي تكوين وصناعة وإعداد، ولأنك ضحية سياسات تعليمية جاهزة تفتقر التخطيط والمنطق والمنهج والرؤية الاستشرافية، فلا أعتقد أنك فكرت يوماً في هذا. كما أنك في ظل ثقافة تربع على عرشها الوزير السابق الفنان فاروق حسني منذ أمد طويل لا أعرف عدد سنواته لكثرتها وكثرة حوادثها ويومياتها، ومن خلفه من وزراء لم يصنعوا شيئاً للثقافة باستثاء مجهود ضئيل يقوم به بعض الذين لم يسعوا للمنصب على استحياء متعمد، لا يمكن أن تلتقط بعض الأسماء الزاهرة المنسية في تاريخ حضارة مصر.

بالإضافة إلى ما تمارسه بعض وسائل الإعلام الفضائي الفراغي من هوس بكل ما يدغدغ المشاعر ويلعب على العواطف الرخيصة، ويثير مشكلات مثل البالوعات، وحجب المواقع الإباحية، وحرق الأعلام والشعارات الدعائية لبعض أعضاء مجلس النواب وهم يقتربون من مصيدة الحساب في نوفمبر الجاري، واستقبال الفرق الرياضية الفائزة بقوة الحظ بالورود. فكل ما سبق يجعلنا مضطرين إلى الجهل بقامات وهامات فكرية وحضارية في مصر المحروسة.

التاريخ يكتبه أحمد قدري:

ومن بين هذه القامات ما أردت الحديث عنه في عجالة وهو الدكتور أحمد قدري أحد الضباط الأحرار فى حركة 23 يوليو 1952وعالم المصريات المشهور فيما بعد ورئيس هيئة الآثار المصرية الأسبق. ولأننا نمتلك بحق ثقافة عميقة تتمتع بتناقض شديد في الاحتفاء بشخصياتها، على سبيل المثال الاحتفاء والاحتفال بالشخصيات الرياضية والفنية، نجد إهمالاً وتجاهلاً مقصوداً تجاه بعض الشخصيات مثل هذا العالم الجليل، الذي أثرى الحياة الثقافية والأثرية بأعماله ومؤلفاته الأكاديمية.

وفي الوقت الذي يتمتع به كثيرون الآن بالنرجسية تميز هذا الرجل بالتواضع الشديد وهو يشرف على مشروعات إنقاذ معابد فيلة و النوبة في المدة من 1970 إلى 1977 في إطار الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة مع اليونسكو. دون التفكير في نقل تمثال رمسيس الثاني من مكانه، أو إقامة فنادق ربحية تحجب علاماتنا التاريخية كقلعة صلاح الدين، وكأنها مؤامرة لطمس هويتنا التاريخية والحضارية، لاسيما أننا منذ وقت طويل لم نشيد صرحاً عملاقاً يكون شاهداً على تاريخية مصر حتى الآن.  والأغرب في سيرة الدكتور أحمد قدري أن منظمة اليونسكو والتي فشل الوزير السابق فاروق حسني في الفوز بمنصب مديرها، لجأت إليه بشأن الإشراف على إدارة التراث العالمي لمشروعي إنقاذ آثار مدينتي صنعاء باليمن الشمالية و فاس بالمملكة المغربية .

وفي نفس الوقت الذي نكتفي فيه بمشاهدة آثارنا الهاربة والمهربة إلى متاحف العالم، أسهم هذا الرجل في تسوير و تبويب و إغلاق شارع الرفاعي  المحصور بين مسجدي الرفاعي و السلطان حسن حيث كان شارعا مسفلتاً تمر منه السيارات و المواصلات العامة فتم جعله للمشاة فقط و تم تسويره بأسوار معدنية حديدية سوداء و تبليطه للمشاة كدرجات بالحجر الجيري الأبيض الضخم .

وما أجمل الدكتور أحمد  قدري حينما يتحدث عن الوطنية عندما قال إن الوطنية مفهوم ثقافي، من هنا لا يمكن أن نتصور وطنية بدون رؤية ثقافية، و بدون فهم و بدون ارتباط فكرى بالمكان و التاريخ، و الوعي التاريخي جزء مهم جداً من الشعور بالوطنية. أما اليوم فالوطنية لا تعني سوى تعليق الأعلام المصرية الصينية الصنع فوق شرفاتنا، وعلى زجاج سيارات شباب الفيس بوك، حتى أن أكثر الأشياء التي أضحكتني عند زيارتي مؤخراً لمدرسة سمعت فيها تلميذا صغيراً ينظر إلى العلم القديم والممزق فوق ساريته وهو يقول لزميله: أنا شفت العلم ده في ماتش محمد صلاح .

الله على الوطنية التي نكرسها في نفوس النشء بمدارسنا، فالعلم قديم وممزق، وكل ما يعرفه غير عن منتخب بلاده أنه فريق أبو  تريكة، مع احترامي الشديد للاعب على سلوكه وأخلاقياته الرفيعة .

ومن أبرز ما ذكره هذا الرجل العالم هو إن التاريخ هو الذاكرة الجماعية للشعوب، و إننا إذا تصورنا إنساناً بلا ذاكرة فلا نستطيع أن نتصور شعباً بلا ذاكرة جماعية، و إن عدم الوعى بالتاريخ يمثل خللاً خطيراً فى القوام الوجداني و الفكري لأى شعب من الشعوب. إن الأوهام التى تترسب فى وجدان شعب غير واع ٍ عن تاريخه و الأخطاء و المفاهيم الخاطئة التى يتصورها، كل هذا يشكل عبءً على ضميره و عبءً على وجدانه و عبءً على فهمه الصحيح للأشياء، فمن خلال الوعى التاريخي يتطور مفهوم هذا الشعب.

ولأننا اعتدنا أن نقدم كبش فداء لكل كوارثنا طبقاً للإرث التاريخي منذ عروس النيل، فكان الدكتور أحمد قدري ضحية سقوط قطعة حجر من كتف تمثال أبي الهول بعد أن أتهم في سقوط هذا الحجر من كتف وقامت الدنيا ولم تقعد إلا علي جثة الدكتور قدري  .ووفقاً لهذا المنطق علينا أن نحاسب نابليون بونابرت وجنوده لأنهم تسببوا في سقوط أنف أبي الهول، وكذلك نحارب عوامل التعرية لأنها أسقطت أجزاء من جسده.

وبقي أن نذكر أن من إنجازات هذا الرجل هو حديقة الخالدين، وحديقة الحوض المرصود، وصدور عدد كبير من السلاسل الثقافية وقت ما كان المصريون يقرأون مثل سلسلة المائة كتاب، وسلسلة الثقافة الأثرية والتاريخية، بالإضافة إلى أعمال الترميم التي أقيمت في عهده مثل قبة المدرسة الجوهرية الملحقة بالجامع الأزهر‏، و مسجد محمد علي وبئر يوسف‏، ومسجد الناصر محمد بن قلاوون بالقلعة، وسور مجري العيون‏،وقلعة قايتباي برشيد، و‏مسجد القاضي يحيي بباب الخلق‏، ومسجد أحمد بن طولون، ومن الآثار القبطية قام بترميم ‏دير ماري جرجس بأرمنت، دير الشهداء بإسنا‏، ودير العذراء بأخميم. ‏‏

وإنه من الخجل أن نعلن صراحة بأن المبدع في ظل هيمنة تسييس الثقافة صار موظفاً، وأن الإبداع الذي كان قديماً حالة انفراد وخصوصية وإشراق صار عملاً روتينياً قد تحركه الأهواء والمزاعم والغايات الشخصية.

ولقد فاجأني صديق بسؤاله عن رأس الفارس النبيل سليمان الحلبي الموجودة بصندوق زجاجي بمتحف اللوفر وهل من الممكن المطالبة باسترجاعها وعودتها إلى مصر، ودون تفكير عميق أو طويل تذكرت ما قاله الدكتور قدري عن الوطنية، واكتشفت حجم التجاهل والإهمال لرموزنا الحضارية وهم بين أيدينا، فكيف نهتم بشئ منذ قرون مضت.

الفارِسُ .. جَمَال حِمْدَان:

وربما لا تغيب عن ذهنيتنا العربية الأصيلة صورة العبقري الجغرافي الدكتور جمال حمدان الفارس الذي تصدى للكيان الصهيوني بكتاباته الفريدة التي قال فيها عن كيان يبدو خبيثا أن السرطان الإسرائيلي سرطان مدني وطائفة خلاسية من طفيليات المدن بلا جذور بيئية . وهو نفسه الذي يرصد ويصف ويجيد في توصيفه للكيان الصهيوني بأن إسرائيل من وجهة وعلى أساس جغرافية المدن ليست في الحقيقة إلا مدينة شيطانية ضخمة تجمعت فيها " حثالة مدن " العالم، وأن المدينة الإسرائيلية ليست إلا استقطابا " لحارة اليهود " في العالم ابتداء من الملة المغربية إلى القاع اليمني، ومن حارة اليهود الألمانية إلى الجيتو الأوروبي.

إنه جمال حمدان الجغرافي الذي فاق خبراء اللغة وأساطينها بأسلوبه وتراكيبه الفريدة، من مثل عباراته الاستثنائية المحفوظة والمسجلة تاريخيا باسمه كـ " مشاتل للتخمر السياسي ومواطن للوعي القومي "، وعبارته " بوتقة للانصهار الحضاري وجبهات للتصادم الجنسي "  باختصار هو أكاديمي يماثل المتصوفة في عزلتهم، حيث لا يشوبه التقصير في مشروعه الوطني المخلص، وباختزال لا يتعريه طول التفسير في توصيف قضايا الجغرافية والسياسية، هو بحق  فارس المكان، وهو وفقا لتقدير معاصريه وربما أيضا منتقديه وأعدائه وخصومه المهمشين الذين نسيهم كتاب التاريخ في الذكرى ـ البوصلة القادرة على التحشيد بغير انتفاضات شعبية نحو عشق الوطن وافتراس تفاصيله الجميلة بجنون، جمال حمدان حينما نتكلم عنه فإننا لا شعورياً نتجه باتجاه الوطن ونلامس أراضيه، وتأبى اللغة أن تتحدث عنه بلغة نثرية علمية جافة بل تجبرنا كتاباته ومسيرة حياته أن نتخلى ولو نسبياً عن جفاف اللغة العلمية ونلجأ إلى اللغة الشاعرية التي بحق تناسب مقامه ومكانته وتوازي عشقنا وعشقه للوطن.

إن ما يميز الجغرافي العربي الدكتور جمال حمدان ليس كتاباته الجغرافية الأكاديمية التي لا تهم سوى جملة قليلة من المتخصصين، لكن تلك الوصايا الاستثنائية المهمة التي تفيد أصالة التكوين العربي وهويته الأصيلة القوية وكيفية الحفاظ على مقوماتها، وتلك الأسلحة الثقافية والحضارية المهمة الكفيلة بالتصدي للكيان الصهيوني وتبدو مشكلة من تصدى لكتابات جمال حمدان أنه قصر النظر والتأويل على الاهتمام بالموقع الجغرافي وحدود البلدان وطبيعة الأنهار والنمو المدني والريفي للسكان بغير إطلالة مباشرة على الدور الريادي لجمال حمدان في تأصيل الكراهية الصهيونية للعرب والعروبة بوجه عام، وبتقدير هذا الكيان الصهيوني الذي يعطيه بعض العرب مكانة لا يستحقها لا سياسيا أو حضاريا.

رَسَائِلُ الجُغْرَافِيِّ:

والمدهش أن قراءتنا بغير تأويل أو عقد نقدية تجرنا لمساحات بعيدة عن الوطن، لكتابات المفكر الجغرافي الدكتور جمال حمدان هي قوة إجبارية تفرض علينا التفكير في واقعنا المصري المتسارع سياسياً والبطئ نحو النهضة والارتقاء، فجمال حمدان من خلال ما سطره من كتابات مثل الموسوعة العبقرية شخصية مصر، والقاهرة، والعالم الإسلامي المعاصر، واستراتيجية الاستعمار والتحرير، والمدينة العربية، وكتابه المتميز عن اليهود كلها تؤكد أولاً نظرته العميقة للمستقبل وكأن ما سطره كان أشبه بصيحات التحذير لما نحن فيه الآن من أزمات ومثالب سياسية واجتماعية.

فمكانة مصر التاريخية والاستراتيجية الراهنة تجدها في هذه الكتابات المتميزة، التحذير من فوضى التعصب والتطرف تلمسها في سطور متناثرة خطها بقلمه حينما تحدث عن وسطية هذا الوطن العظيم، فهو يقرر أن مصر لموقعها الجغرافي المتوسط بين قارات العالم اتخذت لها موضعاً أكثر وسطية، ونجحت بالفعل لسنوات بعيدة أن تحافظ على هذه الخصوصية التي تحتوي متناقضات ومتضادات عجيبة في صورة أعجب وأبلغ، وإذا استقرأنا مهاد مصر لاكتشفنا أنها لم تعرف أبداً طوال تاريخها الضارب في القدم أنصاف الحلول أو المغالاة في التمايز لطرف في أقصى اليمين أو أقصى اليسار، بل كانت وسطاً دائماً في النظرة والتفكير والاختيار، وربما هذه الوسطية هي التي أفرزت لنا قاماتنا الفكرية بتعددها الأيديولوجي كالشيخ محمد عبده وطه حسين والعقاد وسلامة موسى وزكي نجيب محمود وغيرهم مما تحفظهم الذاكرة .

كما يشير عبقري المكان الدكتور جمال حمدان إلى أن هذه الوسطية التي تميزت بها مصر حفظت لها وحدتها السياسية، مع وجود مساحات متفاوتة زمنيا من الجدال السياسي لا كالذي نشاهده ليل نهار إما في برلمان المرجعية الدينية المنحل، أو في برامج الفضائيات المكرورة التي توصف دوماً بأنها فراغية الجوهر،كالفراغ الذي الذي لا حيز له ونحترف في إهداره بمهارة فائقة تشبه إضراباتنا واعتصاماتنا ومليونياتنا الثورية التي تصيب جسد هذا الوطن بسهام نافذة مميتة .

مِنْ وَصَايَا الفَارِسِ:

استطاع الجغرافي الفريد الدكتور جمال حمدان أن يقدم جملة متميزة من الوصايا للحكومات العربية لاسيما تلك الوصايا التي تتعلق بمشكلاتها الداخلية مثل البطالة على سبيل المثال، وجدير بالذكر ما أشار إليه جمال حمدان في كتابه المدينة العربية بشأن البترول العربي حينما رصد حالة البترول التي توجهها السياسة الاحتكارية الأجنبية ويسلبها إمكانياتها الصناعية .ويشير جمال حمدال إلى حقيقة واقعية لاتزال ممتدة وهي أن المدن البترولية هي مدن تعدين وليست مدن صناعة ويضيف أن أن مصير هذه المدن رهن بمستقبل خزان الزيت الذي تقوم فوقه، ولهذا لا يمكن أن ينتظر لها عمر طويل أو مستقر .

مِصْرُ التِّي فِي خَاطِره:

يؤكد جمال حمدان في مجمل أعماله ويقرر أن مصر محكوم عليها بالعروبة والزعامة، وأن من قدرها أن تكون رأس العالم العربي، وقلبه، وضابط إيقاعه، وفي هذا الصدد يقر حقيقة بالغة الأهمية في ظل ظروفنا السياسية الراهنة وهي أن مصر أكثر من عضو ضخم في الجسد العربي، بل هي رأسه المؤثر، وجهازه العصبي المركزي الفعال والنشط والمحرك. ولم ينس العبقري جمال حمدان مرحلة أكتوبر بانتصاراتها المجيدة فنجده يعتبر مصر أكتوبر دليلاً قاطعاً على الشعب المحارب، وتكذيباً دامغاً لنظرية الشعب غير المحارب.

ورغم هذا العشق المستدام الذي يربط الدكتور جمال حمدان بمصر وطناً ومكاناً متميزاً، نجده شديد التأثر مرارة وحزناً بواقع مصر أيامه والتي تتشابه كثيراً مع واقعنا الراهن المحموم والمستعر غضباً واحتجاجاً، فهو يرى ـ في وقته ـ أن مصر بحاجة ماسة إلى إعادة التفكير وإطالة النظر بعمق وتدبر في كيانها وهويتها ومصيرها، وهذا يدفعنا للتأكيد على أن مصر بعمقها وحضارتها وتاريخها وطن يصعب مراسه وتطويعه ولي ذراعه بتيارات وأفكار تسعى إلى إجهاض تنويره واستنارته، فإن هذا يتطلب مزيداً من العمل الدءوب بشأن تثوير الطاقات المنتجة، والعقول الأكثر إنتاجاً، وهذا لا ولن يتحقق إلا من خلال منطلقات ومرتكزات ثابتة نسبياً تشترك في إطلاقها مجموعة من المؤسسات الرسمية والمدنية وبعض الفئات المنوطة بتطوير هذا الوطن ومنتسبيه.

وها هو عبقري المكان جمال حمدان أو كما يصفه الدكتور محمد عبد الرحمن الشرنوبي بعاشق تراب مصر يكتب عن الخصية المصرية وكأنه يقرأ المستقبل ويستشرفه، وهي قراءة ملؤها الشجاعة في وقت نرى الشجاعة فيها مجرد أصوات عالية وصراخ غير منقطع وممارسات سياسية تستهدف تقويض الوطن ذاته، لكنه في قراءته للوطن مكاناً لم يغفل عن قراءة مرتكزات ومقدرات الوطن البشرية من سكان، ذلك حينما أشار إلى أن الشخصية المصرية تستغل فقط تاريخها حينما تواجه عدواً خارجياً لكنه من الأحرى استغلال والإفادة من هذا الإرث التاريخي في النهوض بالبلاد وفي استثارة عزائمنا الفاترة وفي إدراك مكانتنا والوعي بها باستمرارية بغير انقطاع أو تغييب عمدي ومقصود.

وهو يعمد دائماً إلى استنهاض الطاقات ويحذر من خطر الهروب من الحاضر إلى الماضي، ويشبه هذا الهروب بالمخدرات التاريخية التي تجعلنا أكثر عرضة للافتراس الذاتي لأننا نكون قد تخلينا عن مواجهة الحاضر بإحداثياته ومتغيراته المتسارعة.وليتنا نخجل من أنفسنا ونحن نعيد قراءة الطروحات الفكرية الجغرافية للعبقري جمال حمدان لاسيما وهو يصر على جعل مصر سيدة الحلول الوسطى وملكة الحد الأوسط، وهي أمة وسط بكل معنى الكلمة، بكل معنى الوسط الذهبي، وليست أمة نصفاً، ومصر جغرافياً وتاريخياً تطبيق عملي لمعادلة هيجل تجمع بين التقرير والنقيض في تركيب متزن أصيل .

 

الدكتور بليغ حمدي إسماعيل

 

 

في المثقف اليوم