شهادات ومذكرات

منصور فهمي.. شيخ التفسير السوسيولوجي للنسوية الإسلامية (2)

محمود محمد علينعود ونكمل حديثنا حول ريادة منصور قهمي في تأصيل مفهوم النسوية الإسلامية، وفي هذا نقول مع الأستاذ محمد حربي: " بأن كتاب أحوال المرأة في الإسلام ليس مقالة هجائيّة موجهة ضد وضع المرأة في المجتمعات الإسلامية من أجل إدانته والتشهير به أمام الغرب. وإنّما هو عبارة عن أطروحة دكتوراه نوقشت في السوربون عام 1913 في وقت كانت فيه أطروحات الدكتوراه تمثل عملً علميًّا جادًّا يتمتع بكل مواصفات الدراسات الأكاديمية الصارمة. وكان يمكن لهذه الأطروحة أن تختفي تحت أنقاض الدراسات الجامعية الأخرى، لولا أنّ حراس النظام التقليدي القديم قد هاجموها وصبّوا عليها جام غضبهم. وهم بذلك أشهروها على غير علمٍ منهم، وأتيح لها بالتالي أنْ ترى النور وتنتشر بين الناس.

وفى الواقع إنّ منصور فهمي كان قد تعّرض للهجوم فور عودته مصر. فقد شهّر به بعض الصحفيّين الذين لا ضمير لهم. وحرّضوا عامة الناس عليه لكي ينتقموا منه. وممّا يؤسف له أنّ السلطات الجامعية قد انحنت بكل عار أمام هذه الحملات الصحفيّة الكاذبة، ولم تفعل شيئًا للدفاع عن أحد أعضائها: الدكتور منصور فهمي. وقد تمّت محاكمته بناء على تقرير لئيم ومغرض يقول ما معناه: إنّ المدعو منصور فهمي قد ناقش فى فرنسا أطروحة دكتوراه مضادة للإسلام ونبيّه، وذلك تحت إشراف " أستاذ يهودي " يُدعى ليفي برول! وهكذا اضطهد منصور فهمي وأزيح عن التدريس الجامعي في مصر، ولم يعد إلى الجامعة إلا بعد ثورة 19 19. ولكن يمكن القول بأنّه قد نسي من قبل الناس ولم يعد موجودًا كمفكر بعد عودته تلك. فقد حطمته الرقابة الصارمة والضغوط الاجتماعية وقضت على آماله وأحلامه في التقدم والبحث العلمي. إنّ من يجهل الإكراهات اليوميّة الممارسة على الوعي في المجتمعات الإسلامية لا يمكنه أنْ يفهم مسار منصور فهمي ولا مصيره. والواقع أنّه تأثّر كثيرًا من الناحية النفسية بعد أنْ أنكروا عمله واحتقروه ولم تقم له قائمة بعدئذ. نقول ذلك على الرغم من أنّه كان باحثًا صاعدًا يعد بعطاء كبير وذلك حسب قول الأستاذ محمد حربي.

ولم يكن منصور فهمي أول مَن تعرّض لوضعية المرأة ومشكلاتها، فقد سبقه قاسم أمين (1865- 1908) عندما نشر منذ عام 1899 أول كتاب مؤيدًا لـ " تحرير المرأة "؛ صحيح أنّ بعض السوريين واللبنانيين كانوا قد سبقوه إلى هذا العمل، ولكنه كان أول من أمسك بالمقص الكبير لكي يمزق الحجاب الذى يغلّف النساء العربيات ويمنعهن من رؤية النور. إنْ منصور فهمي يعترف بديْنه له، ولكنه يذهب بعيدًا أكثر في الاتجاه؛ حيث يبحث عن أصل الأحاديث النبوية (المتعلقة بالمرأة) في المجتمع الإسلامي في القرن الأول للهجرة، وليس في التركيبة النفسية أو الأخلاقيّة لهذا الفرد أو ذاك. فالمجتمع هو الأساس وليس الفرد. وهو الذي يولد الأحاديث التي تناسبه ويحارب تلك التي لا تناسبه، أو يخفيها ويحجبها، أو لا يعمل بها بكل بساطة. ونفس الشيء يمكن أنْ يقال عن المؤلّفات المغاربية، وبخاصة الأصولية، التي تتحدث عن وضع المرأة انطلاقًا من محاربة الغرب فقط أو كرهًا به. فإذا كان الغرب يعمل كذا فينبغي أن نفعل عكسه .. وهذا الموقف لا ينبغي أن نصدقه بكل حرفيته أو على علاته. فهناك آلاف النساء الشابات اللواتي يخرجن من الأوساط الشعبية واللواتى تلقين تربية عربية أكثر مما هي أوروبية، ومع ذلك فهن يناضلن من أجل التحرر دون أن يكون النموذج الغربي: أو الأوروبي " نصب أعينهن. فهن يثرن ضد سلطة الأب أو الأ خ أو الزوج أو بكل بساطة على ذلك البوليس الأيديولوجي الذي يشكله مفتي التلفزيون أو الراديو، وهو متلصص من نوع جديد؛ وهو أنه أول دعا إلى الأخذ بالرؤية السلفية التي ترتكز على القوامة، وحجاب المرأة وضرورة طاعة المرأة للرجل، بينما الثاني دافع عن الحجاب وتعدد الزوجات. إلا أن فهمي هو أول مَن كتب بمنهجية علمية - من وجهة نظر علم الاجتماع - عن الخطاب الإسلامي وتعامله مع المرأة، مفرّقاً بين الدين والمؤسسة الدينية من جهة، وشخصية نبي الإسلام ونصوصه المقدسة، التي ساهمت بشكل أو بآخر في وضعية المرأة في ظل الإسلام.

وقد ناقش منصور في جرأة غير معهودة كما قبل ـ وقتها ـ عدة قضايا لم يكن أحد يستطيع الاقتراب منها، أو مجرد التفكير فيها بهذه الطريقة ، ونذكر منها علي سبيل المثال مناقشته حول طالب محمد الأزواج المتعدّدي الزوجات بالعدالة بين زوجاتهم؛ حيث يقول منصور فهمي: " هذه القواعد الدقيقة في المساواة بين الزوجات كانت غايتها الحدّ أو الحصر من تعدديّة الزوجات. هنا أيضًا لم يتّبع محمد هذه القوانين ولم يطبّقها على نفسه. فنظريًا مبدأ العدالة بين الزوجات مذكور في القرآن، ولكن عمليًا لم يعامل محمد زوجاته - أمهات المؤمنين - على قدم المساواة . فزوجاته أرسلن يومًا فاطمة - إحدى كريمات محمد - في مهمّه حسّاسة إلى أبيها النبي. قالت فاطمة لأبيها: " زوجاتك يطلبن منك أنْ تعاملهن كمعاملتك لعائشة " . كان من الصعب على محمد - الذي كان مغرمًا كثيرًا بعائشة - أنْ ينحني أمام رغبات زوجاته. ألم يُنعم الله على محمد مقدّمًا العفو عن كل أخطائه التي يرتكبها فى منزله مفضّلاً زوجةً منهن على الأخريات؟ . ومع هذا كان مجمد منصفًا شكليًا معهن . فكان يوزّع وقته بشكل عادل بينهن ولكن قلبيأ لم يدافع عن نفسه لميله وحبّه لعائشة، فواجه ربّه مبرّرأ موقفه قائلاً: " هذا قسمي في ما أملك ولا تلمني فى ما تملك ولا أملك " . وبعبارة أخرى فإنّ محمدًا سيد وقته وأملاكه يستطيع أنْ يقسّم وقته وما يملك بالعدل بين زوجاته بينما القلوب هي ملك الله فلا يستطيع إذن أن يسيطر على عواطفه، فهو الذى حدد تعدد الزوجات للآخرين استثنى نفسه من ذلك . فالرجل المسلم لا يحقّ له أنْ يتزوّج أكثر من أربع زوجات. وكل زواج يجب أنْ يعقد بوجود شهود ودفع المهر للزوجة . وأما محمد فإنّه تزوّج أكثر من أربعة واعفى نفسه من الشهود والمهر.

وحول قضية الدين والتقاليد الاجتماعية فنجد فهمي يفرق بين المحمدية والديانة الإسلامية، فالأولى تتمثل في عقيدة محمد في نقائها الأول، بينما الثانية تعني مؤسسات من أصول شتى‏ ومنابع مختلفة‏،‏ اتخذت بمرور الزمن هيبة القوانين المقدسة.‏ فيؤكد على رغبة محمد الشديدة فى حماية المرأة وصيانتها، لكن المؤسسات الدينية والقوانين الثيوقراطية هي ما أدى إلى انحطاط المرأة، لأنها حوّلت سلطة الأب أو رب العائلة إلى سلطة مقدسة تتماهى مع سلطه الله، وأن هذا الوضع الاجتماعي، ومن ثَم الديني، جعل البيت هو عمل المرأة الوحيد، وكان عليها أن تنزوي فيه قهرا. ويرى أنه «على الرغم من أن الإسلام أعطى للمرأة شخصية خاصة بها، إلا أننا نؤكد أن المرأة بعد الإسلام وُجدت في وضع أكثر دونية عما كانت عليه قبل الإسلام». فإن كانت وضعيتها متدنية نظرياً قبل الإسلام، إلا أنها كان لها حضور اجتماعي، فكانت تشارك في الغزوات وتعمل في التجارة ولها حرية اعتناق الدين الذي تريده. أما بعد الإسلام ومن خلال تفاوت النصوص المقدسة، فالأمر انقلب، فنظرياً كان من المفترض أن تكون في وضعية أفضل، لكن واقعياً واجتماعياً كانت أسوأ بكثير. «بعد انتصار الفتوحات الإسلامية ذبلت شخصية المرأة العربية وتلاشت قيمة وزنها الاجتماعي. إن المؤسسات ذات المصادر المختلفة كتعدد الزوجات والارستقراطية والثيوقراطية، كل هذه عوامل تضافرت لتساهم في مهانة المرأة التدريجية».

وهناك نصوص أخري من هذا القبيل نذكر منها هذا النص:" في أحد الأيام كان محمد مشغولاً بنشر العدالة بين الناس وحلّ مشاكلهم إذ أتته امرأة شاكية قائلة أنّ زوجها ضربها وتطلب منه العدالة. في مثل هذه الحالة كان محمد يطبّق قانون العقوبة بالمثل - شريعة النّحّل - إلاّ أنّه يتردّد في أنْ يعاقب الزوج المتهم بعقاب قاس ويوحي الله إلى محمد بتشريع قانون ينتفع منه الرجل: " الرجال قوامون على النساء. يقول القرآن ". وترفض التهمة عن الزوج. وحكم القرآن هذا ما زال يتردّد على أفواه المؤمنين ويستعمله الرجال ليثبتوا تفوّقهم على النساء وفي لحظة تأمّل كان محمد يفكر في حالة المرأة فيتراءى له أنّ العديد من الرجال برزوا في حياتهم وأنّ القليل من النساء لَمعن . والذي قاله محمد يذكّـر بما قاله الكاهن عضو الإكليروس " بين ألف رجل وجدت واحدًا وبين كل النساء لم أجد واحدة ". يظهر هنا واضحًا التأثير المسيحي لكن لا شيء يبرهن بالتأكيد أنّ محمدًا قد نطق فعلاً بهذه الكلمات. إلاّ أنّ أهمّية هذه الكلمات أنّها تعتبر حديثًا إسـلاميًا أصيلاً.

وحول أسطورة الحجاب فيري فهمي أن الحجاب  هو حصيلة للتقاليد وليس الدين، فالشريعة الإسلامية لا علاقة لها بالحجاب. كما ربط ما بين (العزلة والحجاب والطبقة الاجتماعية) فالحجاب والعزلة لم يُفرضا على الجواري مثلا ـ واقعة عمر بن الخطاب الشهيرة، ونهره الجارية ذات الحجاب لأنها تشبهت بالحرائر ـ ففي العزلة والحجاب تمييز للحرائر كشرف لبنات الطبقات الراقية عن بنات العامة.‏ وقد تطورت هذه الفكرة من ميراث عزل المرأة بعيدا عن الحرب القبَلية،‏ حتى لا تؤخذ سبيّة،‏ أو تُخطف كغنيمة‏.‏ «واستعمال الحجاب لم يكن شاملاً، ولدينا الوثائق التي تشير بالتأكيد إلى أن النساء في تلك الحقبة الزمنية، وفي مجتمع محمد لم يخضعن لاستعمال الحجاب. ومن دون شك فإن عادة الحجاب أخذت، مع مرور الزمن، تعمم وتتوطد مع تقدم الإسلام». فالأمر طبقي بالأساس، حتى إن عزلة النساء «أصبحت مع الزمن شيئاً مألوفاً، وأخذت تُعمم أكثر وأكثر، واعتُبرت في النهاية شيئاً طبيعياً جداً. فالمصطلحات التي تعبّر عنها كانت تستخدم لإطراء امرأة ما، أو عائلة بأسرها.. وحتى حين حكمت مصر في القرن السابع للهجرة الملكة شجرة الدر، فالواعظون في الجوامع لم يجدوا تعبيراً أفضل لإسداء الإطراء للملكة إلا بالحديث عن حجابها الصارم، قائلين (واحفظ اللهم الجبهة الصالحية، ملكة المسلمين عصمة الدنيا والدين، ذات الحجاب الجميل والستر الجليل، والدة المرحوم خليل».

من ناحية أخرى فما ذكره القرآن بشأن الحجاب كان خاصاً بزوجات محمد وليس بغيرهن من المسلمات. كما أن الحجاب لم يكن عادة عربية لكنه أُخذ عن شعوب أخرى مثل الترك والفرس. أما (النقاب)، فيراه الرجل (موضة)، فهو لم يكن يستعمل فى عهد محمد، مستشهداً بابن سيرين ــ من علماء القرن الأول الهجري ــ بأن النقاب لم يكن سوى موضة، تم استحداثها فى النصف الثاني من القرن الأول الهجري. وفي الأخير يرى منصور فهمي أن السبب الرئيسي لانحطاط المرأة هو «فصلها عن الرجل وعزلها عن المجتمع». هذه خلاصة رسالته التي نال من خلالها درجة الدكتوراه، الرسالة التي أنفق فيها من عمره ووعيه خمس سنوات، إلا أنه لم يستطع مقاومة الإرهاب الفكري الذي طاله واتهمه بالكفر والإلحاد، فانعزل تماماً عن دوره التنويري، قاطعاً صلته بكل ما كان يؤمن به قائلاً .. «الخير كل الخير في أن لا تخرج المرأة من البيت ومن ميدان الزوجية ومن ميدان الأمومة حتى تسهر على راحة زوجها، والشر كل الشر هو فى سوق المرأة إلى المصانع والحوانيت مما يتنافى مع قوانين الله والطبيعة. ومطلب المرأة بخلاف ذلك هو مطلب موهوم".

ثم يتساءل منصور فهمي كيف أمكن لهذه النصوص الدقيقة أنْ تفقد قيمتها العملية على الأقل في بعض البلاد الإسلامية وكيف استطاعت عزلة النساء أنْ تصبح صارمة إلى مثل هذا الحد؟ وكيف نفسر تقاليد بعض البلاد المسلمة وبعض الطبقات الاجتماعية التي منعت منعًا باتًا سفور وجه المرأة إلا في حضور الأقارب والأهل.

وهنا يجيبنا منصور فهمي فيقول:" التفسير الوحيد الممكن إدراكه هو متسببات النظام الاجتماعي التي ساهمت في تعليل هذا المنع. وربّما، من ناحية أخرى، التطور الذي أدّى إلى تعميم عزلة النساء كان من تأثير القدوة الشخصية للرسول في علاقاته مع زوجاته. هذا على الرغم من أنّ الآيات القرآنيّة تتكلم فقط عن نساء النبي ولا تشمل بقية النساء. والجدير بالذكر بأنّ الآية هذه تطلب من النساء أنْ يحافظن على زي مُحتشم " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهنّ ذلك أدنى أنْ يُعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيمًا " (سورة الأحزاب).

ثم يؤكد منصور فهمي بأن النبي صلوات عليه وسلم لكي يتجنب الإغواء الشيطاني منع الرجل من الانفراد بالمرأة. ومن كل هذه البراهين وُلد عّرف وكبر وتطور في بعض البلاد وترعرع في بعض الطبقات الاجتماعية. بينما في بلاد أخرى لم يتوطد هذا العرف أو هذا الاستعمال. فهناك بيئات شجعت على استعمال الحجاب وبيئات أخرى أظهرت مقاومة لاستعماله. ونترك هنا للتحليل التاريخي والاجتماعي ليعطي أسباب هذه الفروقات. وهدفنا أنْ نستعيد تاريخ النظريات المحمدية التي سيّرت مراسيم المناقب والأخلاق الإسلامية.

ويخلص منصور فهمي من حديثه عن مسألة الحجاب فيقول:" وخلاصة القول أنذ الدين الإسلامي والشريعة لا علاقة لهما (على الأقل مباشرة ) في الدعوة إلى استعمال الحجاب. فالأنظمة التي تلتزم بالحجاب واقعة تحت تأثير التقاليد، هذا إذا امكننا أنْ نميز ونوضح بدقة في العالم الإسلامي بين التقاليد والأديان. وتاريخ الديانة الإسلامية يشهد على صعوبة التمييز بين وجهة نظر اجتماعية ووجهة نظر دينية محضة. فالإسلام هو دين ودنيا إذ نظم حياة المؤمنين في أدق التفاصيل ولكن في فترة تطوره التاريخي. أرغم الإسلام على أنّ يتأقلم مع الضرورات الاجتماعية والأوضاع المتناقضة للواقع الإنساني.

وعندما يسألون عن تبرير استعمال الحجاب يتحصن المسلمون وراء ميثاقهم - الإتفاق أو الإجماع " ووجهة الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج .. وميثاق المسلمين هذا يتدرّع به كجوهر أساسي في الدين ليعطي ثقلاً قانونيًا لمؤسسة الإسلام.. وإن اعتبرنا الأشياء من وجهة نظر التقاليد ودافعنا عن فكرة الحجاب كنقطة جوهرية في الدين الإسلامي فإنّ ذلك يعني أننا لا نتحدث عن دين قابل للتغير والتطور. فالركيزة هنا هي إجماع المسلمين. ومن المستحسن أنْ لا نضيع وقتنا بجدل عقيم ودائرة مفرغة ولنسمي الأشياء بأسمائها ونقول إنّ الحجاب هو حصيلة التقاليد وليس الدين.

وهناك موضوعات يطول شرحها في الكتاب تطرق إليها منصور فهمي مثل قضية: العبودية في القانون.. العبودية في التقاليد والوقائع.. تأثير العبوديّة على وضع المرأة.. المرأة ومبادىء القانون الإسلامي وتأثيرها الممارس على النظام الأبوي عند العرب.. المرأة وقانون الوراثة.. عجز المرأة أمام القانون.. القبول أو المواففة.. الشروط الواردة التي يمكن أنْ تذكر في عقد الزواج والحقوق والواجبات المتبادلة بين الأزواج.. الطلاق أو فصم العلاقات الزوجية.. المهر – الدوطة.. وهلم جرا..

وعندما يلقي منصور فهمي نظرة تاريخية على المجتمعات الإسلامية يلاحظ أنّ المرأة كانت أكثر تعرضّا للقمع والعبودية في المدن. فقد كان الوفود الغزير للنساء السبايا (أى الأمات) على هذه المدن بعد الفتوح قد قلب بنية المجتمع العربي رأسًا على عقب بعد ظهور الإسلام . لماذا؟ لأن وجود المرأة " الحرة " سوف ينظم على أساس أنّه مضاد لوجود المرأة " العبدة " ( أو الجارية كما كانوا يدعونها في اللغة العربية الكلاسيكية). وهكذا راح الرجال يشبعون كل رغباتهم ونزواتهم مع الجارية، وأما نساؤهم الحرائر فتنحصر وظيفتهن في إنجاب الأطفال. ونلاحظ في المجتمع العباسي أنّ الجواري كن أكثر ثقافة وحرية من النساء المدعوات حرائر! وكان الرجال يطلبون الجواري، بل ويتهافتون عليهن. هذا فيما يتعلق بالماضي.

ثم يؤكد منصور فهمي فيقول:" ومن الوهم أن نعتقد بأنّ عدم مصارحة التاريخ أو التحايل عليه سوف يؤدى إلى تقدّم قضية المرأة. فمنصور فهمي يبين بكل وضوح أنّ " التاريخ وتدهور الديانة الإسلامية " هما اللذان أديّا إلى خضوع المرأة لعبودية جديدة. ثم يضيف المؤلف قائلاً: " ولكن على الرغم من وضعها الأدنى من الناحية النظرية، فإنّه كان للمرأة وجودها الخاص بها، وكانت تتكلم، وتفكر، وتتحرك…. وإذا ما قارنا بين وضع المرأة في المجتمع الإسلامي الأولي وبين وضعها في المجتمع الإسلامي المعاصر أدركنا الفرق الشاسع وأصابتنا الدهشة حقّا. ويحق لنا أن نردد هنا جملة الفيلسوف الفرنسي إرنست رينان التي يقول فيها: " إنّ المرأة العربية في عهد محمد لا تشبه إطلاقًا هذا الكائن الغبي الذي يملأ حجرات الحريم لدى العثمانيين! ". فشتان ما بين البارحة واليوم".

وفي النهاية فإن الكلمات لا تستطيع أن توفي هذا الأستاذ الاكاديمي حقه، صحيح أن هذه الكلمات جاءت متأخرة فكثير ممن يطلقون علي أنفسهم لقب أساتذة لا يعرفون قدر هذا الأستاذ الاكاديمي، فتحية طيبة للدكتور منصور فهمي الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجاً فذاً للمفكر المبدع الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

......................

1- منصور فهمي: أحوال المرأة في الإسلام .. (كتاب)..

2- محمد عبد الرحيم: منصور فهمي صاحب «أحوال المرأة في الإسلام»: محاولة التثوير الفكري ومصيرها البائس .. مقال بالقدس العربي.

3- محمد حربىّ: مكانة المرأة في الأدب - نحو تحرير المرأة .. مقال .

 

في المثقف اليوم