شهادات ومذكرات

ليلى الدسوقي: الحركات الهدامة بالدولة العباسية

ليلى الدسوقيظهرت فى ايران حركات هدامة حاولت دمج الديانات السماوية كالمسيحية والاسلام مع المعتقدات والديانات الفارسية القديمة فظهرت عدة مذاهب دينية فى الدولة العباسية منها: الرواندية والزنادقة والدعوة الالوهية وحركة الافشين وبابك الخرمى. فما هى هذه الحركات الهدامة ؟

أولا: الرواندية

نسبة الى اقليم راوند بالقرب من اصبهان وكانت تنادى بتناسخ الارواح اى ان روح المسيح عليه السلام ما لبث ان صارت فى الائمة واحد بعد الاخر وان هؤلاء الائمة هم آلهة وقد نادوا بان ابو جعفر المنصور هو ربهم. وذهبوا الى قصر المنصور وطافوا حوله وقالوا هذا قصر ربنا فقبض المنصور على رؤسائهم لان هذا خروج عن الاسلام يصل الى الكفر والالحاد

و فى نفس الوقت ناصرت هذه الحركة ابو مسلم الخرسانى وغضب اتباعها من المنصور حينما قضى على ابو مسلم لذلك اعدوا عدتهم لقتال المنصور فما كان من المنصور ان تشدد فى تعقبهم وانتهى امرهم بالقضاء التام ويبدو ان السبب الذى دفع المنصور الى بناء بغداد واتخاذها عاصمة له هو ان جنوده بالكوفة قد تاثروا بدعوة الراوندية بحكم استقرار كثير من اتباع هذه الدعوة بالكوفة لذلك راى المنصور ابعاد جنده وعسكره عن مقر تلك الدعوة

ثانيا: الزنادقة

اطلق اسم الزنديق على كل من تاثر بالفرس وعاداتهم ثم صار يطلق على كل من يعتنق عقائد المانوية وهى تدعو الى عبادة الهين اى الثنائية فى العبادة وبمرور الوقت تطرف الزنادقة فى معتقداتهم فاصبح لفظ زنديق يطلق على كل من ينكر الالوهية

وانتشرت هذه الحركة بالدولة العباسية مما ادى الى تعقب الخلفاء العباسيين لهم فانشا المهدى ديوانا خاصا يتتبع الزنادقة والقضاء عليهم واطلق على الناظر فى امر هذا الديوان اسم صاحب الزنادقة كما ان الخليفة المهدى 158- 169 هــ اشتد فى تتبع الزنادقة كذلك فقد عهد الرشيد الى احد اعوانه بتتبع الزنادقة واطلق عليه ايضا اسم صاحب الزنادقة مثلما فعل المهدى واستمرت ايام المعتصم واخذت تنتشر داخل نفوس الاتراك الذين اعتمد عليهم المعتصم فى تصريف شئون دولته. وظهرت عدة مناظرات للرد على علماء الزنادقة وكان واصل بن عطاء اول من تصدى للرد عليهم وانكر على بشار بن برد إلحاده

ثالثا: الدعوة الالوهية والمقنع

ظهر المقنع الخرسانى باقليم خراسان فى عهد الخليفة العباسى المهدى 158 – 169 هــ وكان المقنع هذا رجلا اعور قصير قبيح الخلقة من اهل مرو وكان قد صنع وجها من ذهب وركبه على وجهه لئلا يرى وجهه وادعى الالوهية وكان يقول " ان الله خلق ادم فتحول فى صورته ثم فى صورة نوح ثم فى صورة ابراهيم ثم فى صورة الانبياء حتى وصل الى محمد رسول الله ثم تحول فى صورة على بن ابى طالب ثم انتقل فى صورة اولاده من بعده حتى وصل الى صورة ابو مسلم الخرسانى ثم انتقل فى صورته هو شخصيا ومعنى هذا انه تاثر بدعوة الراوندية التى تنادى بتناسخ الارواح اذ احيا القومية الخرسانية ولم يكتف بهذه الاقاويل بل وصف به الاسفاف الى حد انه اسقط الصلاة والصوم والزكاة والحج واباح المحرمات وسمى نفسه هاشما وكان اتباعه يسجدون الى ناحيته اين كانوا من البلاد وكانوا يقولون يا هاشم اعنا وانضم اليه فريق من الفرس متاثرين بارائهم كالمزدكية وغيرها ولم يكن منتظرا ان يقف المهدى امام هذه الحركة الهدامة مكتوف اليدين فأعد جيشا كبيرا وارسله لقتال المقنع الذى اعتصم باحدى قلاع خراسان فضرب عليه جيش المهدى الحصار وطال امد الحصار مما دفع عدد كبير من اتباع المقنع الى مفارقته بينما قام المقنع باشعال نار عظيمة احرق فيها جميع ما بالقلعة من دابة وثوب ومتاع ثم جمع نساءه واولاده واصحابه وقال لهم: من احب منكم الارتفاع معى الى السماء قليلق نفسه فى هذه النار ثم القى اولاده ونفسه خوفا من ان يظفر بهم المهدى وهكذا قضى على حركة المقنع عام 161 هــ

رابعا: بابك الخرمى

ينتسب بابك الى ابى مسلم الخرسانى فهو حفيده لابنته وكان يقوم بخدمة جاويدان احد زعماء الخرمية ببلاد فارس والخرمية هى احدى فرق المزدكية (نسبة الى مزدك) وسميت خرمية نسبة الى اسم زوجة مزدك وهى تدعى خرما وهى التى اخذت على عاتقها نشر عقائد هذا المذهب بعد قتل زوجها وعندما توفى جويدان خلفه فى الرئاسة بابك وساعدته فى ذلك ارملة جويدان التى احبت بابك وتزوجت منه وزعمت ان روح جويدان حلت فى جسد بابك

و بتولية بابك زعامة الخرمية عام 201 هـ بدا فى ارساء تعاليم جديدة فى العقيدة الخرمية المزدكية جعلت حركته يطلق عليها اسم الخرمية البابكية نسبة الى بابك ومن اهم تعالميه ومبادئه تحويل الملك من العرب المسلمين الى الفرس والمجوس. و كان يدعو الى الانفصال عن الخلافة العباسية والعودة الى القومية الفارسية

وقد تفاقم امر هذه الطائفة منذ عهد المامون حتى عهد المعتصم الذى استطاع فى ايامه ان يستولى على خراسان واخذت جيوشه تنتشر بين اذريبجان وايران الامر الذى دفع الخليفة المعتصم الى ان يوطد العزم على القضاء على حركة بابك وبالفعل بمساعدة القادة الترك خاصة القائد افشين استطاع المعتصم ان يقضى على حركة بابك

خامسا: حركة الافشين

اما الافشين فكان يعمل جنديا فى خدمة الخليفة المعتصم واصله من بلاد اشروسنة وتقع فيما وراء النهر تولى قيادة احدى الفرق التى قامت بمحاربة البيزنطيين وغزو عمورية واحرز انتصارات عديدة جعلت المعتصم يثق به ويقربه اليه وعهد اليه بمحاربة بابك الخرمى بعد ازدياد دعوته غير ان الافشين كان يتصف بالتعصب لقوميته وبلاده وكان يامل فى ان يستقل بحكمها والخروج عن الدولة العباسية والاسلام فما كاد يصل الى بابك حتى تعاطف معه واتصل بالمازيار وهو احد قادة احدى فرق الخرمية البابكية واتفق الثلاثة: بابك والمازيار والافشين على ازالة الدولة العباسية واحياء القومية الفارسية من جديد وبعد القضاء على بابك والمزيار انفرد الافشين بقيادة هذه الدعوة والثورة على العباسيين واستمر الافشين خارجا على الدولة العباسية حتى استطاع المعتصم فى عام 225 هــ القبض عليه ومحاكمته وسجنه وظل الافشين بالسجن حتى مات مسموما فى العام التالى ويذكر اليعقوبى انه بعد وفاة الافشين صلب على باب العامة بسر من راى (سامراء) عريانا ساعة من نهار ثم انزل فاحرق بالنار

وهكذا استطاعت الدولة العباسية القضاء على الحركات الهدامة التى انتشرت باراضيها.

 

ليلى الدسوقي

 

في المثقف اليوم