شهادات ومذكرات

محمود محمد علي: طلعت حرب في ذكراه الثمانين

محمود محمد عليتحل اليوم الذكري الـ 80 على وفاة طلعت (25 نوفمبر 1867 - 13 أغسطس 1941) حرب أحد أعلام الاقتصاد المصري في العصر الحديث ومؤسس بنك مصر، والذي اتخذ من الاحتكار الأجنبي لمصر عدوًا له، وصاحب المبادرة في دعم الاقتصاد المصري بدعم البنوك الوطنية،وإنشاء العديد من الشركات التى ساهمت في تنشيط الاقتصاد، كان عضوًا بمجلس الشيوخ المصري، وهو مؤسس بنك مصر ومجموعة الشركات التابعة له، كما يعد أحد أهم أعلام الاقتصاد في تاريخ مصر ولقب بـ "أبو الاقتصاد المصري، فقد عمل على تحرير الاقتصاد المصري من التبعية الأجنبية وساهم في تأسيس بنك مصر والعديد من الشركات العملاقة التي تحمل اسم مصر مثل شركة مصر للغزل والنسيج ومصر للطيران ومصر للتأمين ومصر للمناجم والمحاجر ومصر لصناعة وتكرير البترول ومصر للسياحة وستديو مصر وغيرها.

علاوة علي سعيه لإنشاء  بنك وطني للتحرر من الاحتكار المصرفي الأجنبي، وساهم في إنشاء شركة التعاون المالي بهدف الإقراض المالي للمصريين، وفي عام 1920 أسس بنك مصر الذي كان نواة نهوضه باقتصاد البلاد، كما أنشأ شركات لدعم الصناعة المصرية وتحريرها من سيطرة الأجانب، ليكون بذلك أول من يضع حجر أساس النهضة الصناعية والتجارية في مصر.

ولا أنسي كلماته حين قال:" نطلب أن تكون مصر للمصريين ولكن مالنا لانعمل للوصول إليها؟ وهل يمكننا أن نصل إلى ذلك إلا إذا زاحم طبيبنا الطبيب الأوروبى ومهندسنا المهندس الأوروبى والتاجر منا التاجر الأجنبى فماذا يكون حالنا ولا (كبريته) يمكننا صنعها نوقد بها نارنا ولا إبرة لنخيط بها ملبسنا ولا فابريقة ننسج بها غزلنا ولا مركب أو سفينة نستحضر عليها ما يلزمنا فما بالنا عن ذلك لاهون ولانفكر فيما يجب علينا عمله وأرى شبابنا إن لم يستخدموا في الحكومة لايبرحون القهاوى وأرى المصرى يقترض المال بالربا ولا يرغب في تأسيس بنك يفك مضايقته» هذا كان جزءا من مقال كتبه أبوالاقتصاد المصرى طلعت حرب في صحيفة «الجريدة» عام 1907.

وقام عدد كبير من السياسيين والمفكرين والصحفيين بالدفاع عن طلعت حرب، مثل السياسى والمفكر فتحى رضوان (1911-1988) الذى انحاز بشدة لحرب فى كتابه «طلعت حرب..بحث فى العظمة» ورأى أن التاريخ لا يمكن أن ينكر فضل هذا الرجل وسيظل يعامله معاملة الأبطال والعظماء، إلا أنه حاول التزام الموضوعية وأورد فى كتابه بأن طلعت حرب أخطأ فى الاستئثار بالرأى والانفراد به، وأن كبار معاونيه لم يكونوا فى مستواه.

قدم طلعت حرب، رؤيته الفكرية واجتهاداته النظرية؛ وذلك من خلال كتابه "علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك للمصريين"، حيث كان طلعت حرب ميالاً للفلاحين والفقراء؛ لأن معظمهم كان يضطر للاستدانة بشكل ربوي مجحف من بعض المرابين.

وقد بدأت تتبلور لدى طلعت حرب فكرة إنشاء بنك وطني للمصريين للتحرر من الاحتكار المصرفي الأجنبي، ولخدمة المشاريع الاقتصادية في مصر، واستطاع طلعت حرب في عام 1908 تأسيس شركة التعاون المالي برأس مال مصري؛ وذلك بهدف تقديم العديد من القروض المالية للشركات الصغيرة المتعسرة مادياً والإقراض المالي للمصريين، والتف حوله الكثيرون ونجحوا في تأسيس "بنك مصر" عام 1920.

ترجع فكرة إنشاء بنك مصري وطني إلى أيام محمد علي باشا، فعلى الرغم من أن محمد علي قبل وفاته أمر بإنشاء بنك برأسمال قدره 700 ألف ريال، لكن مشروع البنك انهار كسائر المشروعات لما أصابه المرض، وعادت فكرة إنشاء البنك عقب ثورة 1919.

أقنع طلعت حرب، 126 من المصريين بالاكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به 80 ألف جنيه، تمثل 20 ألف سهم، أي أنهم جعلوا ثمن السهم 4 جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو عبد العظيم المصري بك من أعيان مغاغة الذي اشترى ألف سهم·

ولد طلعت حرب بمنطقة الجمالية بالقاهرة، ثم التحق بالكتاب وحفظ القرآن قبل أن يتم دراسته بالمدرسة الخديوية في القاهرة، ويلتحق بعدها بمدرسة الحقوق الخديوية في 1885، التي كان لها دور مؤثر في تشكيل شخصيته وتحديد اتجاهاته، وتخرج في مدرسة الحقوق عام 1889 والتحق للعمل كمترجم بالقسم القضائى "بالدائرة السنية" ثم أصبح رئيسا لإدارة المحاسبات ثم مديراً لمكتب المنازعات حتى أصبح مديراً لقلم القضايا. وفى عام 1905 انتقل ليعمل مديراً لشركة كوم إمبو بمركزها الرئيسى بالقاهرة، ثم مديراً للشركة العقارية المصرية والتى عمل على تمصيرها حتى أصبحت غالبية أسهمها للمصريين، وفى عام 1910 حاولت الشركة المالكة لقناة السويس تقديم مقترح لمد امتياز الشركة 50 عاماً أخرى، إلا أن طلعت حرب ساهم فى حشد الرأى العام لرفض ومعارضة هذا المقترح وأصدر كتابه "مصر وقناة السويس"، حيث أثمرت هذه الجهود لاحقاً قيام مجلس النواب برفض هذا المقترح.

في عام 1911 قدم طلعت حرب رؤيته الفكرية واجتهاداته النظرية عن كيفية إحداث ثورته الثقافية وذلك من خلال كتابه "علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك للمصريين"، كان طلعت حرب ميالاً (بشكل واعٍ) للفلاحين والفقراء حيث كان يضطر معظمهم للاستدانة بشكل ربوي مجحف من بعض المرابين، وساهم في الدفاع عنهم عند تصفية الدائرة السنية وسعى إلى بيع الأراضي للفلاحين الذين يزرعونها. كانت أسعار القطن عالمياً قد شهدت زيادة، لكنها لم تصب في صالح المزارع المصري البسيط، كذلك لم يكن هناك نظام مالي يدعمهم فرغم إنشاء البنك المصري (Bank of Egypt) والبنك الأهلي، لكنهما كانا مخصصين لتمويل الأجانب فقط، وتسببت ظروف الاستعمار وقتها في استنزاف موارد الاقتصاد المصري لمصالحهم فقط.

لذلك بدأ طلعت حرب دعواه عام 1906 من أجل إنشاء نظام مالي مصري خالص لخدمة أبناء الوطن وللسعي أيضا للتحرر من القيود الاستعمارية الاقتصادية، وقد لقيت دعواه استجابة واسعة،، استطاع طلعت حرب في عام 1908 تأسيس شركة التعاون المالي برأس مال مصري وذلك بهدف تقديم العديد من القروض المالية للشركات الصغيرة المتعسرة مادياً، وساعده أيضاً عودة الدكتور فؤاد سلطان من الخارج والذي كان يعد أحد أبرز الخبراء الاقتصاديين، وقام بتقديم الدعم الكامل لمساعي طلعت حرب.

كما قام طلعت حرب بإصدار كتابه "علاج مصر الاقتصادي" الذي طرح من خلاله فكرته في ضرورة إنشاء بنك للمصريين لخدمه المشاريع الاقتصادية في مصر والنظر في المشكلات الاجتماعية، تحمس الكثيرون لفكرته بالرغم من معارضة السلطات الإنجليزية، وقرر المجتمعون بالفعل تنفيذ فكرة حرب في إنشاء بنك مصر، لكن هذه الجهود تعطلت بسبب الحرب العالمية الأولى. وعادت فكرة إنشاء البنك عقب قيام ثورة 1919 في مصر.

وقد شارك طلعت حرب في ثورة 1919 وبدأت بعدها تتبلور فكرة بنك وطني للمصريين للتحرر من الاحتكار المصرفي الأجنبي، وساهم في إنشاء "شركة التعاون المالي" بهدف الإقراض المالي للمصريين، ومع انتشار دعوته التف حوله الكثيرون ونجحوا في تأسيس "بنك مصر" عام 1920، وفى مساء السابع من مايو 1920، احتفل بتأسيس (بنك مصر) في دارالأوبرا السلطانية، وبعد عامين تتابع مولد الشركات التي أسسها أو اشتراها ومنها شركة للغزل والنسيج بالمحلة ومصنع لحلج القطن وشركة لأعمال الأسمنت المسلح، ثم للصباغة، ثم للمناجم والمحاجر، ثم لتجارة وتصنيع الزيوت ثم مصر للتأمين ومصر للطيران واستديو مصر.

ويذكر د. يونان لبيب رزق في كتابه " فؤاد الأول المعلوم و المجهول " عن قصة إنشاء بنك مصر أن فكرة انشاء بنك مصري برأس مال وطني طُرحت علي الرأي العام لأول مرة في جريدة الأهرام في مقال كتبه طالب حقوق مصري اسمه محمد بدوي البيلي في ابريل من عام 1919م، أي بعد أقل من شهرين من قيام الثورة .

وكانت هذه المقالة هي شرارة بدء حملة صحفية كبيرة شارك فيها الطلبة والكتاب والصحفيين بمقالاتهم وأعمدتهم، حتي أصبح قيام هذا البنك مطلب شعبي مهم، ولم يمض علي الحملة شهرين حتي طارت الأخبار إلي الصحف أن بعض رجال الأعمال البشوات والأفندية قد بدأوا بالفعل في تأسيس بنك وطني مصري برأس مال مصري .

وفي 5 أبريل 1920 م، صدر المرسوم السلطاني من سلطان مصر أحمد فؤاد، بتأسيس شركة مساهمة تدعي بنك مصر من خمس مساهمين مصريين هم: أحمد مدحت يكن باشا، يوسف أصلان قطاوي باشا وهو من كبار الأعيان اليهود المصريين، ومحمد طلعت حرب بك، وعبد العظيم المصري بك، وعبد الحميد السيوفي بك، والطبيب فؤاد سلطان بك، واسكندر مسيحة افندي، وعباس بيسوني الخطيب افندي .

ورغم نجاح حرب إلا أن البنك تعرض لأزمة مالية كبيرة ضغط كلا من الحكومة المصرية وسلطات الاحتلال الإنجليزي، ورفض البنك الأهلي منحه قروض بضمان محفظة الأوراق المالية، وعندما لجأ طلعت حرب إلى وزير المالية أشترط وقتها أن يترك منصبه لعلاج الأزمة، مما أجبره على الاستقالة من البنك عام 1939.

كان لدى طلعت حرب العديد من المساهمات الأدبية والثقافية، أبرزها معارضته الشهيرة لكتابات وأفكار قاسم أمين التي جعلته يصدر كتابيه: تربية المرأة والحجاب وكتاب فصل الخطاب في المرأة والحجاب، كذلك لديه بعض المؤلفات الأخرى مثل: مصر وقناة السويس وتاريخ دول العرب والإسلام.

وفي عام 1940 فوجئ طلعت حرب بآلاف المودعين يسحبون أموالهم من البنك، وسحب صندوق توفير البريد لكل ودائعه من بنك مصر، واضطر حرب لتقديم استقالته وترك البنك، وقال جملته الشهيرة:"مادام في تركي حياة للبنك فأذهب أنا وليعيش البنك".

لم يصمد رجل الاقتصاد المصري كثيرًا أمام تلك الأزمة، وفي 13 أغسطس عام 1941 رحل عن عالمنا تاركًا صرحًا اقتصاديًا كبيرًا خلفه.

وحصل طلعت حرب على لقب الباشوية عام 1936، ومنح اسمه قلادة النيل العظمى عام 1985،  وأطلق اسمه على أحد أهم ميادين القاهرة، وأقيم له تمثال بنفس الميدان عام 1936.

وقد جاء الوداع المحدود البسيط لحرب عند وفاته ليثير انتقادات واسعة. فتحت عنوان «طلعت حرب باشا»، خرجت الأهرام فى العدد الصادر بتاريخ 14 أغسطس 1941 لتعلن عن وفاة أبو الاقتصاد المصرى، وهذا بعض ما ورد فى التقرير «فقدت مصر أمس ابنا من أبر أبنائها بها، ورجلا فذا كان فى الطليعة بين الرجال العاملين، هو المغفور له محمد طلعت حرب باشا، فعم لفقده الأسى، وكان لنعيه رنة حزن وأسف تردد صداها فى أرجاء البلاد جميعا، وقد أمر سعادة حافظ عفيفى باشا بإقفال ابواب البنك .. من الساعة التاسعة الى الساعة التاسعة والربع صباح اليوم حدادا على الفقيد، كما أمر بتنكيس العلم على دار البنك فى اثناء تشييع الجنازة من الساعة العاشرة الى الساعة الحادية عشرة صباحا».

وقد ثار غضب كثيرين من محبى طلعت حرب، ومنهم الشاعر الصحفى كامل الشناوى (1908-1965) الذى كتب فى عموده «خواطر مقيدة» بالأهرام، ومما جاء فيه «ومات طلعت حرب فكم كان عدد مشيعى جنازته وحاضرى مآتمه، أنهم لم يبلغوا ألفا فى أكبر تقدير، ولو شيع الجنازة كل الذين كان لطلعت حرب فضل خاص عليهم، لأربى عدد المشيعين على الثلاثين ألفا، ولو شيعها كل من كان لطلعت حرب فضل عام عليهم، لوجب أن يشيع الجنازة سبعة عشر مليونا، ياقلة رصيدنا من الوفاء، بل ياضيعة هذا الرصيد".

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.......................

1- مصطفي مراد: في ذكرى وفاته..تعرف على طلعت حرب"أبو الاقتصاد المصري".. البوابة نيوز .. الجمعة 13/أغسطس/2021 - 12:19 ص.

2- أحمد إبراهيم الشريف: طلعت حرب.. "أبو الاقتصاد المصرى" كيف كانت طفولته.. اليوم السابع .. نشر بتاريخ الأربعاء، 25 نوفمبر 2020 12:00 ص

3- طلعت حرب: من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

4-سمير صالح: "طلعت حرب".. أبو الاقتصاد المصري.. الوطن المصرية .. 05:59 م | الخميس 13 أغسطس 2015.

 

في المثقف اليوم