شهادات ومذكرات

ستيفاني لاكافا: محادثة مع آن والدمان

(ربما حان الوقت لنواجه كارما الإبادة الجماعية والعبودية واضطهاد النساء)

ترجمة: الحبيب الواعي

***

النص الذي بين أيدينا مقتطف من محادثة جرت بين آن والدمان والكاتبة ستيفاني لاكافا وسط مانهاتن. آن والدمان  Anne Waldman، شاعرة وفنانة وأستاذة وناشطة ثقافية ولدت بمدينة ميلفيل في ولاية نيوجرسي عام 1945 وترعرعت في جوار غرينتش فيلاج بنيويورك. حصلت على البكالوريوس من كلية بنينغتن، ومنذ الستينات انضمت إلى جماعة شعراء الساحل الشرقي بأمريكا، والتي أصبحت تعرف بالجيل الثاني لمدرسة نيويورك للشعر. خلال هذا الفترة وطدت والدمان أيضا علاقاتها مع الأجيال السابقة من الشعراء بما فيهم كتاب جيل البيت، وخاصة ألن غينسبرغ وويليام بوروز. ساهمت في تأسيس برنامج مشروع الشعر بكنيسة سانت مارك وشغلت منصب مديرته من 1968 إلى 1978. في أوائل الستينات اعتنقت والدمان البوذية، وأصبحت تدرسها جنبا إلى جنب مع ألن غينسبرغ تحت إشراف الزعيم التيبيتي شوغيام ترانغبا رينبوشي. أسست مجلة 'شعر ملائكي' مع الشاعر لويس وارش عام 1966 وصدر منها ستة أعداد إلى حدود 1978. في عام 1974 أسست مع كل من غينسبرغ وترانغبا رينبوشي وديان دي بريما مدرسة جاك كيرواك للشعر التي يوجد مقرها بجامعة ناروبا في بولدر بكولورادو. حصلت على جوائز عدة منها جائزة منظمة الشعر، وجائزة منظمة الفنانين المعاصرين، وزمالة منظمة غوغنهايم وجائزة مركز الكتاب الأمريكيين وشغلت منصب مستشارة أكاديمية الشعراء الأمريكيين. صدر لها أكثر من خمسة وأربعون كتابا في الشعر والنقد من أهمها: 'مناتي/إنسانية'، و'المرأة التي تتكلم بسرعة'، و'نذر من أجل الشعر. مقالات، حوارات وبيانات'، و'المسجد الأزرق'، و'ماكياج على أماكن فارغة' و'زواج' و'ثلاثية لوفيس: ألوان في ميكانيزم التخفي' و'نسوية محتالة' و 'ابنة صوت قلب لم يولد بعد'  و'بنية العالم مقارنة بفقاعة'، كما أشرفت على تحرير 'كتاب جيل البيت' و'كتاب جيل البيبت في ناروبا' و'العصيان المدني: الشعريات والسياسات كممارسة" و"عوالم متداخلة: شعريات عابرة للثقافات'.  تشارك في مشاريع فنية مع العديد من الرسامين والموسيقيين أمثال تورستن مور وكيكي سميت ومريديث مونك.3353 ستيفاني لاكافا

اطلعت والدتي فرانسيس لوفيفر على مؤلفات شعرية وفلسفية خطتها أنامل كتاب حداثيين ومعاصرين، وكانت إلى حد ما عصامية. نشَأَتْ مع أم عزباء شغوفة بالعلوم ومتشبثة بدينها المسيحي. أصيبت بالصمم في أذنها اليسرى منذ طفولتها لأن العلم المسيحي كان حينها يتفادى الأطباء وكان يعتبر المرض ابتلاء بسبب الابتعاد عن الإله. كانت ذكية للغاية، شاعرة محترمة، وكانت تترجم عن اليونانية والفرنسية. قضت عشر سنوات في اليونان رفقة زوجها الأول غلوكوس سكيليانوس، ابن الشاعر اليوناني الشهير أنجيلوس سيكيليانوس. هناك ستلتحق بجماعة فكرة دلفي  Delphic Idea، حيث ستعيد المسرح الكلاسيكي إلى الهواء الطلق تحت اشراف حماتها إيفا بالمر التي كانت أيضًا عضوة في جماعة ناتالي بارني. تعلمت والدتي اللغة اليونانية والحياكة، وهناك في اليونان سيولد أخي مارك. أنا ممتنة لأمي لأنها وهبت عقلًا صارما وجسورا وكانت تلهم وتعزز السكينة والطمأنينة بكونها فنانة.

كان زواجها الثاني من والدي جون والدمان، والذي كان حينها يشتغل موسيقيا. التقيا في حفل إسامو نوغوشي. كان والدي قد قضى فترة من خدمته العسكرية في ألمانيا وكان يدرس في جامعة نيويورك مستفيدا من مشروع قانون GI Bill  الذي استفادت منه قدماء محاربي القوات الأمريكية. عشنا بعد الحرب العالمية الثانية في الطابق العلوي لمنزل في شارع ماكدوغل في مكان ضيق مع كلب وقطة وأخي الأكبر وأخي الأصغر. تعلمت كيف أقضي حوائجي بما تيسر من مال لي وكنت أقدر قيمة المكتبة، لكن جيراننا في الطابق السفلي كانت تربطهم علاقة بهدي ليدبيتر الذي جلست في حضنه عندما كنت طفلة. يا له من صوت عبقري، يا له من شاعر عظيم، متغلغل في أعماق "الصنوبر".

درست بمدرسة فرندز سميناري، وهي مدرسة تمتلكها طائفة الكويكريين، على منحة جزئية خلال سنوات دراستي الثانوية. كان والداي مهتمين بتناقضات وتعقيدات التعليم الإنساني الليبرالي وكان نشطاء الكويكريين المناهضين للأسلحة النووية يخرجون إلى الشوارع للاحتجاج بينما كان التلاميذ يحتمون في الطابق السفلي. أستشهد بهذا وبأيامي الثمانية الأولى في المدرسة العمومية، ممسكة بإحكام بصفيحة كلبية تحتوي على معلومات عن هويتي، كبداية لمعموديتي كفنانة وناشطة. كان التنافر المعرفي يغلب على الاشياء. كيف يمكن أن تدل صفيحة كلبية على جسدك في محرقة نووية؟ لم يكن لذلك أي معنى على الإطلاق. من الأفضل أن تتواجد في الأماكن العامة وتحدث صخبا بدلاً من الاختباء في ملجأ تظن أنه يحميك من القنابل.

كنا جيلاً من المراهقين البوهيميين. كان ابن الروائي جون هيرسي يحمل معه نسخة من "الغذاء العاري" لويليام بوروز في حافظة قيثارته. وجذب جوناثان كوت انتباهي إلى ريلك و"حلم الغرفة الحمراء" لتساو شان. كان بيت بيتر سيجر في نفس الجادة غير بعيد عنا، وكنت أدرس حينها في نفس المدرسة الابتدائية مع راندا هينز التي ستصبح أولى المخرجات السينمائيات في هوليوود. كان يسمح لي بالذهاب إلى منزلها مرة في الأسبوع لمشاهدة التلفاز.

كان مدرس الديانة في مدرسة فرندز سميناري، إيرل ليزلي هانتر، ذو اطلاع شامل على الطاوية والهندوسية والبوذية، وكان مقرر الأديان المقارنة غني بصور المعابد والأضرحة والوضعيات التأملية والحركات الجسدية. لقد انجذبت إلى الصور والجماليات الشرقية: الأناشيد، وترانيم المانترا، والموسيقى الهندية بدقتها وارتجالها، والرقص والموسيقى الصوفية.

كان والداي لا يؤمنان بأي ديانة محددة بالرغم من أنه عندما وُلد ابني أمبروز كان هناك بعض الضغط من الجانب البريطاني -عائلة زوجي ريد الرائعة والأنيقة - لتعميد طفلي. قالت والدتي، "احصلي على كل المباركات الممكنة،" وكان الأمر كذلك، وفي الأخير لجأ ابني إلى البوذية بالرغم من أنه يميل أكثر إلى الفوضوية التي لا ترى مانعا في التصويت. إنه فنان بطبعه.

في أوائل الستينيات، التقيت بمعلمي البوذي الأول، اللاما المنغولي غيشي نغاوانغ وانغيال. كان عمري أنداك ثمانية عشر عامًا وكان غيشي وانغيال يعيش في منزل وردي في إحدى ضواحي نيوجيرسي مع حاشية من الرهبان الشباب، وكانوا يلبسون أردية بنية وعنبية ويأكلون لحم الدجاج. كانوا يملكون مجموعة من منحوتات العجين بألوان مختلفة (غطورما) موضوعة على رف الموقد، وكانوا يحرقون البخور –وكانوا يملكون تماثيل دكيني لنساء جامحات في وضعيات طقسية مختلفة. كان الجو ساحريا للغاية، وكنت أثق في معلمي، في صراحته ولطفه. كان ذلك خلال فصل صيف وكنت حينها أعمل في برنامج للفنون في أحد منازل مستوطنة الكويكريين. في ذاك الصيف حدثت أعمال الشغب في فيلادلفيا وقد عدت مرات عديدة إلى منزل المعلم وانغيال. كان وانغيال وطلابه، بما فيهم روبرت ثورمان النابغة ومعلم البوذية اللامع، يترجمون أيضًا النصوص والترانيم. كانت الترانيم تملئنا بالحيوية، وكانت أحيانًا تعليمية، ولكنها كانت أيضا غامضة مثل الشعر ومرعبة وجميلة في الوقت نفس.

انبثقت فكرة تأسيس مجلة شعر ملائكي Angel Hair من مؤتمر بيركلي للشعر عام 1965، وكان ذلك قبل تأسيس مشروع الشعر في كنيسة سانت مارك، وكانت الشعرية الأمريكية حينها تمر بظروف عصيبة مع اندلاع حرب الفيتنام. سافرت إلى جامعة بيركلي مع صديق درست معه وتوقفت لرؤية بعض أقارب سكيليانوس في الطريق إلى المؤتمر. أثناء قراءة شعرية لروبرت دنكن التقيت بالشاعر لويس وارش وارتبطنا ببعضنا البعض من خلال الشعر وعبر رحلة مخدر LSD (مختصر ثُنائِيُّ إيثيلاميد حَمْضِ الليسرجيك) التي أكدت وجود إحساس يربط بين الصداقة الكونية والنشاط الثقافي. كان لويس من المتحمسين لجاك سبايسر، وكان يجمع إصدارات وايت رابيت بريس. في مؤتمر بيركلي قطعت على نفسي عهدا لأعمل مع جماعة الشعر "المبشرة" هذه طوال حياتي. التمسنا سفرا مجانيا من سان فرانسيسكو إلى سان دييغو حيث نزلنا ضيوفا على أصدقائي هناك، ثم استقلنا الحافلة من تيخوانا إلى مكسيكو سيتي حيث مكثنا في فندق ربما لعشرة أيام. عندما غادرنا، استقلنا الحافلة إلى لاريدو بولاية التكساس، ومن هناك عدنا إلى مدينة نيويورك.3354 ستيفاني لاكافا

كانت الأمور تتغير في كوليج بنينغتون، وأتذكر الجدل الدائر حول تدريس غيرترود شتاين ومدى "خطورة" ألين غينسبيرج لأنني كنت أخطط لدعوته إلى فيرمونت. كانوا يقولون إن شتاين كانت رديئة وتافهة جدًا وترفض كل شيء بازدراء، وبأن إزرا باوند كان بالتأكيد وحشًا، إلا أن المجلة والصحيفة التي كنت أشرف عليهما تكللتا بالنجاح. كنت أعرف مطبعيا في فيرمونت قام بطباعة المجلة المدرسية، سيلو، التي قمت بتحريرها، وكان أحد أساتذتي كلود فريدريكس يملك مطبعته الشخصية وشجعنا على مواصلة العمل الذي كنا نقوم به. كنت على وشك الانقطاع عن الدراسة، وكان والدي يدعمني في قراري لكن والدتي كانت مصرة على أن أحصل على درجة جامعية، وهي فرصة فاتتها. فطنت أن كلية بنينغتون كانت توفر لي الظروف الملائمة أيضًا لأصبح فنانة ولذلك تشبثت بها.

ثم تم تعييني مباشرة سكرتيرة لبرنامج المشروع الشعري في نيويورك عام 1966، وفي العام الموالي أصبحت مساعدة، وبحلول عام 1968 تقلدت منصب مديرة المشروع. توافد العديد من الشعراء العظماء على المشروع، وكان بمثابة مجتمع شعري تداخلت فيه عواطف أخرى إلى جانب الشعر، كان حياة أدبية منظمة وطريقة ملتزمة في الكتابة، وتحرير المجلات ومؤلفات الآخرين، والعمل على مختارات شعرية، والسفر إلى الهند، و اكتساب تقنيات الإلقاء الشعري. كل أفراد الجيل الثاني لمدرسة نيويورك للشعر كانوا يجتمعون في صالة الجلوس داخل كنيسة سان مارك. كنت أعمل حينها على "أقاسيم دي كارلو" و "ليلة عظيمة" و " انهيار ميلاد الطفل".

لا بد لي من التوقف والتفكير في الرجال الذين لم يفهموا حقا والنساء اللواتي فهمن عمق القضية الإنسانية. كنا جميعًا فنانات نتصدى للكثير من التحرشات ولم نحصل على أي اعتراف أو امتنان كما ينبغي. لكن كل ذلك دفع بي إلى الأمام بإصرار غامض ومقدر نابع من إصرار والدتي على أن أصبح شاعرة. وكانت هناك أمثلة على نساء شاعرات مثل ديان دي بريما وجوان كايغر وأودري لورد، وباربرا غيست من مدرسة نيويورك و رساماتها أمثال جوان ميتشل الجسورة، وإلين دي كونينج ، ونيل بلين، كن جميعهن بطلات. اقترح على فرانك أوهارا أن أعمل كمتدربة في متحف الفن الحديث إلا أن وظيفة شاغرة في برنامج مشروع الشعر كانت أكثر إثارة: ثمانية آلاف دولار في السنة. لم أترك أبدا برنامج مشروع الشعر فقد ارتبطت به روحيا، وشكل هذا المشروع اللبنة الأساسية لباكورة الجماعة التي استمر نموها لثلاثة أو أربعة أجيال، ولا تزال تزهر ويوفر بيئة متقشفة وطاهرة ومتجددة على الدوام .

ثم هناك ملحمة جامعة ناروبا الطويلة والتي مازالت مستمرة حتى الآن لأربعة وأربعين عامًا – إنها مغامرة مستمرة. لدينا أرشيف رائع ألهم قصة رمزية ملحمية بعنوان Gossamurmur، تدور أحداثها حول إنقاذ الأرشيف الشفهي للشعر. الملاذ الآمن في المستقبل. أين هم أقطاب الثقافة للمساهمة في الحفاظ على أرشيف هذه المجموعة التي تضم أمثال غينسبرغ وبوروز وكيج وأشبري وكريلي وديان دي بريما وجوان كايغر ووبرناديت ما ير وسيسيليا فيسونيا وليزلي سكلابينو وأليس نوتلي، ومئات الآخرين؟ إنها مدرسة الشعر الوحيدة التي تقدم دروسا في اللغة السنسكريتية.

شاركت إلى جانب ألين غينسبرغ في الجولة الموسيقية التاريخية المعنونة ب Rolling Thunder    Revue  التي نظمها بوب ديلان عام 1976. كنت أنا وغينسبرغ من الشعراء المقيمين وكنا أعضاء في لجنة المستشارين لفيلم Renaldo & Clara والفيلم الوثائقي Hard Rain حيث حصلت على الامتنان مقابل مساهمتي في تصميم "أغطية الرأس"، وقد أحب الموسيقيون الوشاح الطويل الملفوف حول رأسي بخيط حريري، على طراز جوزيف أريمانتيا.3355 ستيفاني لاكافا

لقد كان إعدادًا مثيرًا حيث كنت مكلفة بإعلان قرب وصول قافلة هزيم الرعد Rolling Thunder  إلى المدينة قبل أربع وعشرين ساعة. كنا نحن الشعراء المقيمين نجلس بين الجمهور وكنا أعين وآذان الجشطالت، نسجل إحساس الجمهور. كان الجذمور كله نوعًا من القوافل الفاضلة، وكان يغلب عليه الحب والحسرة والصوت العظيم وتضاربات الأنا، وكان بوب ديلان، شاماننا، يحافظ على تماسك الكل.

كان صديقي والكاتب والممثل اللامع سام شيبرد حاضرا في تلك الرحلة. أعطتني جوني ميتشل درسا في آلة السنطور وكان درسي الأول والوحيد. كانت جوان مدهشة، فنانة متأقلمة وعازفة مذهلة وناشطة استثنائية. كتبت قصيدة بايين مهداة لبوب: "الشامان يهمس لك انسل مرة أخرى عبر الليل."

ذات ليلة، توقفت الحفل الموسيقي بسبب المطر الغزير، لذلك عدت إلى غرفة ملابس بوب وقلت "من فضلك، هذا وقت رائع لكي نسمح للشعراء بإلقاء أشعارهم تحت المطر." كان بوب يعد ألين بأشياء مستحيلة! كانوا ينتظرون ليتأكدوا إن كان بإمكانهم إعادة تشغيل مكبرات الصوت. قال ديلان، "حسنًا، حسنًا. يمكنهم قراء الشعر." اختار ألين قراءة قصائده القصيرة مثل قصيدة "على رماد نيل"، وهي قصيدة حب بوذية جميلة تنتهي بهذا السطر "كل شيء رماد، الكل رماد من جديد."

سمعت مؤخرًا أنهم سيعيدون حفر البلوتونيوم التي احتجنا عليها في السبعينيات، وسعيدون تنشيط موقع سافانا في ساوث كارولينا. منذ وقت ليس ببعيد، قلت لطالب في ناروبا: "هناك أناس جشعون ينتظرون في الأجنحة، يبحثون عن طريق للعودة. لا تسمحوا لهم بالعودة." كنا نحتج خلال السبعينيات والثمانينيات في موقع مصنع الأسلحة النووية بروكي فلاتس في كولورادو. لا أستطيع أن أتذكر كل الأشياء المختلفة التي حدثت. وأعتقد أن ذلك حدث بعد أن تم اعتقالنا في السبعينيات. ثم جاءت فضيحة المصنع نفسه. كان التلوث مروعا.3356 ستيفاني لاكافا

لقد أعددت مقطع فيديو موسيقي لـ قصيدتي "أووه، بلاتنيوم" مع صديقة تنتج أفلاما قصيرة من خلال شركتها هياسنت غورلز.  حصل شخص ما على المال لإعداد ثلاثة مقاطع فيديو وقاموا بالاشتغال على فيديو مع ألين وهو يغني قصيدته "بلوز وفاة الأب" متجولا في جزيرة إليس.

ذهبت ذات يوم إلى مظاهرة ولم أكن أعرف ماذا سأفعل. كنت أجلس في الجزء الخلفي لشاحنة صغيرة وكنا ملزمين بالعروج على مسكن ألين لنأخذه معنا وكنت أقول "يجب أن أكتب قصيدة لأحتج بها." كان لدى ألين جرة كبيرة من الفيتامينات على مائدته وفكرت، "حسنًا، ميغا... موت، ميغا ميغا ميغا" كترنيمة. لا تزال لدي تلك البذلة الصفراء في صندوق مغبر في مكان ما ويرغب طلابي في بيعها بالمزاد على موقع eBay ليحصلوا على المال لمنحهم الدراسية.

كنت في المنزل مع إد باوز عندما تلقيت خبر فوز ترامب في الانتخابات في وقت متأخرًا جدًا، وكنت أتحدث مع إيلين مايلز بعد خطوة كومي الغريبة ضد هيلاري. اعتقدت إيلين أن ترامب يمكن أن يفوز بعد ذلك، وكانت بالفعل تدافع عن هيلاري وكانت تتعرض للكثير من المضايقات. كانت تقول، "يجب أن تكون هناك امرأة في البيت الأبيض". اعتقدت أن المرأة، بغض النظر عما إذا كان لديها فرج أم لا، ستكون رائعة في البيت الأبيض. لقد ساندت مايلز بيرني ساندرز في المؤتمر الحزبي في كولورادو -مفترضة أن هيلاري ستفوز في جميع الولايات -ولكن بعد ما حدث كان علينا أن نصوت لامرأة أكثر من أي وقت مضى.

لم يكن الأمر مفاجئًا عندما ظهرت جيل شتاين في تلك الصورة مع مايك فلين وبوتين في روسيا. كان هناك شيء غريب يحدث. وكان هناك العديد من الشباب "يصوتون لضميرهم" ويدعمون شتاين بصفتها المرأة، ولا يعرفون في الحقيقة أي شيئًا عنها. إنه زمن العجائب والخطر والتلاعب! بالطبع نحن في وضعية تتحكم فيها "الدولة العميقة" -من يعرف هنا حتى في الدولة الفاشلة ما كان خفيا؟ قبل الانتخابات مباشرة، سافرت إلى العديد من الكليات لدعم هيلاري، وكان الشباب وحتى الشعراء والمفكرون الذين أعرفهم جيدًا قد أصابهم الصمت بشكل مخيف وأصبحوا سدجا. عندما كان التقدميون وحتى المتطرفون والزعماء السود وساندرز أيضًا والعديد من الناس يحذرون الشعوب من الرعب الذي سينتج عن رئاسة ترامب. زارني بعض الأصدقاء من المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وكانوا قلقين وقالوا "لا تكوني واثقة تماما." الأمر لا يبشر بخير.3357 ستيفاني لاكافا

نحن نعيش كارثة الأنثروبوسين (عصر الإنسان المهيمن) وعصر الرأسمال. ربما حان الوقت لنواجه كارما الإبادة الجماعية والعبودية واضطهاد النساء، ولذلك انكشف كل شيء الآن على حقيقته، والنساء القويات يرتقين إلى مستوى القيادة ويقاتلن من أجل عالم يتجاوز الثنائيات. كتابي الجديد "نسوية محتالة" هو نتيجة لهذه الكارثة الاجتماعية والثقافية وأنا أخط مساري عبر الزمن -كما آمل -بعمق وإحساس أكبر بجرائم النظام الأبوي. لكننا معرضون بشدة لخطر الانقراض ككوكب يتكون من الكائنات الحية والثقافات واللغات. نحن سكان هذا الكون الغامض نملك ضميرا حقيقيا وينبغي أن نحارب البشاعة إن كنا نريد أن نبقى على قيد الحياة. لا تتلكأ، أنت فقط تشاهد أشياء مشؤومة تحدث أمامك ولا مخرج منها. نقابات السامسارا. والآن، أمامنا قرارات فظيعة للمحكمة العليا وقد أحيل كينيدي على المعاش والعزيزة روث بيدر غينسبرغ تصارع الموت.

ومن جهة أخرى، النساء ينتفضن وربما الانتخابات ستنقلب على انتفاضاتهن. إنني أرى سنوات من الفاشية العرقية آتية. كتابي الجديد ينسج أفكارها وأطروحته من هذه التأملات لكنه يغتنم الفرصة للمشاركة في التظاهر والحفاظ على القوى العقلية ويستحضر كل قوى الآلهة السابقة والآتية. أحس بالضرورة الملحة وبالحاجة الملحة اتجاه كل شيء الآن وقد سقطت كل شبكات الأمان. نحتاج إلى الثورة والإصلاح ضد عمليات الترحيل الإجرامية والقاسية، وضد السجون والمخيمات. كم سيتحمل هذا الوطن من الفواجع الكارمية، وكم من الصدمات سيتغلب عليها ويكفر عنها؟ ماذا عن رأيي حول الأنترنيت وحيواتنا السايبورغية؟ نعم، يمكنك أن تحيط نفسك بالتشفيرات ولكن كيف ستتواصل مع أناس أخرين يكدون من أجل الثورة؟

***

د. الحبيب الواعي

شاعر ومترجم وأستاذ مساعد بشعبة الدراسات الإنجليزية وآدابها بجامعة ابن زهر بأكادير، المغرب. صدر له ديوانين شعريين بالإنجليزية ومجموعة من المقالات الأدبية عن التاريخ الأدبي والشعرية الأمريكية لما بعد الحرب العالمية الثانية بالإضافة إلى ترجمات لدواوين شعرية لكل من بوب كوفمان، وديان دي بريما ومايكل روتنبرغ وشعراء آخرين من جيل البيت.

في المثقف اليوم