شهادات ومذكرات

كريم الجاف: في ذكرى الخالد محمد هادي السبيتي (3)

عبد الأمير المنصوري رجل الدعوة المفترى عليه

كيف سقط أخطر رجال تنظيم الدعوة الاسلامية بيد أخطر رجال مخابرات العراق؟

لم يعرف شيئا عن عبد الأمير المنصوري أحد القادة العسكريين لتنظيم الدعوة الاسلامية، والذي هو ثقة قائد ومفكر الدعوة محمد هادي السبيتي؛ إلا من خلال اللقاء الشهير الذي تم عرضه في تلفزيون بغداد بعد القاء القبض عليه في نهاية عام 1979، فالرجل كان مصدر حيرة وشك من قبل زملائه في تنظيم الدعوة الاسلامية، ولا سيما أبو زينب الخالصي الذي كان لديه شك بوجود صلة بين المنصوري ونظام البعث كونه كان ينتمي سابقاُ للمنظمات الطلابية البعثية، لكن هذه الانتماءات التي كانت للمنصوري هي من تدبير العقل المفكر لتنظيم الدعوة الاسلامية محمد هادي السبيتي، وقد أخبر السبيتي والدي شخصيا في عمان، وأخبر زملائه من رجال الدعوة أثناء اللقاء اليتيم معهم في طهران عام 1980 .

ومن يطلع على الهيئة الشخصية والبدنية للمنصوري سيجد أنها كانت تشبه هيئة البعثيين من حيث شاربه وملابسه، فقد كانت هذه الهيئة عملا متقناً غايته اختراق المؤسسات الأمنية والقيام بالعمليات داخل تلك المؤسسات، وقد كانت من تصميم أبو حسن السبيتي أيضا كما يخبر والدي، وبالفعل وعندما كان المنصوري يزورنا في بيتنا كانت هيئته تشبه هيئة البعثيين في منطقتنا حيث الشوارب المتينة (8 شباط) والملابس التي توحي بأنه رجل أمن.

إن بداية علاقة والدي بعبد الامير المنصوري كانت عن طريق محمد هادي السبيتي وكانت في نهاية عام 1977 كما أظن، إذ وصلت رسالة من السبيتي الذي كان يقيم في الأردن، بضرورة مد يد العون الأمني والعسكري للمنصوري العائد من دولة الكويت، وقد استجاب والدي لدعوة السبيتي، وبالفعل يحصل لقاء مع المنصوري في منطقة قناة الجيش؛ إذ أقام  في منطقة داخل قناة الجيش الموازية لشارع فلسطين، وقد كان يتقن التخفي والاختباء من أجل البقاء بعيداً عن أعين مراقبة السلطة.

لقد كان الملازم جوامير الذي هو أحد مناضلي الحركة الكوردية يوفر السلاح والعتاد لعبد الأمير المنصوري الذي كان يستلمها من خانقين ويوزعها على جماعته في بغداد والمحافظات، وقد كان يزورنا في بيتنا عبر بيت جارنا أبو جعفر الذي يقع بيته خلف بيتنا ومقابل قناة الجيش؛ حيث كان المنصوري بعد اتفاق والدي مع أبو جعفر يقفز من حائط بيته ليلا ليقيم مؤقتا في بيتنا من أجل الاستحمام ولقاء والدي، وبعدها يعود إلى مخبأه السري في قناة الجيش الذي لا يعرف مكانه حتى أقرب معارفه.

لقد كان المنصوري يلتقي مع رجال تنظيمات الدعوة في مدينة الثورة وباقي المناطق الأخرى، وقد كان التواصل مع جماعته يتم من خلال شخص يوزع الحليب عبر دراجة نارية، وكان المنصوري يرسل الينا الحليب مع رسالة لوالدي، وقد كانت أيامنا صعبة جداً بعد القاء القبض عليه وظهوره على شاشة التلفزيون عام 1980 .

ففي إحدى جلسات نادي صلاح الدين العائلي في الكرادة يخبر ضابط المخابرات العميد هوشنك سيد أحمد ضيوفه وكان والدي حاضرا الجلسة عن كيفية القاء القبض على عبد الامير المنصوري مسؤول الجناح العسكري لتنظيم الدعوة الاسلامية الذي يقوده محمد هادي السبيتي (أبو حسن)، وكيف استطاع فاضل البراك أن يميزه من بين المعتقلين بوصفه أخطر شخص، وعلى حد تعبير كاك هوشنك أن أخطر رجل في حزب الدعوة قد سقط بيد أذكى رجل مخابرات في العراق وهو الدكتور فاضل البراك الذي أتقن فنون الاستجواب والتحقيق مع المطلوبين بطرق علمية، وقد كان بعكس أبو حرب (ناظم كزار)، لا يستعمل الطرق العنيفة عند التحقيق مع معارضي النظام، بل يستعمل طرق ناعمة مع أدوات التنويم المغناطيسي التي تعلمها من المخابرات السوفيتية، ومخابرات المانيا الشرقية، والتي أصبحت جزءا مهما من وسائل جهازي الأمن المخابرات في العراق للحصول على المعلومات من الأشخاص الذين هم بحجم المنصوري الذي يصعب على أكبر محقق الحصول على معلومات مهمة منه.

يقول والدي أن كاك هوشنك حدثنا عن كيفية التعرف على عبدالامير المنصوري الذي كان ثقة أبو حسن السبيتي، والذي كما يخبرني والدي كان على علاقة متوترة مع أبو زينب الخالصي، وقد شبه والدي تلك العلاقة المتوترة بالعلاقة بين القائدين الكورديين (علي العسكري)، و(نوشيران مصطفى) حيث الشتائم والاتهامات بالخيانة والعمالة للبعثيين.

يخبرني والدي أن السبيتي أثناء لقائه معه في عمان كان يصف شجاعة وإخلاص عبد الامير المنصوري لجماعته ويشبهها باخلاص علي بن أبي طالب، فهو مقدام، يقتحم مقرات حزب البعث، والأمن، والمخابرات، ومعسكرات الجيش بشجاعة قل نظيرها، وقد كان لا يترك أي أثر على وجوده في العمليات التي يقوم بها، وقد كان الشهيد جوامير يؤمّن له السلاح ويرسلها له إلى خانقين من أجل استلامهما، كما كان يفعل مع أبو زينب الخالصي.

يقول كاك هوشنك سيد أحمد عن كيفية التعرف على عبد الأمير المنصوري في سجن الأمن العامة أن أحد ضباط الأمن الذي كان يعمل في جنوب العراق وأصبح فيما بعد يعمل في مقر مديرية الأمن العامة في بغداد، قد أخبر فاضل البراك أن هذا الشخص قد شاهده في أحد الأيام وهو يدخل مقر الأمن العامة في الناصرية تحت عنوان أنه ضابط مخابرات جاء للسؤال عن متهمين بحزب الدعوة وأنه يريد التحقيق معهم في مقر المخابرات، وهنا اشتغل كما يقول كاك هوشنك العقل الذكي لفاضل البراك، وقد اخبره مباشرة عزيزي عبد الامير المنصوري البصري انتهى الأمر لطفا اعلامي بكل شيء تعرفه عن التنظيم الذي تقوده؟، لكن المنصوري رفض الاستجابة لدعوة البراك مما أضطر أن  يستعمل معه التكنولوجيا والتنويم المغناطيسي التي جعلته يفرغ ما في دماغه للمحققين، وأستطاعت من خلالها انهاء قوة حزب الدعوة بالعراق بشكل كبير جداً، وتعد عملية التحقيق بواسطة التنويم المغناطيسي أول ممارسة لأجهزة الأمن في العراق، وقد كانت من نصيب عبد الأمير المنصوري الذي كان كما يخبرني والدي رجلا شجاعاً، وصاحب خصائل انسانية قل نظيرها، فقد كان يدعم عوائل المعتقلين ماديا بشكل سري من خلال أموال يرسلها له أبو حسن السبيتي بطريقة سرية ويخفيها المنصوري في بيتنا.

لقد كان المنصوري يؤمن بالعقيدة السبيتية التي تتميز بالاستقلال الذاتي لإرادة الدعاة، وعدم خضوع ارادتها للتأثيرات الدولية، ولا سيما تأثير الثورة الاسلامية في ايران، والتركيز على الإجماع الوطني في النشاط الذي يقاوم نظام الحكم في العراق بعد عام 1968 الذي أصبح نظاما استبداديا يرفض التعددية في الحكم.

***

الدكتور كريم الجاف – أكاديمي / العراق

في المثقف اليوم