شهادات ومذكرات

سيرة وافية للكاتب الكينى نجوجي وا ثيونجو

بقلم: ليندا جوردان تاكر وبيوتي براج

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

نجوجي واثيونجو

يُعد نجوجي واثيونجو كاتبًا كينيًا بارزًا، وناشطًا ثقافيًا، وأكاديميًا، عُرف بإسهاماته المؤثرة في الأدب والخطاب السياسي. وُلِد في 5 يناير 1938 في قرية كاميرييثو في كينيا، ونشأ في سياق يتسم بالقمع الاستعماري والمحن الشخصية، بما في ذلك آثار انتفاضة الماو ماو. بدأت مسيرته الأدبية في ستينيات القرن العشرين، وسرعان ما نال التقدير على رواياته ومسرحياته التي تتناول تعقيدات الهوية، والاستعمار، والنضال من أجل الحرية الثقافية.

على مدار مسيرته الأدبية، شدد نجوجي على أهمية الكتابة باللغات الأم، ودافع بقوة عن لغة الجيكويو بوصفها وسيلة لاستعادة التراث الثقافي. وتعكس أعماله، مثل لا تبكِ يا طفل، والنهر بيننا، وساحر الغراب، موضوعات عميقة من قبيل الصراع بين الأجيال، وتأثير الاستعمار، والسعي إلى العدالة الاجتماعية في كينيا. وقد أدى نشاطه السياسي إلى سجنه عام 1977 لأسباب سياسية، وبعدها دخل في فترة من المنفى استمر خلالها في الكتابة وإلقاء المحاضرات على المستوى العالمي.

حظيت إنجازاته الأدبية بالعديد من الجوائز والتكريمات، مما يبرز دوره كشخصية محورية في الأدب الأفريقي وصوتًا للمجتمعات المهمشة. يظل استكشافه للتقاطع بين اللغة والسياسة والهوية أمرًا بالغ الأهمية لفهم ماضي كينيا وحاضرها. واليوم، لا يزال نجوجي يواصل الكتابة والتواصل مع الجماهير العالمية، داعيًا إلى أهمية اللغات والثقافات الأفريقية في السرديات المعاصرة.

تاريخ الميلاد: 5 يناير 1938

مكان الميلاد: قرية كاميريثو، قرب ليمورو، كينيا

السيرة الذاتية

نجوجي واثيونجو عضو في قبيلة الجيكويو الكينية. وُلد باسم جيمس ثيونجو نجوجي في قرية كاميريثو، بالقرب من ليمورو في كينيا، في 5 يناير 1938، لوالديه ثيونجو وا ندوتشو ووانجيكا وا نجوجي، حيث كان الطفل الخامس للزوجة الثالثة من بين أربع زوجات لأبيه. عاش لفترة في منزل يضم ما يقارب ثلاثين طفلاً. كان والده مزارعًا مستأجرًا، وعانت العائلة من الفقر. انفصل والداه عندما كان في الثامنة من عمره تقريبًا، فعاش بعدها مع والدته وإخوته الستة. لم تتحول عائلته إلى المسيحية، ولم تمارس الطقوس الدينية التقليدية لقبيلة الجيكويو بسبب تشكك والده الديني. في صغره، اعتنق نجوجي المسيحية لفترة، لكنه تخلّى عنها لاحقًا.

فى الفترة من 1952 إلى 1956، دعا "جيش الأرض والحرية" (الذي أطلق عليه المستوطنون الاستعماريون اسم "الماو ماو") إلى المقاومة المسلحة ضد الهيمنة البريطانية، مما دفع حكومة كينيا البريطانية إلى إعلان حالة الطوارئ. تأثرت عائلة نجوجي بهذه الأحداث التاريخية، حيث كان أحد إخوته مقاتلاً في صفوف المقاومة، مما أدى إلى سجن والدته وتعذيبها لثلاثة أشهر. عند عودته من فصله الدراسي الأول في المدرسة الثانوية، وجد نجوجي منزله وقريته وقد دُمرا بالكامل على يد قوات مكافحة التمرد التابعة للحكومة الاستعمارية. ومع ذلك، تمكّن من مواصلة تعليمه رغم حالة الطوارئ التي كانت تعيشها البلاد.

تلقى نجوجي تعليمه الأولي في مدرسة ابتدائية إرسالية، حيث تعلّم اللغة الإنجليزية، ثم انتقل إلى مدرسة يديرها قوميون من قبيلة الجيكويو، والتي كانت تُدرّس للطلاب الأغاني والأدب والرقصات الكينية كجزء من مقاومة الثقافة والدين الاستعماريين. وعندما أُغلقت تلك المدرسة، حصل على مقعد في مدرسة أليانس الثانوية المرموقة في كيكويو، والتي قال عنها لاحقًا إنها كانت تُدرّب الطلاب الأفارقة المتفوقين لخدمة الإمبراطورية البريطانية دون مساءلة. في ذلك الوقت، حذره مسؤولو المدرسة من صراحته في مناقشة القضايا السياسية. إلا أن فترة دراسته في أليانس هي التي عمّقت اهتمامه المبكر بالأدب والكتابة.

بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق نجوجي بجامعة ماكيريري في كامبالا، أوغندا، حيث تخرج عام ١٩٦٤ بمرتبة الشرف في اللغة الإنجليزية. وخلال دراسته الجامعية، بدأ نجوجي مسيرته الأدبية في فترة إنتاجية مبهرة. كتب روايتين، وثلاث مسرحيات من فصل واحد، ومسرحية كاملة، وعدة قصص قصيرة. نُشرت هذه القصص لاحقًا، على التوالي، تحت عناوين: "لا تبك يا طفل" (١٩٦٤)، و"النهر بيننا" (١٩٦٥)، و"غدًا في هذا الوقت: ثلاث مسرحيات" (طبعة ١٩٧٠)، و"الناسك الأسود" (طبعة ١٩٦٢، وطبعة ١٩٦٨)، و"حيوات سرية وقصص أخرى" (١٩٧٥). وفي عام ١٩٦٥، فازت روايته "لا تبك يا طفل" بجوائز من مهرجان داكار للفنون الزنجية في السنغال، ومن مكتب أدب شرق أفريقيا.

بعد إتمامه دراسته الجامعية وقبل بدء دراساته العليا في إنجلترا، عمل نجوجي مراسلًا وكاتب عمود في صحيفة "ديلي نيشن" في نيروبي. وفي جامعة ليدز في يوركشاير، إنجلترا، أثناء دراسته لنيل درجة الماجستير في الأدب الكاريبي، كتب نجوجي رواية "حبة قمح" (1967)، وانهمك في قراءة النظريات السياسية والاقتصادية. عاد نجوجي إلى أفريقيا عام 1967 دون أن يحصل على درجة الماجستير، فقبل منصب محاضر في اللغة الإنجليزية في كلية نيروبي الجامعية. وهناك، لعب دورًا محوريًا في استبدال قسم اللغة الإنجليزية بقسمي الأدب الأفريقي واللغات الأفريقية. في عام 1969، عندما أضرب الطلاب احتجاجًا على السياسات القمعية في الجامعة، استقال نجوجي دعمًا لهم، وقبِل زمالة دراسية في جامعة ماكيريري. في ذلك الوقت، قرر التوقف عن استخدام اسمه المسيحي، جيمس نجوجي، لأنه لم يعد يعتبر نفسه مسيحيًا. بعد أن أكمل زمالته في جامعة ماكيريري، تولى نجوجي منصب أستاذ زائر في الأدب الأفريقي بجامعة نورث وسترن في إيفانستون، إلينوي. وخلال دراسته في نورث وسترن، بدأ نجوجي كتابة رواية "بتلات الدم" (1977). وعندما عاد نجوجي إلى كينيا عام 1971، أصبح محاضرًا أول، ثم رئيسًا لقسم الأدب في كلية جامعة نيروبي. كتب مع ميسيري جيثاي-موجو مسرحية "محاكمة ديدان كيماثي" (عُرضت 1974، نُشرت 1976).

في عام 1976، وفي محاولة لمشاركة ما تعلمه مع السكان المحليين، أصبح نجوجي رئيسًا للجنة الثقافية لمركز التعليم المجتمعي لقرية كاميريثو، بالقرب من مسقط رأسه. وهناك تم إنتاج مسرحيته التالية، وهناك، كتب نجوجي بالتعاون مع نجوجي وا ميريي مسرحيته التالية التي قُدمت في مسرح يتسع لألفي متفرج، وقد بناه القرويون المحليون بأنفسهم. حملت المسرحية عنوان Ngaahika Ndeenda (عُرضت عام 1977، نُشرت عام 1980؛ سأتزوج عندما أريد، 1982)، وكانت نقدًا سياسيًا لاذعًا للمجتمع الكيني في مرحلة ما بعد الاستعمار، كما هاجمت آثار المسيحية في البلاد. وقد اعتبرت السلطات المسرحية تهديدًا سياسيًا، لذا تم اعتقال نجوجي في ديسمبر 1977 وزُج به في سجن كاميتي شديد الحراسة بالقرب من نيروبي، حيث أمضى عامًا كاملًا كسجين سياسي، دون أن يُعرض على المحاكمة أو تُقدّم له أي تهمة رسمية أو تفسير لاعتقاله.

أثناء سجنه، كتب نجوجي كتب نجوجي كتاب "معتقل: مذكرات كاتب في السجن"   ورواية   "الشيطان على الصليب"  حيث كتب هذين العملين على ورق المرحاض قبلد أن تصادرهما السلطات ثم تعيدهما إليه لاحقًا. وعندما أُطلق سراحه عام 1978 في عفو عام عقب وفاة الرئيس جومو كينياتا، كان قد فقد وظيفته في الجامعة، وبدا فعليًا أنه أصبح لايصلح للوظيفة. قضى نجوجي العامين التاليين في تأليف كتابه:  "العودة إلى الوطن: مقالات عن الأدب والثقافة والسياسة في أفريقيا والكاريبي" (1978) وترجمة الشيطان على الصليب من لغة الكيكويو إلى الإنجليزية، وكتابة مجموعة مقالات أخرى بعنوان الكتّاب في السياسة (1981)، والتي وسّع فيها أفكاره السياسية والأدبية والاجتماعية. كما واصل مشاركته في مركز كاميريثو التعليمي المجتمعي، حيث كتب مسرحية جديدة. وعلى الرغم من أن البروفات كانت علنية وشهدها عدد كبير من الناس، قامت الحكومة في عام 1982 بمنع عرض المسرحية، وحظرت فرقة المسرح، ودمّرت المسرح القروي.

في عام 1982، وبينما كان نجوجي في لندن لأسباب مهنية، وقع انقلاب فاشل في كينيا. وقد أدت القيود الحكومية اللاحقة إلى زيادة مخاوف نجوجي من التعرض لمزيد من الانتقام، ومن ثم منعته من العودة إلى وطنه. وقد أدى هذا إلى فصله عن زوجته الأولى وأطفاله، الذين تعرضوا لسوء المعاملة من قبل السلطات في غيابه. في عام 1986، نشر كتاب: " تفكيك الاستعمار الذهني: سياسة اللغة في الأدب الإفريقي"، وهو مجموعة من محاضراته التي ألقاها في جامعة أوكلاند بنيوزيلندا.وصرّح حينها بأن هذا سيكون آخر كتاب إبداعي له يُكتب بالإنجليزية؛ ومنذ ذلك الحين قرر أن يكتب فقط بلغته الأم، الكيكويو. وفي العام نفسه، نشر روايته الثانية المكتوبة بالكيكويو، ماتيغاري ما نْجيروينغي (ماتيغاري، 1989)، والتي تمت مصادرتها وحظرها في كينيا. كما صدرت له في العام نفسه أيضًا كتابا "أمي، غنِّ لي" و"الكتابة ضد الاستعمار الجديد". في عام 1989، بدأ المؤلف الكيني المنفي العمل كمدرس لمدة ثلاث سنوات في جامعة ييل، وفي عام 1993 قبل وظيفة في جامعة نيويورك.

في تلك الفترة، نشر نجوجي أيضًا سلسلة من كتب الأطفال تتناول شخصية نجامبا نيني: "نجامبا نيني والحافلة الطائرة" (1986)، و"نجامبا نيني والزعيم القاسي" (1988)، و"مسدس نجامبا نيني" (1990).

في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، واصل نجوجي إنتاج الروايات ونشر أفكاره حول دور الكاتب. في عام 1993، نشر كتاب "تحريك المركز: النضال من أجل الحريات الثقافية". تبع ذلك نشر كتاب "نقاط القلم، ونقاط البندقية، والأحلام: نحو نظرية نقدية للفنون والدولة في أفريقيا" عام 1998، استنادًا إلى سلسلة محاضرات ألقاها في جامعة أكسفورد عام 1996. وفي عام 2004، نُشرت رواية أخرى بعنوان "موروجي وا كاغوغو"، وظهرت ترجمتها الإنجليزية بعد عامين بعنوان "ساحر الغراب"

أثناء عمله كأستاذ للأدب المقارن ودراسات الأداء في جامعة نيويورك، أسس نجوجي مجلة "موتيري" الناطقة بلغة الجيكويو. ثم واصل سعيه لتعزيز الحوار بين اللغات ومجتمعاتها، من خلال عمله أستاذًا للأدب الإنجليزي والأدب المقارن، ومديرًا مؤسسًا للمركز الدولي للكتابة والترجمة في جامعة كاليفورنيا، إرفاين.

نال نجوجي، بفضل جهوده ككاتب وناشط اجتماعي، العديد من الأوسمة والجوائز، منها جائزة زورا نيل هيرستون-بول روبسون من مجلس الدراسات السوداء (1993)، وجائزة فونلون-نيكولز للتميز الفني وحقوق الإنسان (1996)، وجائزة نونينو الدولية للأدب (2001)، وجائزة إريك ماريا ريمارك للسلام (2019)، وجائزة كاتالونيا الدولية (2020). كما حصل على دكتوراه فخرية من أكثر من اثنتي عشرة كلية وجامعة، وانضم إلى الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم.

في عام 2004، وبعد اثنين وعشرين عامًا من المنفى، مكّنته الظروف السياسية المتغيرة في كينيا من العودة إلى موطنه الأصلي في زيارة استمرت شهرًا. ورغم الترحيب الحار الذي لاقاه، تعرض نغوجي لهجوم من لصوص، واغتُصبت زوجته الثانية، وهي حادثة اختارا لاحقًا الكشف عنها علنًا. عاد لزيارة أخرى في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

كانت فترة أوائل القرن العشرين فترةً مثمرةً لنجوجي، الذي نشر كتابًا تقريبًا كل عام بدءًا من عام 2009. في كتابه شيء ممزق وجديد: النهضة الأفريقية (2009)، يستكشف تاريخ الاستعمار الأوروبي لأفريقيا وتأثيراته الاقتصادية واللغوية والثقافية. يحتوي كتابه باسم الأم: تأملات حول الكتاب والإمبراطورية (2013) على مقالاته حول الإمبريالية والاستقلال والنيوليبرالية وأعمال الكتاب الأفارقة والكاريبيين. في العولمة النقدية: النظرية وسياسة المعرفة (2014)، يناقش نجوجي موضوعات مثل اللغة والسياسة، والتقاليد الشفوية، والهيمنة الثقافية في التعليم. أما المجموعة الاستعادية تأمين القاعدة، وإظهار أفريقيا للعالم التي نُشرت عام 2016، فهي تضم ثلاثة عقود من مقالات نجوجي.

كتب نجوجي أيضًا العديد من المذكرات بدءًا من طفولته خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها في كتاب "أحلام في زمن الحرب" (2011). يروي كتاب "في بيت المترجم" (2015) قصة شبابه في ظل حركة الأرض والحرية، بينما يستذكر كتاب "ميلاد ناسج الأحلام: صحوة كاتب" (2016) سنوات دراسته الجامعية، وحالة الطوارئ التي سبقت ذلك، وانفصال والديه. في عام 2018، نُشرت نسخة محدثة ومختصرة من مذكراته في السجن بعنوان "محتجز" بعنوان "مصارعة الشيطان" وظهرت لأول مرة في الولايات المتحدة.

واصل نجوجي الكتابة وإلقاء القراءات والظهور المتكرر في مهرجانات الكتب حول العالم حتى عشرينيات القرن الحادي والعشرين. شهد عام 2020 نشر ترجمته الإنجليزية لرواية "التسعة المثاليون: ملحمة جيكويو ومومبي"، وهي روايته الملحمية بلغة جيكويو المستوحاة من الأساطير. حقق الكتاب إنجازًا تاريخيًا بإدراجه ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر الدولية المرموقة، مسجلًا بذلك أول ترشيح لعمل مكتوب بلغة أفريقية.

ظل نجوجي لفترة طويلة من حياته مناصرًا لفكرة كتابة الأفارقة بلغاتهم الأفريقية الأصلية بدلًا من الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها من اللغات الأوروبية. ومنذ عام 1977، تناول هذا الموضوع في مناسبات عديدة خلال محاضراته وندواته. وفي عام 2023، أصدر كتابًا بعنوان "لغة اللغات" يضم مجموعة من محاضراته حول هذا الموضوع في الفترة ما بين عامي 2000 و2019.

التحليل

الصراع الحتمي بين شعوب كينيا وطرقهم القبلية من جهة، والثقافة والدين والسياسة المستوردة من المستعمرين من جهة أخرى، هو موضوع معظم أعمال نغوغي وا ثيونغو. تُعد أهمية استعادة الأرض، التي لا تحمل فقط قيمة اقتصادية بل وروحية أيضًا للشعب الأصلي، واحدة من المواضيع المتكررة في كتاباته. يصور نغوغي العواقب المدمرة للإمبريالية على المستويات الوطنية والمحلية والشخصية. تظهر بعض أشد تأثيرات تغلغل الثقافة البيضاء في تفكك العلاقات الأسرية والصداقات. غالبًا ما تدور رواياته في قرى صغيرة ترمز بشكل مجازي إلى قارة أفريقيا بأسرها في نضالها من أجل الاستقلال والهوية. وبالمثل، تمثل الأسر المفككة والصداقات المقطوعة في أعماله تفكك مجتمع الغيكويو. رؤية نغوغي سياسية إلى حد بعيد؛ فقد كانت أعماله الروائية المبكرة محافظة، ثم أصبحت أكثر ليبرالية وتطرفًا، لكنه في مراحل لاحقة من مسيرته أعرب عن آراء أكثر اعتدالًا.

تُعدّ قدسية التراب جوهر الوعي الكيني، وبالتالي جوهر أدب نجوجي. فقد وهب الخالق، مورونجو، الأرض لأول رجل وامرأة، جيكويو ومومبي، وأمرهما بحكمها وزراعتها. وتظل هذه الأسطورة، التي تُصوّر الأرض رمزًا للثقة المقدسة، دائمًا في خلفية أدب نغوجي، بل وفي طليعته في كثير من الأحيان. فعندما يستولي الأجانب على الأرض، لا يُشرّد الكينيون ويُدمّرون ماليًا فحسب، بل يُعزلون أيضًا عن إلههم وميراثهم الروحي.

معظم شخصيات نجوجي تشعر بضرورة استعادة الأرض، لكنها غير متفقة على كيفية تحقيق ذلك. الجيل الأكبر يستند إلى النبوءة التي تقول إن قائدًا سينبعث من التلال ليحرر الناس من العبودية، لذا هم مستعدون للانتظار حتى يأتي ذلك المخلص. أما الجيل الأصغر فهو أقل صبرًا وأكثر تشددًا في الموقف. يصوّر نجوجي صراعات الأجيال والتأثير المدمر لهذا الانقسام على مقاومتهم للمستعمرين. هذا الانقسام يثقل أيضًا كاهل العلاقات الأسرية والصداقة. في رواية لا تبكِ يا طفل، يظهر الصراع بين الأجيال في العلاقات المأساوية المحطمة بين نغوثو وبورو، الأب وابنه. مصدر آخر للصراع يأتي من أولئك السكان الأصليين، مثل جوشوا في رواية النهر بيننا، الذين يعتنقون الدين والعادات الغربية، فينبذون قومهم ويدينون أساليبهم .

يُعدّ تأثير الاستعمار على أساليب الحياة التقليدية موضوعًا رئيسيًا آخر في روايات نغوجي. ويدور الصراع بين السكان الأصليين الملتزمين بعادة قبلية مهمة والمبشرين المسيحيين المعارضين لهذه الممارسة في جوهر رواية "النهر الفاصل". لا يفهم المبشرون أهمية طقوس الختان كوسيلةٍ يُمكّن الشباب والشابات من تحقيق مكانةٍ كاملةٍ في القبيلة وتلقّي معارف قبلية سرية. يعارض نغوجي هذه الطقوس، ولكنه يعارض أيضًا إدانة المسيحيين لها، ويجعلها رمزًا آسرًا لصراع الثقافات. يصوّر نغوجي الطرق التي يعاقب بها المستعمرون الكينيين عند تعارض الأيديولوجيات الأصلية والغربية؛ على سبيل المثال، يرفض المبشرون في الرواية توفير التعليم للشباب المختونين. في روايات نغوجي المبكرة يُعد التعليم مفتاحًا لحل مشاكل كينيا، لذا فإن حرمان الأطفال من التعليم يمثل ضربة شديدة، رغم أن التعليم الذي يقدمه المبشرون يحمل جانبًا دينيًا مكثفًا. لذلك، يحذر والد واياكي في النهر بيننا ابنه باستمرار من ضرورة تلقي تعليم الرجل الأبيض، لكنه ينصحه أيضًا بالابتعاد عن طرقه ودينه.

يُجسّد مشهد المدرسة التبشيرية موضوعًا آخر من مواضيع نجوجي، وهو الدور الاستغلالي للمسيحية في كينيا. يعتقد نجوجي أن المسيحية قد خدمت غرض التوسع الاستعماري ومحو الثقافات الأصلية، وغالبًا ما تُصوَّر شخصياته المسيحية على أنها جامدة وغير كريمة، إن لم تكن عديمة الضمير تمامًا. في مسرحية "سأتزوج متى شئت"، يصور نجوجي رجل أعمال مسيحيًا ثريًا يستغل الدين والكنيسة لخداع مزارع وسرقة أرضه. على الرغم من معارضته للدين، غالبًا ما يستخدم نجوجي الرمزية المسيحية في رواياته لأنها مرجع معروف ومفيد للقراء. لا يعارض نجوجي المسيحية فحسب، بل يعارض أيضًا جميع الديانات غير الأفريقية في كينيا، بما في ذلك الإسلام.

تتسم رؤية نجوجي بالتوازن والواقعية في تعامله مع مشكلات كينيا. فبالإضافة إلى تصويره لقمع المستوطنين البريطانيين، يتناول بجرأة ونزاهة نقاط الضعف لدى السكان الأصليين التي تعيق قدرتهم على تحرير أنفسهم من سيطرة البيض المغتصبين. يصور نجوجي القبلية، والمسيحية المخلصية، والشك الذاتي، والسذاجة كأبرز المشكلات التي تواجه الشعب.  تقف القبلية في طريق وحدة أكبر وأكثر فعالية سياسياً. إن الشك الذاتي يشل أولئك الذين يمكن أن يكونوا قادة؛ ومن ناحية أخرى، هناك أولئك الذين لديهم رؤى لأنفسهم على أنهم مسيح. إن السذاجة قاتلة لقيادة أولئك الذين يستقرون على قضية واحدة، مثل التعليم، كنقطة تجمع للحرية. في خيال نغوجي، لا يكون التعليم فعالاً إلا عندما يقترن بالعمل السياسي. حتى أولئك الذين يتخذون إجراءً قد يخلقون عواقب غير متوقعة؛ على سبيل المثال، يصوّر نجوجي جماعة الماو-ماو على أنها ذات تأثير مدمر على تماسك الأسرة. كما يُقلق نجوجي اضطهاد المرأة في مجتمع الجيكويو، ويعالج هذا الموضوع بشكل متكرر في كتاباته.

في الواقع، بدءًا من رواية الشيطان على الصليب (Devil on the Cross)، تظهر تغيّرات دقيقة لكنها مهمة في معالجة شخصية المرأة، وكذلك في التمثيلات الرمزية للجسد، ووجهات النظر حول مصادر القمع، وأساليب السرد في روايات نجوجي. إذ لم تعد المرأة مجرد شخصية ثانوية أو ضحية فقط، بل أصبحت بطلة في نصوصه. فبالإضافة إلى إبراز بطلات، تولي كلٌّ من روايتي "الشيطان على الصليب" و"ساحر الغراب" اهتمامًا متواصلًا بالمشاكل الاجتماعية، كالضرب والاستغلال الجنسي، التي تُبتلى بها النساء. مع ذلك، لا تُصوَّر النساء كضحايا فحسب. ففي "الشيطان على الصليب"، تتمكن وارينجا من الدفاع عن نفسها وعن الآخرين. وبالمثل، في "ساحر الغراب"، تُنشئ نياويرا محكمة نسائية للنظر في قضايا ضرب الزوجات.

على الرغم من أن رؤية نجوجي الفنية كانت دائمًا تدعو إلى الوحدة، إلا أن أعماله اللاحقة تقدم هذا التوجه الجماعي باعتباره ترياقًا لثقافة الخوف. إن تحدي هذه الثقافة أمر بالغ الأهمية، لأنها -جزئيًا- ما يكبح احتجاج الشعوب. وينعكس هذا التحول في التركيز على القيادة الفاسدة التي تغذي ثقافة الخوف من خلال التركيز على الأجساد المشوهة والمُعدّلة للنخب الأفريقية. فبينما كانت بطون المستوطنين المتدلية في أعماله المبكرة ترمز إلى فسادهم، أصبحت البطون الضخمة في روايتي "الشيطان على الصليب" و"ساحر الغراب" مرتبطة بالنخبة الأفريقية كعلامة على فسادهم ايضا .وفي "ساحر الغراب"، يتم استغلال فكرة التعديل الجسدي الذاتي التي ظهرت في "الشيطان على الصليب" لكشف التواطؤ المتعمد الذي يعزوه نجوجي إلى هذه الطبقة من الكينيين. فمن خلال تشويه أجسادهم طواعيةً، يصبح النخبويون تجسيدًا مرئيًا لانحطاطهم الأخلاقي واستعدادهم لتشويه هويتهم ووطنهم في سعيهم وراء السلطة والثروة. وهكذا، لا ينتقد نجوجي الفساد السياسي فحسب، بل يكشف أيضًا كيف يصبح القمع داخليًا، حيث يتبنى المضطهدون نفس الأدوات الاستعمارية التي استُخدِمت ضدهم ذات يوم.

بالإضافة إلى ذلك، في رواية "ساحر الغراب"، يتمركز دور الراوي كشخصية محورية في السرد. فجزء كبير من الرواية يُعرض من خلال منظور شخصية أريجايجاي جاثيري، المعروف اختصارًا بـ "أ. ج." في بداية الرواية، كان أ. ج. شرطيًا، لكنه مع تطور الأحداث يصبح راوي قصص متجول يعتمد على سرد حكاياته لكسب رزقه. هذا التحول من ممثل للدولة إلى راوي يحتفي بانتصار ساحر الغرب على الدولة يوضح رؤية نجوجي لدور الفنان في المجتمع. لا يحتفي أ. ج. بانتصار الساحر على الدولة فحسب، بل يُذكّر القارئ طوال الرواية بقيمة تعدد وجهات النظر حول الأحداث نفسها. تُشير كل هذه التغييرات مجتمعةً إلى التزام نجوجي المستمر بالفن كأداة لشرح التجارب الاجتماعية للمهمّشين وتنشيطها واستكشافها، وبالتالي إثراء الوعي الإنساني.

لا تبكِ يا طفل (رواية )

تاريخ النشر الأول: 1964

تدور أحداث الرواية حول عائلة تنغمس في دوامة الاضطرابات خلال حالة الطوارئ التي شهدتها كينيا في خمسينيات القرن العشرين.

تُعد "لا تبكِ يا طفل" ثاني رواية يكتبها نجوجي، لكنها أول رواية تنشر له. تدور أحداث الرواية في كينيا خلال الخمسينيات المضطربة، وتحكي قصة عائلة وكيف تأثرت هذه العائلة بالصراع العلني بين السكان الأصليين والمستعمرين. في بداية الرواية، تبدو العائلة فقيرة لكنها سعيدة ومتماسكة، لكن الأحداث تتتبع تفككها تدريجياً. البطل، نجوروجي، طفل صغير يحلم بالتعليم ويشعر بفرح غامر عندما يُقبل في المدرسة التبشيرية. أما والده، نجوثو، فهو مزارع يعمل في أرض يملكها جاكوبو، مزارع أفريقي ثري. يعمل نجوثو لدى البريطاني السيد هاولاندز في مزرعة شاي تقع على أرض أجداده، منتظراً بصبر تحقيق النبوءة التي ستخلص شعبه من الظلم. بينما يعود ابنه الأكبر، بورو، من خدمته العسكرية في الحرب العالمية الثانية وهو ممتلئ بالمرارة وخيبة الأمل، بعد أن رأى بوحشية الرجل الأبيض عن كثب.

يكره بورو سلبية والده، ولإرضائه، ينخرط نجوثو في إضراب ويقود هجوماً على جاكوبو الذي يحاول قمع المضربين. ونتيجةً لذلك، يفقد نجوثو عمله. يصبح بورو قائداً للمقاومة المسلحة وناشطاً سياسياً ينتهي به المطاف بقتل هاولاندز وجاكوبو. ورغم إلقاء القبض على بورو والحكم عليه بالإعدام، يعترف نجوثو بقتل جاكوبو، فيُعذَب حتى الموت. أما نجوروجي، الذي أصبح في التاسعة عشرة من عمره، فيُعتقل ظلماً بتهمة التواطؤ مع والده، ويُعذَب هو الآخر، كما يُحرم من أحلامه بالتعليم. تنتهي الرواية بمحاولة نجوروجي الانتحار شنقاً، لكن بينما يقف تحت الشجرة حاملاً الحبل، تصل أمه بحثاً عنه وتعيده إلى البيت.

تعكس هذه الرواية آثار انتفاضة "ماو ماو" على القرويين العاديين. تمثل الشخصيات الرئيسية القوى الاجتماعية المتصارعة خلال حالة الطوارئ في كينيا: السيد هاولاندز، المزارع البريطاني الذي يعمل ضابطاً في المنطقة، ويقمع الانتفاضة بوحشية. وجاكوبو، المتعاون القاسي مع الحكومة الاستعمارية. أما بورو فيمثل جيل الشباب الكيني الذي لا يشارك صبر الأجيال الأكبر (ممثلةً بوالده)، بل يسعى للإطاحة بالحكومة الاستعمارية بأي وسيلة، حتى ولو  العنف. بينما يجسد نجوثو معاناة الفلاحين الجيكويو المعدمين والمحرومين من حقوقهم. ويمثل نجوروجي القرويين الأبرياء الذين تدمر حياتهم أحداث خارجة عن إرادتهم. فهو يحلم بدور البطل المنقذ، متأملاً قصة داوود وجوليات، لكنه يكتشف قسوة الواقع.

تظهر الرواية كيف أن الحكومة الاستعمارية وحشية بلا رحمة، وهي المسؤولة عن تفكك عائلة نجوثو والمجتمع الأكبر الذي تمثله. لكن انتفاضة "ماو ماو" أيضاً، بتمسكها بالعنف المحض، تساهم في معاناة الجيكويو، مما يجعل الصراع أكثر تعقيداً من مجرد صراع بين الخير والشر.

النهر بيننا (رواية)

تاريخ النشر الأول: 1965

يفشل زعيم شاب من الجيكويو في توحيد شعبه المنقسم بسبب الصراعات القبلية.

كُتبت رواية "النهر بيننا" للمشاركة في مسابقة أدبية شارك فيها نجوجي أثناء دراسته الجامعية، حيث فازت بالجائزة الأولى. تدور أحداث الرواية قبل حوالي خمسة وعشرين عاماً من أحداث رواية "لا تبكِ يا طفل". وتصور الرواية، التي تقع أحداثها في أراضي الجيكويو، الصراع بين أبناء السكان الأصليين في مناطق كامينو وماكيو، الذين تختلف آراؤهم حول وجود الرجل الأبيض. يتجسد هذا الصراع بين التقليديين بقيادة كابونيي، والمعتنقين للمسيحية والتفكير الغربي بقيادة جوشوا.

بينما يرى البطل واياكي بعض الإيجابيات في كل من التقاليد القبلية والتفكير الغربي، إلا أنه لا يتبنى أي منهما بالكامل، مما يجعله عرضةً لسحب الحبل من كلا الطرفين بينما يحاول تعليم شعبه. والده، تشيجي، الذي يعتقد أن ابنه هو المسيح المنتظر وفقاً للنبوءة، يرسل واياكي إلى المدرسة التبشيرية ليتعلم كل ما يمكنه من حكمة الرجل الأبيض، لكنه يحذره من أن يبقى وفياً لشعبه وتقاليدهم.

يأخذ واياكي مكانه كعضو بالغ في القبيلة عندما يشارك في طقوس الختان. تعارض المدرسة التبشيرية هذه الطقوس بشدة، وعندما تموت صديقته موثوني بسبب عدوى بعد ختانها، ترفض المدرسة السماح للطلاب المختونين بحضور المزيد من الدروس. يعود واياكي إلى التلال ويؤسس مدارسه الخاصة. حماسه الكبير للتعليم يكسبه احترام ومحبة شعبه، الذين يرون فيه منقذهم من سيطرة وهيمنة الاستعمار.

يقع واياكي في حب نيامبورا، ابنة جوشوا، الذي اعتنق المسيحية وتخلى عن عادات قبيلته، وخاصةً طقوس ختان النساء.الفتاة المتوفاة، موثوني، كانت أخت نيامبورا، التي عانت من صراع داخلي بين رغبتها في أن تكون مسيحية و الانتماء إلى جيكويو في آن واحد. كان جوشوا قد منعها من المشاركة في الطقوس، لكنها عصت أوامره لكي تظل جزءاً من القبيلة. جوشوا أبٌ وقائدٌ متعصبٌ لا يلين ولا يتراجع.

القوة السياسية الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار هي "كياما"، المنظمة المتشددة المكرسة لحماية التقاليد القبلية. تطلب "كياما" قسم ولاء للحفاظ على نقاء القبيلة. ويصبح واياكي عرضة لانتقاد "كياما" بسبب سذاجته السياسية؛ فهو يفكر فقط في التعليم كمفتاح لمساعدة شعب الجيكويو، وليس في العمل السياسي. ونقطة ضعفه الأخرى هي حبه لنيامبورا. يُشاهد معها ويصر على عدم إنكار مشاعره تجاهها، مما يؤدي إلى تقديمهما معاً إلى "كياما" للمحاكمة. خصم واياكي وزعيم "كياما" هو كابونيي، الذي استغل نفوذه لتوجيه المنظمة ضد واياكي. ومن المتوقع أن يُحكم على واياكي ونيامبورا بالإعدام.

الفكرة الأساسية في رواية "النهر بيننا" هي دور التعليم والنشاط السياسي في حركة المقاومة. إن استجابة واياكي المثالية لاحتياجات الشعب تمنحهم فقط جزءاً مما يحتاجون إليه منه. فهم بحاجة إلى التعليم الذي يقدمه لأطفالهم، لكنهم يحتاجون أيضاً إلى عمل سياسي حاسم، وهو ما يبدو أن واياكي -المشغول بمدارسه وبحب نيامبورا- غير مدرك أنه بهذا يفشل في النهاية في خدمة شعبه ويضع نفسه في موضع الخطر. ومثل نجوروجي في رواية "لا تبك يا طفل"، لديه رؤية مسيحية لنفسه، لكنه لا يستطيع تحقيقها.

ساحر الغراب (رواية)

تاريخ النشر الأول: (باللغة الجيكوية  2004) / (الترجمة الإنجليزية: 2006)

رجل عادي يصبح بالصدفة "ساحر الغراب"، ويتحول دون قصد إلى رمز لمقاومة الشعب ضد حاكم مستبد.

تعكس رواية "ساحر الغراب" التحولات السياسية العالمية منذ أن بدأ نجوجي الكتابة. ولأنها تحاول تقديم سرد تاريخي، تضم الرواية شخصيات عديدة. ومع ذلك، فإن جميع الأحداث التي تدور في جمهورية أبوريريا الحرة (دولة خيالية) ترتبط بطريقة ما بأربع شخصيات رئيسية: كاميتي وا كاريميري (الرجل الذي سيعرف لاحقاً باسم ساحر الغراب)، وجراس نياويرا (رئيسة حركة صوت الشعب)، والحاكم المستبد للبلاد (المعروف ببساطة باسم "الحاكم")، وتايتس تاجاريكا (رجل أعمال ثم وزير، وأخيراً خليفة الحاكم).

يتحالف كاميتي ونيويرا في معارضة سعي الحاكم المتعطش للتمجيد الشخصي على حساب رفاهية المواطنين. يتجسد هذا السعي في محاولة الحاكم الحصول على قرض من البنك العالمي لبناء أطول ناطحة سحاب في العالم كـ"نصب تذكاري" له تحت اسم "مسيرة إلى الجنة"، في وقت يعاني فيه الشعب من بطالة جماعية. ورغم أن كاميتي ونيويرا ينتصران بمعنى أنهما يتفاديان الاعتقال وينجوان من محاولات الاغتيال، ويوسعان نطاق حركة صوت الشعب، فإن الرواية تنتهي بنجاحهما كتناقض صارخ مع بدء دورة جديدة من الاستغلال. فالحاكم يُخلَف بواسطة تاجاريكا (الذي أصبح يعرف الآن باسم الإمبراطور تيتوس فلافيوس فيسباسيانوس وايت هيد)، ويتم الحصول على القروض من البنك العالمي، وتتحول خطط "مسيرة إلى الجنة" إلى بناء مدرج روماني حديث تكريماً للإمبراطور الجديد.

في هذه الرواية، تتراجع الموضوعات المركزية لأعمال نجوجي المبكرة (مثل الصراع بين الأجيال، والتعليم كوسيلة للتقدم الاجتماعي، وأنماط الحياة التقليدية)، وبدلاً من ذلك، يُركّز على وصف مركزية الرأسمالية في الحياة المعاصرة. إضافةً إلى ذلك، ينتقل الكاتب من كينيا كمكان رئيسي إلى مكان خيالي يُراد منه تمثيل الدول الأفريقية في فترة ما بعد الاستعمار بشكل عام. فجمهورية أبوريريا الحرة تُستخدم لتوضيح الآليات التي تنخرط بها العديد من الدول ما بعد الاستعمار في الاقتصاد العالمي، وهي الفكرة التي تطلق عليها الرواية اسم ""الشراكة" (مزيج من الشركة والمستعمرة).

ورغم أن نجوجي يرى أن تعاون النخبة مع هذه الآليات يقوض رفاهية الأمة والجماهير، إلا أنه يقدم هذا النقد بسخرية لاذعة. فجشع الحاكم، مثلاً، يُرمز إليه بالمرض الذي يعاني منه خلال معظم أحداث الرواية – تورم جسدي غامض ومتناسب يُطلق عليه الأطباء اسم "التضخم الذاتي" (SIE)، بل ويقومون حتى بتسجيله كعلامة تجارية! هذه الاستعارة الساخرة تكشف كيف تحوّلت الأمراض الاجتماعية إلى سلع قابلة للتسويق في ظل النظام الرأسمالي العالمي. يُظهر هذا التحول الجذري في أعمال نجوجي انتقاله من الاهتمام بالقضايا المحلية إلى تحليل الأنظمة العالمية، مع الحفاظ على رؤيته النقدية الثاقبة. فـ"الكوربروني" ليست مجرد مفهوم خيالي، بل هي تشخيص دقيق للعلاقة غير المتكافئة بين الدول الأفريقية والمراكز الرأسمالية العالمية، حيث تُستبدل الهيمنة الاستعمارية المباشرة بهيمنة اقتصادية أكثر خبثاً.

يستكشف نجوجي في رواية "ساحر الغراب"، مجموعة جديدة من الموضوعات. فيتحول التركيز من الهوية المحلية إلى ديناميكيات التبادل العالمي (الإيجابية والسلبية). وتكشف الرواية كيف يشكل التوسع الرأسمالي والحكومات الفاسدة عوائق أمام العدالة الاجتماعية في العديد من دول ما بعد الاستعمار، وتُبرز أهمية تحدي الحكم الاستبدادي، حتى وإن كان النجاح محدودًا أو مشوبًا بالتحفظات.

محاكمة ديدان كيماثي (مسرحية)

تاريخ العرض الأول: 1974 (تاريخ النشر الأول: 1976)

تُقدِّم المسرحية إعادة تخيل مبتكرة لمحاكمة زعيم حركة "ماو ماو"، مدمجةً مع مشاهد من مسيرته ومن تاريخ كينيا.

كُتِبَت "محاكمة ديدان كيماثي" بالتعاون مع ميسيري جيثاي-موغو، كردّ من نجوجي على الكتابات الاستعمارية عن حركة "ماو ماو"، التي صورت الحركة وقائدها ديدان كيماثي تقليديًا على أنهم مضطربون عقليًا ووحشيون. اختار نجوجي وزميله مواجهة هذه الصورة من خلال تقديم صورة لكيماثي كرجل شجاع ملتزم، كما رآه فلاحو كينيا وعمالها.

أُلقي القبض على كيماثي وحُوكم عام ١٩٥٦. لم يحاول الكاتبان إعادة إنشاء المحاكمة بطريقة واقعية. فبدلاً من سرد درامي محكم، تتكون الحبكة من حلقات منفصلة لكنها مرتبطة موضوعياً. تتخلل مشاهد المحكمة مشاهد أخرى تصوّر فصولاً من تاريخ كينيا خلال المئتي عام السابقة، ومشاهد لكينويين يحاولون مساعدة كيماثي على الهروب، ومشاهد لتفاعلات كيماثي مع المقاتلين، ومشاهد له في السجن، ومشاهد لتعذيبه. تتضمن المسرحية أغاني ورقصات من قبيلة جيكويو، وحتى التمثيل الصامت (الميم).

من خلال هذه المسرحية، يعيد نجوجي قراءة التاريخ لتصحيحه ومحو الأكاذيب التي روّجها الاستعمار عمدًا، ساعيًا بذلك إلى مساعدة بلاده في التحرر من إرث القمع. وبهذا تعد المسرحية جزءًا من مشروعه الأكبر لاستعادة السرد التاريخي الأفريقي من قبضة الرواية الاستعمارية، حيث يتحول كيماثي من "مجرم" في السجلات البريطانية إلى بطل شعبي يقاوم الظلم.

ملخص موجز:

تُصوّر أعمال نجوجي وا ثيونجو كينيا في حقبة ما قبل الاستعمار، وفي حقبة الاستعمار، وبعد الاستقلال. كما يُصوّر وا ثيونجو ببراعة الآثار المدمرة للإمبريالية على السكان الأصليين،، سواء في الصراعات بين الثقافات أو الصراع الذي تنشئه الإمبريالية داخل الثقافة الأصلية نفسها. في أعمال نجوجي الروائية، بمجرد أن يتحرر الكينيون من هيمنة المستعمرين البيض ويستعيدوا عهدهم المقدس — الأرض — يجب عليهم بعد ذلك مواجهة المشاكل التي تصاحب الاستقلال. هناك صراع ومعاناة كبيرة في أعمال نجوجي، ولا يكون الأمل دائماً متوازناً معها بشكل واضح.

***

...................

قائمة المراجع

1.  بيسشوف، جاكي. " الكاتب الكيني نجوجي واثيونجو يُكرَّم لكتابته المتحمسة بلغته الأم." كواترز (Quartz)، 30 آذار/مارس 2021،

qz.com/africa/1990528/international-booker-prize-longlists-ngugi-wa-thiongo-and-david-diop. تم الدخول في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2024.

2.  كانتالوبو، تشارلز، محرر. نجوجي واثيونجو: نصوص وسياقات. منشورات جامعة إدنبرة، 1997.

3.  كوك، ديفيد، ومايكل أوكينيمكيبي. نجوجي واثيونجو: استكشاف لأعماله. هاينمان، 1997.

4.  جيكاندي، سايمون. نجوجي واثيونجو. منشورات جامعة كامبريدج، 2001.

5.  كيلاَم، ج. د. مقدمة إلى كتابات نجوجي. هاينمان، 1980.

6.  كيلاَم، ج. د. نجوجي واثيونجو." في أدب شرق ووسط أفريقيا. هاينمان، 1984.

7.  لوفزي، أوليفر. نجوجي واثيونجو. توين، 2000.

8.  مور، جيرالد. نجوجي واثيونجو: نحو أوهورو." في اثنا عشر كاتبًا أفريقيًا. منشورات جامعة إنديانا، 1980.

9.  نازاريث، بيتر، محرر. مقالات نقدية عن نجوجي واثيونجو. توين، 2000.

10.     ندغيريغي، غيسينغيري. مسرح نجوجي واثيونجو وتجربة مسرح كامييريثو الشعبي. منشورات إفريقيا العالمية، 2000.

11.     نجوجي واثيونجو. "'لقد كان تحدياً': مقابلة مع نغوجي واثيونغو." مقابلة أجراها نيل مونشي. فايننشال تايمز، 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2016،

www.ft.com/content/5305acae-aa82-11e6-9cb3-bb8207902122?mhq5j=e6. تم الدخول في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2024.

12.     باركر، مايكل، وروجر ستاركي، محرران. آداب ما بعد الاستعمار: أتشيبي، نغوجي، ديزاي، والكوت. مطبعة سانت مارتين، 1995.

13.     "ملف عن ناشط أدبي واجتماعي." Ngũgĩ wa Thiong’o، 2018،

ngugiwathiongo.com/about. تم الدخول في 2 أيلول/سبتمبر 2021.

14.     عدد خاص من مجلة الأبحاث في الأدب الإفريقي، المجلد 16، العدد 2، 1985.

15.     شارما، جوفيند نارين. "الاشتراكية والحضارة: التقليدية الثورية لدى نجوجي واثيونجو." أرييل، العدد 19، نيسان/أبريل 1988، الصفحات 21–30.

16.     سيشيرمان، كارول. نجوجي واثيونجو: ببليوغرافيا للمصادر الأولية والثانوية، 1957-1987. هانز زيل، 1989.

17.     ويليامز، باتريك. نجوجي واثيونجو. منشورات جامعة مانشستر، 2000.

رابط المقال:

https://www.ebsco.com/research-starters/literature-and-writing/ngugi-wa-thiongo

في المثقف اليوم