شهادات ومذكرات

علي حسين: 20 عاما على رحيل كلود سيمون.. ماذا قرأت له؟

مرت امس - السادس من تموز - ذكرى رحيل الكاتب الفرنسي كلود سيمون والذى يعتبر من أشهر الكتاب الفرنسيين لكونه حصل على جائزة نوبل للاداب عام 1985 وقد أنتج عددا من أبرز نماذج الرواية الفرنسية الجديدة تمثلت في رواياته التي ظهرت في خمسينيات القرن العشرين. يعترف بان رواياته تدور حول حياته التي يعيشها، فهو عندما يريد الكتابة يكتب عن حياته ذاتها دون تركيز على تقديم درس معين للقارئ،

ولد كلود سيمون في عام 1913 في مدغشقر. قتل والده في الحرب، بعد اقل من سنة على ميلاده ، وماتت أمه عندما كان في الحادية عشرة من عمره، تم ارساله الى مدرسة دينية ذات نظام صارم، يعترف ان اليتم في سن مبكرة لم يؤثر عليه كثيرا، فقد عاش طفولة سعيدة في ظل رعاية عمه وعمته، حاول ان يدرس الرسم، لكنه قطع دراسته للاشتراك في الحرب الأهلية الاسبانية الى جانب الجمهوريين، وسيسخر من موقفه هذا فيما بعد ليكتب:" لم أقاتل وصلت إلى برشلونة في ايلول عام 1936 حاولت أن أكون متفرجا أكثر من كوني ممثلا في الكوميديا التي تلعب في العالم". قال إنه اتجه إلى الكتابة لأنه رأى أنها ستكون أسهل من الرسم ومن الثورة ضد الاوضاع البائسة التي تعيشها البشرية،هرب من معسكر الاسر الالماني حيث كان جنديا في فصيل سلاح الفرسان الفرنسي:" تمكنت من الركوب في قطار للسجناء كان الألمان ينقلونهم الاسرى في الشتاء. كان المعسكر سيئ الحراسة. فهربت في وضح النهار، بأن انسللت من بين جنديين ألمانيين داخل إلى الغابة. ومن هناك، ظللت متخفيا طول الطريق إلى أن وصلت إلى خط الحدود "، يكتب اولى روايته اثناء الحرب وكانت حسب رأيه رواية تقليدية: " كنت اقول مع نفسي بان هناك قصة ما علي سردها "،يكتشف فيما بعد ان الكتابة ليست مجرد وسيلة للتعبير، وانما وسيلة للبحث:" اصبحت فيما بعد اكتب كي اكتشف كل ما يمكن ان يقال "

روايته الاولى " المخادع " كتبها عام 1941 لكنها نشرت بعد الحرب، قال النقاد عنها بان تاثير رواية " الغريب " لالبير كامو كان واضحا عليها، لكنه ينفي اي علاقة له بادب كامو، فقد أعتبر كتابات كامو وسارتر تافهة:" أهم ما تتصف به كتابات سارتر أنها كاذبة وحاقدة. ولو أن لي أن أعترف بأي تأثيرات فهي تأثيرات دوستويفسكي، وتشيخوف، وجويس، وبروست، وفوكنر"، يكتب ببطأ بالغ:" قبل الكتابة أدوّن القليل جدا من الملاحظات"، اهتم بالكتابة عن الجنس، لكنه يسخر من الجنس الذي يكتب عنه العديد من الروائيين:" نقطة الضعف الكبرى في أغلب الروايات أنها تصوّر شخصيات عادية، دمى بلا أعمدة فقرية وبلا أعماق، وتكون الأفعال الجنسية بالنسبة لهم مجرد أشياء تقع، فتبدو لهذه السبب مفككة، ما يهمني أنا هو أن يأتي وصف المشاهد الجنسية في سياق مشاهد أخرى، مشاهد غير جنسية مثلما يحدث في الحياة "،،يعترف كلود سيمون بان كتابة الروايات ليست حرفة: الفن لا قواعد فيه. بل هو على العكس من ذلك، مسألة كسر للقواعد في أغلب الحالات "،

يصف النقد روايات كلود سيمون بانها صعبة على القارئ العادي يقول:" اني لا اؤمن بالقول ان رواياتي صعبة، واعتقد بان هذا القول غير واقعي ومجحف بحق الرواية الحديثة، ان اي نص يشكل قضية ما يختلف فهمها من قارئ لآخر، فهناك عدة معاني للكلمة الواحدة، لذا فان كل قارئ سيعطي معنى خاصا لكل كلمة توجد في الرواية "،

تؤكد سيرة حياة كلود سيمون انه لم يهمل المشاكل الكبرى التي مر بها العالم، فقد شارك في الحرب وسجن واسر وعانى من الجوع والعمل الشاق وطالب باستقلال الجزائر وشجب بشدة الحرب الفيتنامية:" رواياتي تعكس هذه التجربة بشكل واضح، فقد صورت العالم الحالي والمجتمع الحالي في رواياتي، واني اعتقد بان الطريقة الوحيدة لمساهمة الكاتب في هذه الحركة المستمرة في العالم الذي نعيش فيه تكمن في مساهمته اولا في الثورة داخل الميدان الذي يهمه، اي داخل الادب " – من حوار نشرته مجلة اسفار –

نشر كلود سيمون ما يقارب الـ " 25 " رواية،، يخبرنا انه يمارس الرسم من خلال الرواية وقد وصفته لجنة جائزة نوبل وهي تمنحه الجائزة بانه:" يصف في رواياته الوضع البشري باسلوب الرسام الملهم الذي يمتلك احساسا عميقا بالزمن، ويسخر فنه لوصف شيء يعيش في خلجت انفسنا شئنا ام ابينا، سواء فهمناه ام لم نفهمه، سواء امنا بذلك ام لم نؤمن "،

عاش كلود سيمون " 91" عاما - توفي في السادس من تموز عام 2005 -.لكنه ظل يصر على ان العمر خدعة، وان الموت يتربص بالانسان في كل لحظة،

يتكون عالم كلود سيمون من الشخوص التي لا تشكل فردانية في ذاته، ومن الموضوعات التي تبدو غير مهمة عقيمة، بل من خلال تلك العناصر التي تشرّح تاريخ البشر العام، وفوضاه العارمة وسوداويته، وضغائنه التي تنتهي غالبا بالحروب العبثية، إن الحرب هي التي جعلت كلود سيمون يتوغل في تشريح النفس البشرية، ويؤكد النقاد ان الحرب هي شخصيته الروائية الوحيدة في اعمالها، بعنادها وجنونها.

***

علي حسين – رئيس تحرير جريدة المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم