نصوص أدبية

عشق أبدي .. بإمضاء مُصدق

 تكرر لعبتها وهو يكحل عينيه برؤيتها . وحيدة مع رمال الشاطئ .يمتد أمامها فضاء صاف بزرقته اللامعة التي تذوب فوق صفحة الماء الفضي لتكونا معا لوحة تروي نشأة الكون .....!

في عنان السماء تحلق نوارس إحتفلت بروعة هذا المكان ترانيمها  تحفر في الذاكرة لحن شدو كأنه صلاة المتهجدين ......!!

هادئة أمواج الشاطئ تنساب بحركاتها الرتيبة ذهابا وإيابا ...تتناغم بتآلف مع الحان  النوارس . .....!            

خصلات شعرها الفاحم تغطي بعضا من جسدها الناصع ..تتراءى أمامه يخالها لوحة سريالية مموسقة  .....بعد أن تنهي طقوس سباحتها تنزوي خلف شجرة وارفة ظليلة........ ترتدي جلبابا أسودا واضعة فوق رأسها وشاحا لينسدل فوق وجهها أيضا .تمسك عكازا وتحني ظهرها لتقفل راجعة إلى دارها بينما  يقبع هو  خلف تل مطل على الشاطئ يتفحصها بدهشة واستغراب ليكتشف أنه بارع في التلصص .. دون أن يثير إنتباهها ...... تقطع أفكاره ترنيمة طائر جميل يشدُّ إنتباهه .. يسرق إنجذابه ..أنه . (أبو الحناء) ..فلا يدري كيف غادرت الشاطئ ...!!

يقصد الشاطئ مرات ...ومرات ليجدها تؤدي طقوسها اليومية .....تعودّ على نزهته القصيرة ففي مخيلته نسيج يزدان بصورها التي لا تغيب عن مرأى خياله

لا يعلم ..أ..لحسن حظه أن يتعلق قلبه بحب إمرأة ليست ككل النساء ...يفغر فاه وتتجمد قواه عند الشاطئ ..تسحره وتسرق لبه بصوتها الرخيم الذي ينساب إلى مسامعه . يكتشف جذوة حزن وألم تعاني منهما هذه الحبيبة التي أحب ....!!

تجول نظراتها في الأفق حيرى وبحركة غنج رشيقة تمسك أغصان شجرة بللها ندى الصباح  ثم تطلق حنجرتها للغناء بينما تداعب قدماها ذرات الرمل بحركات خفيفة .

أرتع في بقعة معشوشبة يترصدها ... يطل برأسه من مكان عال .. يتشوف ما تفعله الحبيبة ...أشجاه حزن غناءها  حتى  يخاله خارجا من بين أحراش الهور .التي طالما أبكته تلك النبرات رفيقة الحزن ...!

أنجذب بسحرها وسرها في آن واحد .....أصبح مسكونا بهذا السحر......!!   مسكونا بهذا السّر .....!!

يرنو بسمعه لصوت أبي الحناء ..بقربها يشدو بترانيمه ....يهمس بصوته الخفيض ..ليتني كنت ذاك الطائر ...بقربه سر سعادتي ...!!....لا أخالها إلا فنانة بارعة فوق خشبة المسرح تؤدي دورها في مسرحية إيمائية ....!!!

أذن لأجعلها ناطقة ..كي أعرفها ..  وأعرف ذلك السر الذي تخفيه ...!!!

سار خلفها وهي تعدو نحو دارها ..تسير بعنف شبابها المفرط وحين تغدو أمام الآخرين تتكأ على عكازها وتتهادى بمشيتها .....يلقي  المارة تحيتهم مخاطبين إياها بالسيدة العجوز ...فهي تحظى باحترامهم وعطفهم ومساندتهم في أمور شتى .

يسخر منه جيرانها ويصفونه بالمعتوه حين تقدم لخطبتها ..وأعلن هيام روحه بحروف اسمها الأربعة ...!!

أخذ يتودد إليها ...ويكسب رضاها و صداقتها .. وربما حبها ..إلا أنها ما زالت تخفي سرها عنه ....!!

حاول أن يفاجأ يومها باكرا ليخبرها أنه يعلم بذلك السّر ...!!!

لم يعد بمقدوره أن يوقف سيل أسئلته ... كأنها  إنحدرت من أجراف شاهقة شديدة التحدر تبحث عن أجوبة تشفي غليله ..!

بوقار السيدة العجوز وحكمتها أجابته ....سأبقى بظهر منحن ...وأبقى السيدة العجوز ...!!   نهرها ...بصراخ متعال ...ثم أنتحب ......أثنى ركبتيه راكعا أمامها ...!!  وهي شامخة منتصبة بقامتها .....يتوسلها تارة بصوت مرتجف وتارة يصرخ ثائرا ....من أنتِ ..؟؟     ..وما هو سرك ..؟؟....قناعك يحجب ربيع صباك .!!..

وشاحي القاتم ..وإنحناء ظهري هما أصبحا جلدتي ...!!  

 وتسأل من أنت..؟؟

أنا أغنيات دجلة ...وظمأ النخيل

أنا الريح والمطر

               وعذابات الفقراء

أنا آهات النوارس المهاجرة

أنا الوسادة  المبتلة بدموع المعوزين

أنا الصخرة التي  شهدت موت الملايين

أنا البسمة التي  تنتظر الصادق الأمين

من يهب زاد صومه

           لمن يطرق باب داره

                                          ( إمضاء مصدق )

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1356 الجمعة 26/03/2010)

 

 

في نصوص اليوم