نصوص أدبية

لوحة باهتة الألوان..

نجوى ...حديث عينيكِ

تبرعمت آمال في خبايا الروح

هرعت  نبضات قلبينا .. صوب الحلم المؤمل

 

غرفة الرسم عالمه الذي يتعبد في محرابه متناسيا همومه وغضب أبويه خوفا على مستقبله

حصد الجوائز  خلال مشاركته في معارض للرسم التي تقيمها الجامعة ..

نافسته في عرض لوحاتها .....فكانت تسرق منه معجبيه .....تتفتح زهرة داخل جدران قلبه المظلمة ...أهداها أحدى لوحاته التي حازت على إعجاب  لجان التحكيم ....!!

أعجبه إصرارها وعنادها إضافة لتفوقها الدراسي ..فكانت الحافز الوحيد الذي دفعه ليقارب بين دراسته والرسم

لجأ إلى أحضان جدته لأمه أبان صباه هربا من مكابدة العيش بين ضجيج إخوته ....تخيفه كثرتهم وهم ينامون جياعا في أكثر الأحيان .....يمزقون رسوماته عبثا وذلك ما دفعه للبحث عن ملاذ آمن يحميه ويريحه ....!!

علمته الجدة أن يصلي وأن يشكر ربه ....علمته الصبر والتأني .....أغدقت عليه من فيض حنانها ....يشعر بحنين جارف لضوضاء إخوته وصخب لعبهم ....إلا انه يتبختر متباهيا حين يعلق لوحاته في غرفة خصصت له حيث يصطحب أقرانه ......تلك الحكاية يسردها لفتاته التي نافسته ....ثم ليفضي هذا البوح الصادق لمجريات حياته إلى فضاءات واسعة تحلق فيها روحاهما لتحط على غصن العهد المقدس لحبٍ طهر قلبيهما

ملاكان جميلان بسمو عال في التجرد عن الذات للآخر ......الرسام صيغة مبالغة على وزن ( فعّال ) وكذلك اسمه

( المبالغة في الشيء ).......يقف الرسام بين منعطفين بعد تخرجه ....!!

يفضي به الأول إلى متاهات البحث عن العمل ليجد نفسه على رصيف البطالة الدائم ....عندها يخسر حبيبته التي قطع لها عهدا ......أما منعطفه الآخر فهو الذي سار فيه بما يحويه من مخاطرة ومغامرة ..أو ضربة حظ ليس أكثر...!!!

حمل حقائبه وبعضا من لوحاته ... قاصدا دولة مجاورة بحثا  عن عمل ... أو ربما تجد لوحاته صدى هناك ...!

كان مودعا  إياها .. مذكرا لها بحكمة جدته ..( الصبر والتأني ) أودعها لوحاته ليجمع بين معشوقاته .....

هناك وجد نفسه في عالم غريب قاسٍ ....أحس بقسوته تتغلغل في روحه يوما بعد آخر.... تنهار أحلامه تباعا ..تنقل بين مهن مختلفة بينما تتقيأ مدينته أبناءها تباعا .....الناس غرقى في بحر تتلاطم أمواجه ...أخيرا أستقر به الحال إلى عامل ورشة نجارة.... صاحبها شعر بما يعانيه ... وكان يراقب  تفانيه في عمله ...!!

مهما حاول التقتير على نفسه فان النقود كانت قليلة ....بدأ تفكيره بالفشل القاتل يفقده صوابه ....لولا أن سيده سمح له المبيت داخل الورشة ....وهذا ما يوفر له الكثير .....ولا غرو في ذلك فالحبيبة ماثلة أمامه ..يخال بريق ابتسامتها العذبة وانتشاء روحيهما عند اللقاء....!!

كان يحدث سيده عنها وعن موهبته في الرسم التي تناثرت بين رياح الفقر والبطالة .. يطأطيء رأسه محاولا نسيانها

ريح صبا تعبق في أماسيه اليائسة .....تربعت حروفه في قلب سيده ... فقرر أن يرفع أجره ليبكر في العودة.إلى أحضان تربة أرّقه الحنين إليها.....عيناه تنبئان عن شدة إنبهاره وفرحه ... حيث النخيل المتسامق سموق امتداد جذوره في حقب التاريخ....!!

 وصلت السيارة التي تقله على بعد عدة أمتار عن مشارف بغداد.. تنفس الصعداء.. كان على يقين انه سيتحرر من عناء سفره ..... والهم الذي جثم على صدره زمنا قد انتهى.. كان طريق السيارة شاق وطويل.. فقد عبرت سهولا ووديانا..الركاب كانوا يتنفسون بإعياء...

 هبت ريح عنيفة مصحوبة برعد وزخات مطر متقطعة.. لاحت لهم عن بعد سيارة حمل كبيرة ..ترنحت سيارتهم ترنح مخمور خرج توا من الحانة..... وما هي إلا لحظات حتى توقفت في مكان مقفر موحش...... تراءت لهم من بعيد أضواء المدينة ....... ترجلت مجموعة من الملثمين وأحاطوا بالسيارة من كل جانب .....يصعد بعضهم ليندس بداخلها

ساد صمت مخيف ......أشار أحدهم نحو الرسام قائلا ....قيدوه ثم خذوه ......أن أسمه غير مناسب لنا

أعاد الكرة مع غيره من الشباب ......أخذ الضجيج  يعلو ....يرتفع ....إختلطت أصواتهم.....بينما لعلع الرصاص فوق رؤوسهم ......تلاشت صرخات الفزع في صمت المكان المقفر ....!!!

سار الرسام يحتضن لوحة رسمها مؤخرا ...الصقها إلى صدره كأنه يحتمي بها .....تمثل خيال شاب يسير وسط حشائش يابسة يحمل بإحدى يديه حزمة منها ....يظهر في اللوحة  بعيدا ووجهه متجها نحو السراب ...!!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1435 الثلاثاء 22/06/2010)

 

في نصوص اليوم