نصوص أدبية

أطواق الفجر ...خلف غيمة / سنية عبد عون رشو

عند الصباح .........

 

غرق  خليل في تصنع بهجته وهو يردد أغنية شعبية قديمة ....ممددا بجسده الهزيل المنهك فوق عشب أخضر في حديقة عامة .......!

 أزكمت أنفها رائحة الخمر  المنبعثة من فيه ... كانت تبحث عنه لتصحبه الى البيت فلديها معه حديث على جانب من الأهمية................!

غادرته حانقة والامتعاض باد على وجهها تغذ السير مسرعة مثل لبوة عنيدة غاظها إنتظار صغارها الخمسة لوجبة طعام تأخرت في جلبها لهم ......!لم تدخر وسعا في إذلال روحها  بالسؤال والتجوال لتجد عملا يزيح تراكم مخاوفها ولتطمئن لبقائهم أحياء ......تتوسل ....تجوب شوارعا.....نصحتها إحدى صديقاتها أن تطلب العون من بعض صديقاتها الميسورات ...لكنها رفضت بشموخ وإباء ...

تروي فيض همومها لكبير أبنائها .....وهو في سنته الأخيرة في الإعدادية ......لمحت في عينيه نظرة اليأس والإحباط لعدم تمكنه من دفع أقساط درس التقوية في   اللغة الانكليزية  ..........أما  الثاني فقد أوصاها أن تجلب له الحذاء الرياضي الذي يتمنى أن يرتديه مباهيا أقرانه ... وبدون الحذاء  يتحتم عليه مغادرة  الفريق الرياضي..

 

إما إبنتها  فلها  التأثير الفعال عليها حين تسرد لها حكاية صاحبتها الجارة وهي تغيظها بفستانها الجديد وساعتها اليدوية .......تحاول الأم أن تخفي وجهها عنها لكنها تواصل التحديق بها  بإلحاح  ثم تزم شفتيها ممتعضة وهي تشعر بعجز أمها حيال  طلبها البسيط

صراخ الصغيرين ( نقطة نظام ) تشير إنهما بحاجة إلى الحليب ..........

قال لها خليل .._سألقي بك في خضم هموم ليس لقرارها قاع .......قالها في ساعة صحوه النادرة ........ستلاقين عواصفا حارقة تجبر روحك على تجرع غصات الموت .......!!!

منعتها إرتجافة شفتيها من  النطق .....!!

بعد تأدية صلاة الفجر تقصد سوق الخضار في أطراف المدينة قاطعة المسافة سيرا على الأقدام .....تتلفع بعباءة سوداء  لا تبرز سوى وجهها الأسمر ونظرة عينيها الناعستين .....يتحدى جمالها الزمن ليبقى واضحا رغم ما تعانيه .......تحمل أكياس الخضار .. تنقلها.. إلى سيارات ..(التحميل) تستلم  أجورا زهيدة وبعضا  من الخضار ....تبتاع اللبن والتمر ليبيعه   الأبن الثاني..

.تحولت طباعها اللينة الرقيقة لتقترب من طباع قطة شرسة قد تنبت أظافرها بوجه المتطفلين .......موضوعها هو المادة الدسمة للنقاش بين تجار الخضار .....منهم من يفتي بتحريم مساعدتها كونها زوج رجل سكير وهي امرأة سليطة اللسان .......ومنهم من يفتي ضد هذا الرأي ويدعي ان مساعدتها من باب الحلال ........!!!!

كان خليل سائقا في إحدى القطعات العسكرية وقد اختارته تلك الوحدة لنزاهته ولعدم انتمائه لجهة معينة ليصبح السائق الخاص لآمر الوحدة .....

فرّ مرعوبا إلى مدينته أثناء سقوط النظام ......تفاءلت أسرته بذلك ....تغنوا .. وداعا للحصار الجائر ....وداعا للحروب ......!!!!!

 

إبتهجت زوجه تخلصا من الأسلاك الكهربائية المتشابكة فوق سطح دارها ....والعائدة للمولدة  الضخمة التي تغذي بيوت الموسورين

تقبع دارهم خجلة منزوية تحت ظل قصر شيد حديثا ......بيتهم ذو الغرفتين اللتين بنيتا بمادة  (البلوك) ربما تنهار بسبب تلك الأسلاك .....يحصلون على  (إمبيرين _كهرباء) مجانا....... مقابل ..... سكوتهم

إنحل الجيش ......(تنص التعليمات الجديدة) .....أن كل منتسب إما إن يعاد الى الخدمة أو يحال إلى التقاعد ...!

خسر خليل كل ما يملكه في مراجعاته الدؤوب ......دون جدوى .....يستلم بعضا من ما يسمونه (المنح)

يسدد به دينه المتراكم .......أنذرته بلدية المدينة بإخلاء قطعة الأرض لداره فهي (أرض أميرية) ........!!!

كتب هامشا  أحد موظفي التقاعد فوق إضبارته ......من منتسبي الجيش المنحل ...!

كتب  خليل أيضا بخطه الرديء .......إنحل الجيش 

لكن أسرتي باقية ....لم تنحل ...!!!!!

كاد موظف دائرة  التقاعد أن ينفجر غاضبا بوجه خليل حين تمتم مع نفسه .....آه إنها  سبعة أعوام...!!!

الموظف ..._ما بها ....؟؟؟ .......خليل ....................مع السلامة ....!!!

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1466 الجمعة 23/07/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم