نصوص أدبية

ابتسامة جذلة / سنية عبد عون رشو

..... تحرك القطار...    فدب اليأس بروحه ...... حسد فاختة  ترقد في عشها الذي يتوسط قلب شجرة عملاقة في محطة القطار ...تذكر ولديه وهو يقف أمام نافذة العربة وتذكرها  وهي  تنتظره في شرفتها بعد إعدادها الطعام وانتظارها إياه ...أكل الندم قلبه ... كيف تجرأ ونعتها بتلك الكلمات النابية أو كيف طاوعته يده لتمتد  إليها .........  ناداه  عامل العربة ..أجلس أيها السيد في مقعدك ............ تجاهل الأمر كأنه لا  يعنيه....

 أمسك يده اليمنى بيده اليسرى بقوة ثم ضغط عليها هامسا  ...كيف فعلت ذلك ....  كيف   ...؟؟؟

يا ربي ....ماذا فعلت بنفسي ...هل أعود إليها  ..... غدا ...؟؟؟

لا ...لا ...إنها لن تسامحني ...!!!   ترقرقت  دمعة  لم يستطع حبسها

ناداه الرجل ...ثانية ....فعاد يجر قدميه ببطء وحذر خوفا أن يتهاوى بجسده ...ناداه  ... بعد أن  خمّن إنه يعاني من وعكة صحية....!!

 

 ...مقعدك رقمه 35...أيها السيد ... .أتحتاج مني  مساعدة   ما ......   ؟؟؟  لزم الصمت مرتبكا ...تنفس بصعوبة كأنه رجل مصدور .....ثم  

وصل مقعده وجلس متهالكا ....أغمض عينيه وأسند رأسه إلى الخلف ... شعر بيد صغيرة فوق يده ...ثم يد أخرى تمتد إليه ....أدار رأسه نحو المقعد الذي بجانبه ....... وإذا بها تبتسم له  .... ثم تعلق ولداه  برقبته

 

ابتسامة حزينة

ليت قلبه يعرفها ...ليته يشعر بحرقة روحها ولهفتها  لنظرة عينيه ...فهما هاجسها وحلمها الذي لا يفارق مخيلتها .....!!!

فتحت نافذة غرفتها المطلة على شرفة صغيرة تظللها أوراق شجيرة متسلقة زرعت داخل زهرية  فخارية  صغيرة ......

 .....وقفت تراقب حركة المارة أمامها ...تراقبه في ذهابه وإيابه لدائرته التي يعمل فيها يرمقها بنظراته أحيانا ....فتشعر إن هذا يوم سعدها .....عليها أن تؤرخه في دفتر مذكراتها أو داخل قلبها .....!!!!

تجرأت ذات يوم وقصدت دائرته ....حائرة  ..مرتبكة ...علها تحظى بحديث أو لقاء ....أو على الأقل لتعرف أسمه ....أبتسم لها حظها ....فقد اكتشفت إن إحدى صديقاتها تعمل معه .....لذا فازت بأجوبة لما يدور بخلدها  وما تتمنى معرفته ....لكنها ......... لا تعرف حقيقة مشاعره تجاه عنفوان اهتمامها به شرفتها أصبحت المحراب الذي لا انفكاك منه ....!!!

ما زالت تراقبه لعدة شهور خلت ....لكن شدّ ما أفزعها ...إنه أنقطع فجأة في الأيام الأخيرة ...لم تعد تظفر برؤيته .....جفت سواقي حزنها وخارت قوى قلبها الغض ....تجرأت مرة أخرى لتقصد دائرته ...تتراقص أمامها أمانيها ...بلهفة واستحياء تسأل عنه ....!!

فهمت من إجابة صاحبتها ....إنه وأسرته  قد   غادروا  إلى  محافظة أخرى  هروبا من رياح صفر يمر بها البلد .. تلك الرياح التي شطرت  الأمكنة إلى طوائف منغلقة.. تشرب من ماء الضغينة.. وكانت تأمل أن تصفو مشاربها..

 ذبلت روحها أمام هذه المعلومة وتكورت خجلة داخل قفصها الصدري..

 ونامت ليلتها منكسرة الخاطر.. تهوم روحها بأحلام سريالية تقترب من الكوابيس..

لكنها ابتسمت وهي تقف في شرفتها  فجرا...... وتذكرت إنها كانت تتألم من أجل رجل لم ينتبه اليها   .. وفكرت قليلا.. لابد من شمس نبتسم لها لتباركنا..

 وإن بابتسامة حزينة..

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1558 الاربعاء 27/10/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم