نصوص أدبية

شهابٌ ملتصقٌ بغيمة

  

قد أصبحتُ أرشيفَ الدموعِ

وسِرَّ أسرارِ المدينةِ ،

والمدينةُ لا تُبالي

دَعْها فِدى أوهامِها

أو هَبْ أنْ إهتَزَّتْ حنيناً مثلَ فاكهةٍ

فهل يقوى الهواءُ على المَسيرِ بِبُرتُقالِ !؟

او هل تَرى يَدُكَ المُقَدَّسةُ الذي فعَلتْ بباخرتي ؟

فقد رفَعَتْ رئاتي العشرَ ألويةً الى شَطِّ الفراتِ

فيا فراتُ إذنْ غَزَوتُكَ

وانتصَرْتُ بلا قِتالِ

وهنا كذلك قد غزوتُ

وطالما كانَ الشراعُ الهُدْبَ

بالأمسِ القريبِ

وكانت الأمواجُ عَينَيها

وأطيارُ السواحلِ رَفَّ نظراتٍ

تَحُطُّ على الفؤادِ

فينزوي مُتَحَرِّجاً بحرُ الشمالِ !

 

قال له ألِّفْ كتاباً عن عذابات الفرات وهو يرى صنفاً من أهليهِ ما زالوا يفهمونه كماء وطاقة وثروة فقط !

السياسي عندنا (كيفما قلَّبتَهُ) نصفُ أمّيٍّ في مجتمع أميٍّ ، يعمل لا من أجل خلاص الناس وإنما يعمل وهو يضع نصب عينيه أنه سيصبح رئيس الجمهورية او الوزراء !

وإنْ بقيتْ شعوبُنا تعيد إنتاج نفسها فهو سيصبح كذلك !

كتبتُ هذه اللمحةَ قبل أيام .

ثُم ثلاثة صبيان من عائلة فقيرة ووسطٍ فقير، كانوا أحياناً عندما يجوعون يذهبون الى قُنِّ الدجاجة في حديقة الدار فيسرقون منها بيضتها اليومية فتثور الدجاجةُ ولا تهدأ إلاّ بعد أن يضعوا لها بَصَلةً بيضاء بدلاً من بيضتها الحقيقية فَتَهْدأ الدجاجة وتحتضنُها !

وهذا الإكتشاف العجيب توصّلَ اليه أكبرُ الصبيان سنَّاً

ثم تذكَّرَ الوسطَ الذي نشأَ فيه ، تأمَّلَ أوهامَ ذلك الوسط ، أسبابَ بؤسهِ وتعاستهِ فقال لنفسه :

لم تكن تلك الدجاجةُ المسكينةُ وحدَها التي تفعل ذلك

بل الجميعُ كانوا وما زالوا نائمين على بَصَلة !

هذه اللمحة كتبتُها قبل عشرين عاماً !

وقبل عشرين عاماً كذلك

كتبتُ رسالة لصديق في بغداد قلتُ فيها (الهاوية تبدأ عندي من لحظة تفكيري بأني لا أملك في الدنيا مَن أحتمي به رغم كثرة مَن حولي وهذه الهاوية ليست كأية هاوية فهي تتعمق بمجرد أن أنظر الى غورها!)

إذن فشعوري هذا قديم جداً كشهابٍ ملتصقٍ بغيمة .

واستقرَّ في ذهني كاستذكار أيضاً :

 

في المحطّة

أمسكتُ عن الكتابةِ

مُنْهياً قصيدتي بجملةٍ لا تعني شيئاً محَدَّداً

فَوجَدْتُني جالساً الى جانبه ِ،

باغَتَني : هل تستطيع أنْ تقتُلَني ؟

فَتَرَكْتُهُ وأنا أرَدِّد : وافَقَ شَنٌّ طَبَقهْ !

أنا يا صديقي أَولى منكَ بهذا الطَلَبِ

ولكنْ هل من المُرُوءةِِ قَتْلُ الذات ؟

لحِقَ بي فأعطيتُهُ ما لا يقوم بأوَدهِ :

بعضَ قصائدي في الموت .

كان الجو ماطراً .

 

كانت تلك سنوات تأهُّبٍ لاستقبال الحياة باضطراباتها واضطراباتي ، بقسوتها وضعفي ،

سنوات أحبها رغم كل شيء لأني بَعدَها وبسببها

توصلتُ الى معرفة كيفية رسم الهاوية بألوان براقة !

انا أكتب لأسباب يبدو الكثير منها مجهولاً وبعضها معروفاً 

وعلى العموم أشعر بعض المرات بأني أكتبُ انتقاماً لنفسي من بعض الدوافع الحيوانية  في داخلي .

كثيرون ممن حولي لا ينظرون إلاّ الى الطريق الذي يوصلهم الى مكان عملهم ولمّا يحين أوان عودتهم فدليلهم الى بيوتهم هو الإنهاك لذا فهم يكادون أن ينسوا لون السماء أو أنَّ في الكون غيوماً تتراقص او ربما تذكروا أن هناك غيوماً عندما تبتلُّ مظلاتهم او زجاج سياراتهم ! 

في العديد من المرات تعاملتُ مع بعض الناس نساءً ورجالاً وأنا أفترض منذ البداية أنهم كاذبون ومغرِضون ولكني رغم ذلك تعاملتُ رغبةً في فهم أوسع 

فوجدتهم بائسين ويستحقون نُصرتي !

فبحار حبي كالصباح ممدودةٌ غير أنهم يفتقرون الى الدلاء !

قالت : هنا أيضاً شيء من البداهة او محاولةٌ لبيانِ ما لا يتطلب التبيين ،

الم تسمع في حياتك عبارة يقولها الناس عن فلان بأنه مجنون ؟ 

أجبتُ : بلى ، وعني أيضاً وكدتُ أصدِّق بها !

رغم أني لم أكن أمارس الكتابة حينذاك ولكني كنتُ كثيراً ما أقرأ كتباً خارج المواد المدرسية .

قالت : والآن أسألك :

هل تعرف تأريخ الريح ؟

- : سؤال مفاجيء ، كيف ؟

قالت : لقد ذكرتَ أنت ذلك في إحدى جملك .

- : لا أعرف هذا التأريخ ولكني أحسُّهُ ، أحدسه .

علَّقتْ وهي تشعشع بابتسامةٍ : لاحظ كم الفارق كبير بين قولك : تأريخ الريح ، وقولك : ريح التأريخ ، ففي الأولى إحالة وفي الثانية ما هو قريب من البداهة ولهذا ستبقى تُصدِّق كلام الناس طالما أنت باقٍ في منطقة البداهة !

 

تُشَعْشِعُ كالصباحِ

لماذا والضياءُ أقامَ دهراً

فِدى عينيكَ في مرأى جراحي؟

أُريدُكَ ظُلْمةً !

قد طالَ شوقي

لنجمٍ كانَ في أمسي الحزينِ مُراقِباً

وشَكِكْتُ لكنْ حين ناداني

نَسكتُ بوحيِهِ

وبوَحي راحِ !

رفضتُ الأمسَ لكني وفيٌّ

الى مَن صاغني للحبِّ للأشعارِ للأوطانِ مرساةً

وإلاّ قد تساوتْ في يدي

كلُّ المدائنِ والضواحي !

 

كولونيا

2009 / 5 / 10

[email protected]

 

..........................

(*) فصل من كتاب قصصي نثري شعري بعنوان : النهرُ الأول قبل الميلاد .

 

 

 

 

  

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1057  الاحد 24/05/2009)

 

في نصوص اليوم