نصوص أدبية

رُغْمَ أنَّ المرأةَ حَياةٌ يفضِّلُ العارفُ أن يَموت

 لكنَّ الفرقَ الوحيدَ بين الرجل والمرأة رغم أنَّهما معاً عاشا مصيراً واحداً بعد قصَّة الثعبان، هو أنَّ المرأة حازت على نقطة الضوء القليلةِ في قلبِ الصلصال، فصيَّرتها في حنجرتِها لحناً أبديّاً يشير إلى أنَّ المرأة شِقُّ المأساة، وإلى أنَّها كذلك فرحُ العالم، وإلى أنَّ الرجل لا هو بالفرح ولا هو بالمأساة قطعاً، بل هو ما بينهما من برزخٍ، ما يعني أنَّ الرجل يفضِّل بطبعه أن يكونَ مأزقاً.

  كلَّما بدا الرجلُ على حقيقتِهِ رجلاً، بدا على حقيقتِهِ مأزقاً كذلك، ولهذا لم يكن النظرُ إلى الرجلِ في ميدانِ حربِهِ ممّا يثيرُ غريزةَ الفيلسوف، بل ممّا يثيرُ غريزةَ الشاعرِ فقط، بل حتى على مستوى الشعرِ نفسِه، لم يستجبْ إلى إيقاعِ حربِهِ إلا بحر الرجز، ما يعني أنَّ الرجلَ وإن كانت الخيلُ سرجَهُ في الحرب، لكنَّ رجعَ صدى غنائهِ ليس إلا صوت الحمار.

 يقالُ إنَّ المرأة لا تحسنُ الصمتَ في الغالب، ومن الطبيعيِّ أن يحدُثَ هذا، لأنَّ المرأةَ مهووسةٌ بالحياة، ولها طريقتُها في أن تجعلَ العالمَ مخضرّاً دائماً، فإذا اخضرَّ العالمُ لم يكن بدٌّ من وجودِ الهمس، فإذا كانَ اخضرارٌ ولم يكن همسٌ، فتلكَ هي الخطوةُ الأولى صوبَ ازدراءِ الحياة.

لا أحدَ يفهمُ المرأة، أو قل إنَّ كلَّ أحدٍ يفهمُها لكن بالمقلوب، وغالباً ما تتظاهرُ المرأةُ بأنَّ الآخرين لم يفهموها خطأً، فتتَّخذُ لها زاويةً في قعْرِ نفسِها بعيداً عن ضجيجِ العالم، وتفتحُ ذراعَيها لاستقبالِ القمر، حتى إذا ما كادَ الفجرُ أن يبزغَ مثلَ الدَّم من جرح السَّماء، أخذت  قبساً من وجهِها لترسمَه على كتف النهار خاتماً، وتطالبَ كلَّ العالم بأن يؤمنَ بهذا النهارِ بالذاتِ بوصفِهِ نبيّاً مؤجَّلاً، فإذا ما تمَّ لها هذا، وأنجزَ العالمُ وعدَه، كانت هي ذاتُها أوَّلَ من يعلنُ أنَّه مسيحٌ دجّالٌ ليسَ إلا.

أحياناً أنتبهُ إلى حقيقة الجسد، فأتأمَّلُهُ إلى حدِّ اللعنة، لأكتشفَ شيئاً لم يكن في حسبان المرأة، وهو أنَّه لم يكن في رحمها جسداً، وربَّما كان روحاً، لكنَّها ليست روحاً ممّا يعرفه ابنُ سينا أو الملا صدرا أو حتى آخر العمالقة الكبار من ذوي الشطحات الصوفيَّة في عصر غزو الفضاء، عنيتُ باسم الماضي قبل أن يكتب هذه القصيدة، ولكي لا يغضبَ عليَّ أنصارُ الخليل بن أحمد الفراهيديّ،  فلأقل قبل كتابة هذه التي لا أعرف ماذا أسمِّيها، بل هي روحٌ أخرى، روحٌ كما لو أنَّها حازت على كلِّ مواصفات الجسد، شريطةَ أن لا يكون عرضةً لحوادث الدهسِ في عرباتِ الفناء.

 متى أموتُ أيُّها الربُّ، متى ألتقيك جِدّاً جِدّاً، لا لأني راغبٌ بالحور العين طبعاً، فأنا بلا شهوةٍ أصلاً، لكن لكي أكون في بحيرة عشقك رماداً، فأنا أحبُّك، أحبُّك، أحبُّك، حتى لو بلغت هرطقاتي أحياناً عنانَ السَّماء.

إلهي لا تبعثني يوم القيامة رجلاً ولا امرأةً ولا جنساً ثالثاً، بل ابعثني على صورة ما أشعر به في هذه اللحظةِ بالذات، فأنا الآن كما إنِّي فاقدٌ للشعور بالمكان وبالزمان، فاقدٌ للشعور بأنِّي مُهيَّأٌ للبهجة في روض الجنان، ولكي تكون نارُكَ هي مبعث الراحة بالنسبة لي، فأنا مُهيَّأٌ تماماً لأن أكونَ في كفَّيكَ رَماداً.

 

باسم الماضي الحسناويّ

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1093  الاثنين 29/06/2009)

 

 

في نصوص اليوم