نصوص أدبية

وظيفتي إزعاجُ العالم

لأنَّ عمرَهُ باتَ أقربَ للتقوى

فأنا أقولُ: نعم

بشرطِ أن لا يكونَ الرجلُ شاعراً

فإذا كانَ شاعراً في الأربعين

وكان هادئاً كذلك

فأرجوكم أن تنظروا داخلَ الجبَّةِ جيِّداً

لتروا حقيقةَ أمرِه

فأنا أجزمُ أنَّ في جبَّتهِ صرصاراً

يعبثُ في ثدييهِ حتى انتشى خدراً

ولن أتردَّدَ بعد ذلك

في أن أتجنَّبَ صداقتَهُ مطلقاً

كونُهُ خنثى

***

 

الشاعرُ الخنثى له قرنانِ في الغالب

وربَّما فضَّلَ أن يسيرَ زاحفاً

لا ليقولَ إنَّهُ ضبٌّ طبعاً

ولكن لكي يُشعِرَ من حولهُ في خلوةٍ

أنَّ ذينكَ القرنينِ على حافَّتي جبينِهِ

يشيرانِ إلى كونِهِ

فاقداً لأهمِّ خاصِّيَّةٍ

تمنحُ المرءَ حقَّ الوقوفِ شامخاً

أمام القامةِ الرهيبةِ للملاكِ عزرائيل

***

  

لو كان العالمُ مطابقاً لرغبةِ الشاعر

لما استقرَّ بهيأةِ فندقٍ في الفضاءِ لحظةً

ولكانَ في أفضلِ الأحوال

نهدَ امرأةٍ يرتضعُهُ ساعةَ الجنونِ وكفى

حتى إذا ما أوشكَ العالم

أن يضعَ جنينه أنكره الشاعر

وقال إني لم أكن أقصدُ أن أكونَ أباً

ولو كنتُ أقصدُ هذا

لما كلَّفتُ العالمَ كلَّ هذا العناء

لأنَّ في صلبي نفسِه

رحمَ امرأةٍ يصلحُ لحمل الجنين

ولكنتُ الآنَ جَداً خرافياً

لكلِّ ما يُرى وما لا يُرى من ذواتِ الأرواح

لكنَّ الشاعرَ -أعني نفسي طبعاً-

لا يطلبُ من شهوتِهِ سوى أن يتأكَّدَ من أنهُ حيٌّ قادرٌ على أن ينسى

فإذا ما أنجزَ مهمَّتهُ هذه

تخلّى عن كلِّ مخلوقاتِ الشهوة

ليعلن أنهُ حجرٌ بعد ذلك

حتى وإن بدا حجراً مسحوراً

بأمارةِ أنه يهذي

لا يستغربْ أحدٌ من أنَّ الحجر الذي يهذي

يقدر أن يفلسف المطر مثلاً

فيقول عنه إنه امرأةٌ ذابت

في حضن عشيقِها

فسالت بين يديهِ ماءً

أو ينظر إلى الغبار مثلاً

فيقيم الدليل على أنَّ الغبار

إنَّما هو رمادُ المرأة

بعد أن احترقت في نار شهوتِها

فتلفَّت العاشقُ فلم يجد جسداً

وكانَ كلُّ ما تبقّى منهُ هو هذا الرَّماد

***

يفقدُ الكونُ صلابته في يدي دائماً

فيكونُ يسيراً عليَّ أن أخلقَ كائناتٍ أخرى

غيرَ ما سئمتهُ عينُ العالم

فأقولُ أيَّتها المرأةُ انهضي من رفات الأشياءِ كلِّها

فلا أريدُ إلى جنبِ هذا المخلوقِ مخلوقاً آخر

وإذ تنهضُ المرأةُ من رفاتِ الأشياءِ فعلاً

تنظرُ إلى وجهي مليّاً

فترى ما لا أحسبُني أعرفُهُ عن نفسي

حتى في اللحظةِ التي قرَّرتُ فيها أن أكونَ خالقاً

ومن حسنِ حظي كشاعرٍ

أني أقدرُ أن أختبرَ المعنى

في عيونِ المخلوقةِ الأنثى

حتى وهي في العماءِ لم تزل خيالاً

وإذ أقرأُ المعنى جيِّداً في عينيها

وأقلِّبه في مخيَّلتي مراراً

تندلعُ البحارُ بطوفانِها

ولا تفيضُ بالماءِ طبعاً

بل تفيضُ بالنارِ لا غير

فلشهوةِ المرأةِ طعمُ النارِ ولونُها ورائحتُها

خلافاً لما يعتقدُهُ الفلاسفةُ الروحيونَ

إذ يقولون إنَّ المرأةَ ماءٌ

وعلى هذا فإنَّ البرودةَ من أوَّلِ إيحاءاتِ روحِها

أمّا جسدُها فلا يكونُ لهيباً محضاً

إلا متى غابت الروحُ عن وعيِها

فعادَ الجسدُ كما لو أنَّهُ إزميلُ العالم

وآنذاكَ فقط

تنسى المرأةُ كونَها شعراً

فتبادلُ الصعيدَ ضرباتِ الفناء

***

يالمهزلة العالم

إذ لا أكون أنا يده التي تبطش

أو عينه التي تحدِّق في الأشياء

فتحيلها إلى ما يضادُّها أحياناً

أو سمعه الذي يصغي إلى همساته

أو إلى صرخات صبيته الذين لم يولدوا بعدُ

أو إلى تأوُّهات الجند المقتولين في ساعات الإحتضار

***

 

مولاتي أيتها السعادة

أيتها الأمَة التي رضخت عند قدميها

أعزُّ ما في الوجود من النساء الجميلات

ومن الرجال الفرسان كذلك

لا تكوني إلا زوجتي أنا

فأنا فقط قادرٌ على أن أشبع رغبتك

من زواج الأنثى برجلٍ ملء الحياة

أو ملؤه الحياة

فمن كان مزيجاً مثلي

من الشاعر والفيلسوف والإله

لا يعجزه أن يتلمَّظ طعم السعادة

فيقول إنَّ الحبال التي تشنط رأس الشاعر

أثناء قراءة القصيدة

ليست بأقلَّ حموضةً من السعادة

في كأس السكِّير

وهو يرقص قبالةَ موتهِ

في صالةٍ زجاجيَّةٍ

داخلَ بؤبؤِ عينِ الجمال

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1105  السبت  11/07/2009)

 

 

 

في نصوص اليوم