نصوص أدبية

الرصاصة 15 مجانية

كان يستغرب على طلاب الطب فحص الجثث أو تشريحها فكيف بتقليب جسد مغللّ برصاصات غلّ رقدت بفاشية في جسد بشري ندي طري ليس مهما تصنيفه أنه لي اخا ركضنا في ذكريات ملاعب الطفولة محبورين جذلين...سوية.

كنت أظن الرصاصات سبعا عندما كانت مقلتاي  وهواجسي وإرتجافي ومحاجري ودموعي وإرتباكي تقلّب بالنظر جثة اخي وتمارس خلسة، العدّ الدامع المتقّرح اللاموصوف للجسد المرصوف وسط غرفة المعيشة ولكن اناملي لم تغادر الجسد إلا مرغمة مرتجفة لم تقو على العدّ الموضعي لرصاصات رزايا الفاشيين لانها فقدت عذرية الجرأة والتمحيص وذاكرة التحليل لرؤية ميت قتيل مظلوم نكتم وسط دارنا شهقات وآنات وزفرات وحسرات وخلجات وطول موجي لصرخات لايسمعها الجار ..حرص الوالد بتوزيع اوركسترالي بيده لابعصاه على منعه مع إن الصراخ هو الصراخ لايرتدي زيا تنكريا آخر ولايتقمص موجات نغمية بديلة...

ذاك السامي سامٍ بيننا ذاك الاشقر الشعر ذو الخصلات التي تناعست على جبينه اللجيني وهمس ببسمته المطبوع صداها القتيل في شبكيات عيون عائلته، لايئن لمرض ما صامتا... رسالته لنا تمعنوا في رصاصاتهم ال14كيف مزقت صدري المتقّد شوقا إليكم.. شرّ تمزيق ولم تُخطأ واحدة منها لتصيب قدميه..

كان اخوه الاوسط اكثرهم جرأة فقام بعدّ الرصاصات جرحا تلو الاخر موضعا بعد موضعا مبضعا بعد مبضعا هذا الممدد بييننا لن نمازحه بعد اليوم ... فتشوا ملابسه العسكرية وجدوا آخر رسائل الاتصال بيننا ووجدوا مبلغا من المال أرسلوه له حيا وعاد معه دفين الهمّ ولم ينهبه الفاشيين فقد كان سامي نفسه نهيبتهم يتدلى حزام بنطلونه كعنقود عنب مأكول يصرخ بظلم الفاشيين .إذن دفعنا لهم قيمة 14 رصاصة فلم يكن ممكنا هنا التفاوض حول التسعيرة ولكنا وجدنا فتحا مبينا إنها رصاصة الرحمة الرصاصة رقم 15! لم يحصّوها مع التعداد الثمني! فقد كانت الرصاصة المجانية، مدسوسة في الرأس بزاوية مائلة يستحيل معها الرؤية  والتمحيص وبقت راقدة مستقرة لم تهشم من وجهه الصبوح كباقة ورد فهل انت تنظر لديكور تشكيلي لتُبدي إعجابك وثنائك؟ أنت تنظر لمشاعر ألهبها وأحرق حديقة آمالها طلقات غدر الفاشيين... فقد يكون ا لضحية أخاك أو اي غريب تتمعن بصمت وخشوع بجسد ه كإنسان آذاه سلطوي غاشمي..

مرّت لحظات لاساعات فاتخذوا الليل سترا لاسكنا.. وهيئوا مستلزمات حمل الاخ- الجنازة بلاوداع فمن قرر العناق والتقبيل منعه الذهول واللاتصديق وتيبس الجثة ليقرر الأب ان يكون هو فدائي الرحلة رحلة الدفن فمن يعلم من سيأخذ سامي معه منهم لورافقوه واوقفتهم مفارز الفاشيين المنتشرة كالنمل بطريق دفنه والمطنطنة كالذباب؟اليست شهادة الوفاة (خائن إعدام حتى الموت) كافية لجواز سفرهم المجاني برصاصة فاشية؟!

لم يذهب أخوته معه ولكن الاصعب للأب هو دفنه مع الغرباء فحتى في مدافنهم كا نوا يخافون قراءة شواهد قبور أحبتنهم الشهداء المظلومين خوفا على حياة الباقين آحياءا وهم أموات من الغيظ والصبر.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1589 السبت 27 /11 /2010)

 

 

 

 

في نصوص اليوم