نصوص أدبية

قتيل حوار النوافذ

بالصدفة سيارة تكسي اجرة من نوع تويوتا كراون تحمل ركابا يرتدون ملابس كانت تميز وتأسر زي المشهد العراقي لسنوات وهي ملابس الخاكي العسكرية ويظهر انهم ملتحقون بوحداتهم العسكرية لان المرسوم الاتجاهي هو مغادرة العاصمة لاالقدوم اليها. مشهد التوقف لثواني بطبيعته المتداولة تجعل كل قريب لزجاج السيارات المتجاورة يبدو شارد الذهن يتفرس بشيء ما يشغل تفكيره الابعد بالموت الذي ينتظره بالحرب الضروس أو اما لانتظار الاشارة الخضراء او للسيارة التي جنب سيارته وسرعان ما تلتفت الاعناق بمختلف الاتجاهات هنا حوار النوافذ مستساغ لانه حوار الدقيقة التي تبرق بمضي وبرهات زمن تتصاعد فيه زفرات التافف وهسيس خافت للضجر مكتوم الزفرة ثقيل الوطأ.

كان الجندي الذي يجلس خلف السائق شاردا بكل الحواس فقد ترك خلفه دموع امه العجوز تودع التفاته برقبة كادت تنفصل عن عنقه من شدة الميل وهويتحسس تلك العواطف الجياشة لوالدته التي غادر منطقة احتضانها وحنانها المفارقه قسرا ولم تجود شفاهه حتى ببسمة لجردل الماء الذي اعتادت الامهات العراقيات سكبه خلف المسافر كانما يُطفى نارالشرور او سعير شظايا لاتتمناها بالارتسام الخيالي للامومة، انتبه الجندي لصخب غريب موسيقي وغنائي ينبعث من الكرايزلر المجاورة شغله الصخب المرتفع عن مسلسل تيار التبحر في حيثيات فراق امه ودموعها المدرار وعناق يديها الذي كاد يكون قيدا لعنقه الطوقي! ألتفت بألية المستساغ لمصدر الصوت ليجد ان جيرانه الدقائقي الزمني هو فتاة عارية ترقص على المقعد الامامي تلسع ناظرها السائق بغنجها ودلالها وتراقصها الذي كان يهزّ الكرايزلر فكانما ترقص حتى الاطارات مع تموجها التصاعدي والتنازلي وهي عارية من كل ثوب! كتلة لحمية شعرها الاسود يتناثر على امواج التبريد الهوائي للسيارة وثدييها يتقافزان ككرة لامدولبة الصنع مع كل قفزة لها وسكون وخفوت؟! والايدي منتشية تحلّق عاليا وتعود لاعشاشها تمزق احشاء الناظرين! سائق التكسي لم يرى المشهد لان مقدمة سيارته متاهبة فقط لاختراق الاشارة الحمراء عند تغيرها لذا كان المجاور للنافذة خلفة هو المتفرج الوحيد على مسرحية خشبتها كرايزلر بطلتها عارية منتشية تلّوح لقيسها السائق بتموجات افعوانية يرسمها جسدها المكتنز وبوقه التنبيهي كان ليس الموسيقى المصاحبة والصخب بل جنون اتجاهات تشتت الثديين!

كان قائد الكرايزلر في قمة النشوى والمتعة لاتهمه إشارة حمراء بل ماسورا ببطلة الشبق الذي يتملكه واذا به يرى تلصلص عيون الجندي المنذهل بكتلة اللحم العارية المتراقصة زمنا كثانية او ثلاث فلم يكن حوار النوافذ السياراتي التجاور، ابديا.. ترّجل من سيارته غاضبا مرتديا الزيتوني سمة جبروت ذاك العصر، بقسمات يتصبب منها حنق وجبروت، توقف رقص العارية وسكنت الاثداء عن التقافز المجنون لفت تطاير شعرها ومالت بعنقها تتابع مسير الفارس القريب من إمتطاء سرجها... لتراه يسحب مسدسه ويطلق الرصاص على رأس الجندي المنذهل بالمشهد الخيالي ويرديه قتيلا على الفور ويعود ببرودة اعصاب ليشغل الكرايزلر مبتعدا عن ذهول الجميع.. شرطة المرور... دورية النجدة... ركاب سيارة القتيل... اهل السيارات المتوقفة فقد سحرهم وكبّل افواههم صوت الرصاص وصرع الجندي ملازمين الصمت المطبق فلم تلحق دورية الشرطة بالقاتل ولكن احد المتوقفين في طابور إشارة الموت الحمراء قالها بصوت عالٍ هاهو رقم السيارة واعطاه لدورية الشرطة ورفض الحضور كشاهد لانه متيقن نفوذ القاتل لجرأته التنفيذية... أستدار سائق التكسي بجثة الجندي متجها مع دورية الشرطة التي سجلت افادته ورفض الركاب العسكريون الشهادة فالقانون معهم فلاسلطة للشرطة على الجيش الابالمراجع.. اودع السائق الجثة في ثلاجة المستشفى القريب وقامت الدورية بمتابعة رقم الكرايزلر من سجلات المرور لتجد انها تعود لديوان رئاسة دولة الفاشست! وان القاتل هو من حماية ملك الكوكب الفضائي، محصن ضد الملاحقات والمحاكمات والاوبئة فاخبروا مراجعهم ليحضر بعد ايام ذاك القاتل ويعطي افادته صوريا ويدعي بان الجندي تحرش بزوجته!! وأسمعها كلاما نابيا وانه غيور من منطلق عشائري فار من الغضب المتملك احاسيسه فقتل المتحرش شهيد حوار النوافذ! وإكراما للميت تنازل عن دعوى التحرش ضد القتيل والاكان سينال الاعدام حتى بعد موته المسرحي بتجاور النوافذ التي نفذ منها منتشيا للعالم الاخر!

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1594 الخميس 02/12 /2010)

 

 

 

 

في نصوص اليوم