نصوص أدبية

مرؤة في طعام تقود للاعدام!

الاكلة الشعبية الشهيرة المرتبطة بشتاء العراق أسمها الباجة ولاعناء في تفصيلها الغذائي ولكن طريقة إعدادها تناسب حجم البرد ومناكفته الدفئية بها. كان النادل يعرف الجندي جيدا وينتظر قدومه كزبون دائم عند كل إجازة من جبهات القتال لانه يكرمه بالبقشيش المتميز لذا يسارع الى تمييز الطاولة وتنظيفها برجّات عنفوانية ويزينها بمقدمات قدوم الباجة عروسا مزفوفة لمعدة مشتهيها! الغروب يقترب وحركة الناس شتاءا مزاجية التكاثف، المطعم يشرف على تقاطع طرق في مدينة مقدسة لاتسمع الاصوت إلتهام الطعام وقرقشة العظام وخاصة لمستمع ينتظر زفة الاطباق القدومية فالجميع مشغول بمعركة الايادي يعالج هذه الاكلة الشعبية بنهم ومن يراقبهم يبتهج بنجوى إستمتاعهم وتلذذهم بها. ورد لمحمد طعامه وشرع باطلاق العنان ليديه بتقطيع اللحم مفردات غنيمته التي يفارقها عند إلتحاقه بالجيش ويعانقها عند قدومه مجازا حيا بلانعش وهي الاماني التي ظلت تراود أهالي كل من يرتدي الخاكي وقت الحرب الضروس. وبعد عدة لقيمات قطع صمت المستمتعين و صوت تكسير العظام المتصاعد من زفير الطاولات إستغاثة غريبة داخل المطعم الذي يرتاده الرجال فقط في تلك المدينة المقدسة، إمرأة ملتفعة بالسواد تلف عباءتها حول جسدها بطريقة إلتفافية اخفت نصف وجهها عن الناظرين ولكن وجهها المرعوب وصوتها المتوسل أفقد الجميع الصواب وهي تلوذ بين الطاولات المزدحمة بالرجال تبحث عن ملاذ غريب للامن، ترك اغلب الزبائن طعامهم مهتمين بالعصفورة التي دخلت عشا لايناسبها كانت تؤمي مرتعبه الى مدخل المطعم فظهر انها تستجير بالزبائن بمن يلاحقها... فقد خنق الخوف موجات صوتها الانثوي المتناعس.. فخفت وكانت سبابتها التي غلفتها لفة العباءة تشير الى مكمن قدوم الخطر الذي يلاحقها ومنه دخلت عش الريبة الذكوري واذا بشخصين يدخلان المطعم عنوة ويفترقا باتجاهين مختلفين لمحاصرتها لان سواد العباءة وشدة الانارة وجلوس الزبائن على الطاولات كلها وضعت كتلة المراة الملتفعة بالسواد والمرتجفة هدفالغزاة خلوة المتنعمين المريبة. كان شكل شعر الشابين الكث والفوضوي يدل قطعا على انهم من العرب وليسوا عراقيين بسبب ان كل الاعمار المقاربة لسنهم واجب عليها قص الشعر والولوج في التشكيلات العسكرية. نهرهم صاحب المطعم لدخولهم عنوة وتماوجهم بين الطاولات وأستعمل النادل يده لمنعهم من الاقتراب من العباءة المرتجفة ذات الوجه النصفي الظاهر ولكنهم لم يرعووا كانوا يتمتمون بلهجتهم المصرية بما أفهم الزبائن ان المرأة طريدتهم وضالتهم وإنها تخصّهم و سينالوها باي ثمن. لم يكن سوء النية في الحسبان فياما تزوجت عراقيات وقتها بالمصريين وخاصة الارامل ولكن النادل سألها بصوت خافت هل تعرفيهم؟ هل انت زوجة احدهم؟ اجابت بالنفي القاطع بهسيس وإرتجاف الشفاه وحشرجة وشحوب نصف الوجه كلا بهزّة رأس متوالية العدد! ثم همست له انهم يلاحقونها منذ ولوجها السوق وعاكسوها وطلبوا منها مرافقتهم.. وبيتها غير بعيد من المطعم ولكنها مع خلو المارة دلفت للاستجارة بالمطعم ، مرر النادل المعلومة للجندي الذي كان في طور تكوير اللقمة الاولى التي تعلقمت واصبحت كالزقوم فنهض منتفضا نحو المصري القريب معنفا اياه ماذا تريد منها اخرج حالاوالا ضربتك ولكن الملاحق المصري الممتطي جنون رغبته لم يكترث وبقى يناور مع زميله الطاولات نحو مركز العباءة السودادي عندها امسك الجندي تلابيب المصري القريب منه وحمله خارج المطعم وألقاه بعنف متساقطا متكورا على الرصيف ثم عاد للاخر ليجده شاهرا سكينا كان يخفيها لم يرتبك من مظهر تهديد بائس فاقترب لامباليا واذا بالمصري يصول عليه ويشق باطن ذراع يده اليسرى التي كانت نوعية الطعام الشعبي تقتضي إظهارها خوف تلوث الاكمام أنسال الدم الدافق.. فقد الجندي الجائع القارف ، اعصابه لوى يد السكين التي هشمت كبريائه وانتزعها وبجنونية تجمعت بذورها من هتك عرض عراقية هشمت سكونه النفسي وإجازة من الموت وطعام لم يتهنيء بلقمته الاولى وإستجارة لمرؤته ، ضجع المصري ويده تنزف ثم قام بذبحه امام كل الانظار! تهالك الى مقعد قريب سارع النادل لتضميد بدائي ليد الجندي النازفة، هرب الزبائن تطايرت الاطباق والاواني والكراسي وانقلبت اغلب الطاولات ، حتى المراة لم تطلق صرخة ولاتهويل مسموع وغابت بين الزحام دوت صفارة الشرطة فقبضت عليه غطوا جثة الذبيح فلازال مسرح الحدث نديا يقرأه الناظر. مرت الساعات لم يزر اهله مرت الايام احالوه الى محكمة عسكرية لان القانون المدني لايطاله وكان القانون العراقي مع المصريين ضد أبناء الوطن لم تنفع شهادة الشهود لان مادة الحدث المرأة ظلت مجهولة الهوية ولم تات للشهادة تخاف سوء العاقبة ولوك الالسن وتصدع عفافها فبراءتها تحتاج في الاوساط المحافظة الى معجزة قناعية هي في غنى عنها لقد سترها وطني شريف غيور واذا تحكم عليه المحكمة بالاعدام!!لم تكن براهينه مقنعة مقبوله للمحكمة فاعتبروا الامر تلفيقا عبارة عن شجار... 11 سنة كان محمد ينتظر فيها كل ساعة الموت وخاصة عندما يستدعونه لامور السجن المعروفة، أنطوت الحرب وجاء الحصار وغادر البلد أغلب المصريين ونال محمد العفو المستحيل التصديق فظهر ان حكمه مع وقف التنفيذ دون ان يعيه خرج للعالم من جديد غير مصدقا ماحدث التئمت جراح اليد اليسرى بخارطة فاضحة التشويه سترافقه مدى الحياة ولكن جرح الفؤاد لن يلتئم حتى يعرف سرّ تلك التي غامر بحياته لاجل تلبية نداء إستنجادها الذي لم يسبر غورصدقه في لحظة كاد الطعام يؤول به لمنصة ألاعدام.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1601 الخميس 09/12 /2010)

 

 

في نصوص اليوم