نصوص أدبية

عمل شاق في الضيع

الإشغال في الضيعة، أصبحت نادرة و السيد ماركوز يقتلع البطاطا بضربات سوطه. بكرة، كان هو و وكلاءه يطرقون جميع أبواب الأكواخ...

كانت السماء منقشعة...

البؤس، البرد، الحرب. يخرج الرجال من أكواخهم صائمين، بمرارة الأيام المتكدسة فوقهم منذ أكثر من قرن ثم يمشون في دروب الوحل عبر الكروم، الظلال ، الأعشاب...

في الليل، لقد أطلقت المدافع النار عدة مرات ثم تدفقت خطوات وأصوات عند جار. ثم استمع لصوت انفجر بالنحيب ثم عصفت الريح بالأشجار.

-إنه ليوم جميل، قالها السعيد.

كان الآخرون ساكتين

- اليوم يوم دفع...

سكت السعيد قليل... فلم يكن يسمع إلا وَقعَ الأحذية وهي تدوس المدر المبتلة وحفيف أوراق القصب؛ كان هذا الجمع يحاذي الوادي.

أضاف السعيد: يدفع لنا أكثر مما يدفع في ضيعة السيد مارشان...

الآن كانت الأعشاب توجه أوراقها المتدلية بقطرات جليد نحو حيث سينبعث شعاع الشمس الأول

-البؤس لن يقتل على ما يبدو،ما يقتل هو شيء آخر.. رطن السعيد.

في الوراء كان عم علي يجر ساقه اليسرى. كادت رجله تضيع في الحرب الأخرى.

فبدأ عم علي كالمعتاد يغني:

 

حمودة يا وليدي

اطهلالي في الدار

لو كان دريت هكذا يجرالي

لانسكن البلدان

نبنى خيمة على ولادي         ونعاشر البلدان

ثم سمع يسعل.

عندما اقتربوا من رقعة البطاطا حثوا جميعهم خطاهم. كانت الصناديق مكدسة في ممشى واسع يحدد هذا الحقل عن الكروم الممتدة على عدة هكتارات.

- لن تمطر اليوم، قالها السعيد موزعا الصناديق... أليس كذلك سيدي ماكوز...

لم ينبث ببنت شفة، السيد ماركوز. منتصب على فرسه، والنعاس الغاشي مقلتيه، كان ينظر في الرجال القادمين من عدة دروب.

 

 (اليوم جاءوا و أخذوا أربعة كالأمس. موسى، صالح، عمار و عم علي. على الساعة الثالثة بعد الظهر. الواحد تلو الأخر. دفعوا بهم تحت خط الزيتونات المحدد رقعة البطاطا عن حقول الزروع.

رموا لهم بالمعاول و المجارف كالأمس. الجنود كانوا عشرة. السيد ماركوز، الذي رافقهم بقي بالقرب منا، كان منتصبا على فرسه، ينظر في تراصف صناديق البطاطا. السعيد، هو، كان يجري في الحقل و يمدنا بصناديق فارغة. اليوم أو بالأمس، قال السيد ماركوز، و كأنه يحدث فرسه: السعيد، هو، لا يهتم بالسياسة. اليوم، قد أعدم الأربعة بسرعة. ثم انصرف الجنود).

كانت الشمس قد أوشكت عن الغروب.

الواحد تلو الاخر يغادر الفلاحون بصمت الحقول. من ورائهم الكروم. على يمينهم خط معتم من الزيتون. كلهم، في المساء، يسلكون نفس الدرب عبر مقصبة محاذية للنهر، مستمعين الى هديره. البعض منهم صارا قليلا من البطاطا في منديله و كلهم دافعين بجزمهم إلى الأمام

 في الوراء، وحده ، متباعدا، كان السعيد يمشي، مثلهم، و عيناه متفحصتان في ظهور رفاقه.

 

أحمد بن قريش

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1179 الجمعة 25/09/2009)

 

في نصوص اليوم