نصوص أدبية

تناثر بوحها منذ ألف عام / سنية عبد عون رشو

        بين مسامير القمع                         

وورد  الصبير  .. هزيمتي

لا تعرفني بوصلة البحر

فيض من البوح الروحي تبثه عيناها المتفرستان باتجاه شارع ضيق يضم بيوتات غائرة بين النخيل وأشجار الزيتون  ....شجيرات متشابكة  بدفء وحنان ....أوراق ألآس تحيط  بالقرية وتمنح طيورها ملاذا   ....

تأخر  عن موعده ....خطوات نعيمة تعلن أن روحها تتمزق وتضطرم النار في قلبها الفتي .....فهي تسمع تهامس الشجيرات التي  تشاطرها الترقب والخوف حين ينسج  الغروب خيوطه

بذلت جهدا   كي  تستقر في مكان واحد.....لكن  دون جدوى.....عصفت الظنون برأسها فحاولت جاهدة إبعادها عن مخيلتها ....كانت مقتنعة بمجيئه .....لكنها  تساءلت  في قرارة نفسها عن سبب تأخره .....

انتظرته بضع ساعات ...... مرت كأنها الدهر  ......

لم تلح في الأفق  بوادر أمل لمجيئه   ....فعادت أدراجها  منكسرة  ....أخذت تسارع الريح خطواتها .... لكنها سمعت صوتا يناديها من     بين الأشجار ....هامسا .....

  نعيمة .....ما الذي أتى بك  وقت الغروب  ....؟؟ 

  توقفت برهة  ...تلفتت ....خفق قلبها ...من أين أتى ذلك  الصوت ........؟؟ سمعت وقع خطواته خلفها ...

.آه  انه ليس هو ......

 انه أبن الشيخ الذي تمل من  ثرثرته الدروب وتقرف من زيف كبريائه النساء ...؟؟ هاهو يلاحقها كعادته ويعلن حبه وولهه... ....عند ذلك لم تعد قادرة على كبح جماح روحها  ....أخذت .تتأفف وهي تفرك بعض أوراق ألآس بين كفيها حتى اصطبغتا باللون الأخضر .... لم تنبس إلا بجملة واحدة .... ابتعد عني أيها الأحمق .....

......غدا سيزوركم أبي الشيخ مع رجاله لخطبتك ....احمرّ وجهه ثم ابتسم .....نعيمة هل توافقين .....؟؟؟

( ها ....ماذا قلت ...؟؟  )  كم أنت واهم

تتجاهلين دائما تعلقي بك ....!!   أرجوك لا تخجلي .....

حملقت بوجهه باستغراب شديد ....شكت عيناها حماقته .....  وبدت نظراتها كأنها موجهة إلى اللاشيء .....

بانفعال واضح أشعل سيجارته ......ربما لا تصدقين  ....

قطرات من مطر نيسان تبلل ملبسهما .... أوراق الاس تزداد لمعانا وخضرة لتمنح الأفق عطرها الرائق   .....

انسحبت  بصمت على عجلة من أمرها ....تردد مع نفسها  ( تنتظرنا أيام عصيبة.. وأبي قد تخدعه نعومة الشيخ.. وكرمه )  ....(ان أبي يحب الشيخ .....   ولا يرد له طلبا )

لكن .... قراره المفاجئ يبدو كأنه كذبة نيسان أو مطره ...فان صدق ....عندها سيغرق زورقي وأشهد خواء الثريا في شتاءات أيامي الباردة   .....أين أبن الشيخ المتهور من قلب كريم  المرهف .....   

 كريم قد تأخر..... لكنه حضر توا ....فتوارى بين الأشجار حين رأى أبن الشيخ ...ورأى تموج ضفائرها في مهب  الريح  ....فكتم شوقه

أربعة رجال يدخلون غرفة (المضيف ) يسبقهم الشيخ ....بالترحاب والغبطة كان استقبال الوالد لهم .....يخفق قلبها ذعرا وترتعد  حواسها وقد امتلأت روحها رعبا وامتعاضا ....أخذت تسعل بشدة ... كأنها أصيبت بحالة اختناق مفاجئ .....جاهدت أن تبدو أحسن حالا أمام دهشة أمها  لكن السعال يباغتها بصورة متزايدة .....

نهضت متجهة نحو فناء الحديقة الواسعة ..... يواسيها الأفق والروابي والسراب  فبكت ....ففي غربة عينيها كان السؤال .....  

أحد أخوتها : نعيمة أعدي الشاي حالا ....

تحاول أن تسترق السمع وهي تحمل أواني الشاي ....ما يخيفها أن  تجبر على الطاعة المطلقة .....

وقع خطوات أحدهم جعلها تنزوي بعيدا عن الباب .....

دعوني أعاتبكم بلوم شديد .... يعذبني حرماني  من دخول الجامعة......واليوم .....  ألا   تسألون عن قناعتي أو عدمها  ....فأنا  صاحبة القرار ...!!

قالتها في سرها دون أن تجرؤ على نطقها .....

أخذت تتأمل في الأفق الواسع وما زالت تسترق السمع باتجاه فتحة الباب انسلت خصلات شعرها لتغطي وجهها الحزين

 صوت طيف خفي  يعلن  بنبرات الأسى   ان حلمها قد مات

ها هم يعلنون ..... غبطتهم ورضاهم   .....

قاطعتهم غاضبة  .....لكني لست راضية

زمجر صوت أبيها مرتعدا  .....لقد انتهى الأمر وأعطيت كلمتي ....

تألمت جدتي وعاتبتني بشدة حين رأيتها في المنام .... بان على وجهها الضجر والغضب ....قالت زرعت لكن عشبة الانتظار ....سقيتها بماء السنين منذ ألف عام....... فما أينعت أوراقها  ......فيا عجبي.....!!

قلت معذرة جدتي ......نسيت أن أخبرك أن العدّ كان معكوسا  

         

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2039 الخميس 23 / 02 / 2012)

في نصوص اليوم