نصوص أدبية

في سورية التي أحبها / فرات إسبر

 في البعيد طفلة تر كضُ، أمامي، ورائي وخلفي،تظهرُ الاماكنُ ولكن بملامح عصية على القبض.

ماذا تحمل ذاكرة إمراة تجاوزت الخمسين، من ذاكرة طفلة عمرها عشر سنوات أو ربما أقل بكثير ؟

 الركضُ في هذ ه المسافة، يشبه ٌ الحرب .

 تتقاذفني الذكريات وتأخذني شططاً لقصص ٍ لم أدرك أن لها معنىً أ وأنني سأنبشُ ترابها لتظهر صوراً ما زالت حية رغم مرور هذا الزمن العجوز .

تتداعى الذكرياتٌ مثل عناقيد عنب تركتها أ مي على عريشتها التي تعربش على سطح البيت وتنبعُ كخمرٍ،لم نشربه خالصاً وأنما تذوقناه عنبا حلوا

ماذا أذكر من فرات؟ هذا الاسم الجميل الذي أحبه !

شكراً أ بي منحتني من صفاء روحك أسما لا يعرفه إلا الماء.

فرات، تستيعدُ الذاكرة، شريط فيلم توقف أمام الصف الخامس الإبتدائي وربما الرابع الإبتدائي في مدرسة "الآيوبية" في مدينة جبلة، مدرسة واسعة وعريضة .

 اتذكر المساحات والغرف، وأتذكر درس القراءة واللغة العربية، وبالمقابل ما زلت أذكر فرات الخجولة التي" تعرف " الأجوبة "- كانت متفوقة في دروسها ولكن كان ينقصها الكثير من الشجاعة كي ترفع يدها وتقول" أنا أعرف الجواب ".
ما زلتُ أذكر يدي التي تهبطُ ُ وتصعدُ مترددة في الأعلان عن حضورها، كما هي اليوم في ذات الأ رض واختلاف العمر والحدث !!

قصصٌ كثيرة ٌ في الذاكرة وأحوالٌ تمر في البال، لا أدري إذا كانت تحمل من معنى أم لا ؟ ولكنها ربما في نظريات علم النفس تشكل عالما ً قويا ً لبنا ء شخصية مميزة نحتاجها اليوم لنقول كلمة حق .

ما زالت أذكر يوم مرضت بمرض الحصبة، هذا المرض الذي أكل جسدي بكامله، صورة لا تفارقني، كنا اربعة اخوة انا واحدة منهم، ولكن إصابتي كانت الأقوى، حيث اكلت شعري ووجهي ورموشي تساقطت وإلى اليوم ما زلت أذكر قول امي" الله حماك"

سورية اليوم مريضة بداء الحصبة الذي بدأ ياكل منها كل جسدها،فهل ستشفى ؟ ساقول لها كما قالت لي امي "حماك الله سورية " "

القصص ما زالت في ذاكرتي، وما زالت تهزني من أعماقي، كيف لجيل اليوم أن يتذكر وبأي دم ٍأحمرٍ قانٍ سيعيد سرد الروايات.؟

الحكايات تمر كنهرٍ في ذكراتي .تتراءى أمامي صورا ً من الماضي إلى الحاضر إلى اللحظة الأن كم تباعد هذا الجسد السوري وما ذا فعلت به هذه الحصبة اللعينة ؟

قلبٌ سورية تعب ٌتعب ٌ،كيف له ان يستريح ؟

 بابعاد مختلفة تـاتي الكاميرا، وجه مشوه لطفلة،أم تلطم، جدار متهدم، عجوز يبكي، رجل قطعت يده، خبز ٌ يسقط شهيدا قبل حامله !.
 الأطفال لا يحملون كاميرا،ذاكرتهم لن تخونهم سيقولون:
 أخي قتل أبي .

 أبي قتل أخي.
 عمي قتل عمي

 جاري قتل جاري

والجيران قتلوا بعضهم البعض .

سأبكي عليها تلك التي كانت الجياد تركض في ذاكرتي من أجلها ولها .

سأبكي منها، تلك التي أخذت كل شئ :

أبي وأمي وأخوتي وأولاد الجيران

التي أخذت حارتي ودكاكينها ومدرستي الابتدائية

التي أخذت جارنا وابنتيه وعينيه ويديه

 هي" الفتنة "أمارة بالسوء

 لا تضع وردة ًعلى صدر القتيل،

 هو الذي غادر وفي عينيه كل الصور.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2069 السبت 24 / 03 / 2012)


في نصوص اليوم